القدس: عند مدخل شارع الواد في القدس القديمة تقف مجموعة من افراد الشرطة الاسرائيلية، ويد كل منهم على زناده، يمر شاب مقدسي فيطبقون عليه: واحد يطلب منه هويته وثان يصوب سلاحه الى رأسه، وثالث الى ظهره، ورابع يأمره برفع سترته، وخامس يطلب منه خفض سرواله، اجراءات افرغت الشارع من سكانه او تكاد.

ومنذ الرابع من تشرين الاول/اكتوبر الجاري، تحول هذا الشارع الى ما يشبه ثكنة عسكرية حقيقية والى تجمع استيطاني كبير، وذلك بعدما قتل فيه يهوديان في هجوم نفذه فلسطيني ليبدأ بعده مسلسل العنف المستمر. ومذاك وضعت الشرطة في الشارع ثلاث بوابات الكترونية لكشف المعادن ووضعت متاريس حديدية على امتداد الشارع واكثر من عشر نقاط تفتيش، في حين تقوم مجموعات من فتيات مستوطنات في البلدة بتوزيع الحلوى والعصير على الجنود المتمركزين هناك.

وقتل اربعة اسرائيليين في هجمات نفذها فلسطينيون في حين قتل 25 فلسطينيا برصاص القوات الاسرائيلية في موجة عنف بات بعض المحللين يسميها "الانتفاضة الثالثة".
واتهم التجار المقدسيون في شارع الواد الشرطة الاسرائيلية بانها تسعى الى تفريغ الشارع من تجاره العرب عبر تحويله الى ثكنة عسكرية، وتقوية المستوطنين، على غرار ما فعلت في شارع الشهداء في مدينة الخليل المغلق منذ عام 2000.

وقال التاجر خالد تفاحه لوكالة فرانس برس "لن نجعلهم يغلقون شارع الواد على غرار شارع الشهداء في الخليل... على جثثنا وجثة اولادنا! هذا لن يحدث". اضاف ان "المضايقات التي نتعرض لها من الجيش والشرطة والمستوطنين والحراسات الخاصة ليست جديدة، فهذا الوضع نعيشه يوميا، لكنه زاد هذه الايام عن الحد بشكل يفوق التصور. انا شخصيا افتح من التاسعة صباحا وحتى العاشرة ليلا، حتى ولو بدون بيع". وتابع "وجودنا في محالنا هو مقاومة بحد ذاته، وقد مرت علينا اوقات اصعب من هذه".

وأغلق اكثر من ثلاثين محلا في شارع الواد، كما اغلقت محال سوق القطانين المتفرع منه، والمؤدي الى الحرم القدسي. وقال جهاد ابو صبيح، وهو صاحب محل حلويات، "لا احد يجبرنا على الاغلاق، لكن البلدة مغلقة ومحاصرة، والشارع مليء بالمستوطنين والجيش. كان التاجر يأتي في الثامنة والنصف صباحا. اما الان فلا يفتح قبل الثانية عشرة، يبقى ساعتين ثم يعود الى بيته".

وتابع "منذ عيد الفطر وحتى الان الوضع سيء في الشارع، لكن تفريغه منا مستبعد. لقد مرت علينا ظروف اصعب في وقت حرب غزة، لن يحدث هذا... لان التجار ستفتح محالها حتى بدون بيع. لن يموت احد من الجوع". وتبدأ عمليات التفتيش من باب العمود، المدخل الرئيس للقدس القديمة المحتلة منذ عام 1967، علما بأن السلطات الاسرائيلية لا تسمح لاحد بدخول المدينة الا سكانها واصحاب المحال التجارية فيها.

والقدس القديمة مجهزة بالمئات من كاميرات المراقبة في شوارعها منذ عام 2000، كما ان الشرطة تطلق مناطيد مزودة بكاميرات مراقبة فوق سمائها واحيائها من شعفاط وسلوان ورأس العمود، اضافة الى مروحيات الشرطة التي تحوم فوق البلدة باستمرار، في حين يتنقل المستوطنون الذين يسكنون البلدة القديمة بمواكبة من حراس امن تمولهم الحكومة الاسرائيلية.

وعلى واجهة احدى بنايات الشارع، ويطلق عليها بيت شارون، علقت اعلام اسرائيلية بطول عشرة امتار غطتها بالكامل، كما اغلقت اعداد كبيرة من المستوطنين محيط هذه البناية حتى صار الطريق بالكاد يتسع لمرور شخص واحد.

واعرب حمدي نصار (50 عاما) احد سكان الشارع عن خوفه مما يجري، وقال لفرانس برس "صار المرور في الشارع مرعبا، انا رجل كبير واخاف من الشرطة ومن اجراءاتهم، فلو رفع الانسان يده بالخطأ لحك رأسه، سيعتقدون انه سيستل سكينا، ويقتلوه، ولو قال احد المستوطنين عن اي شخص انه +مخرب+ ستقتله الشرطة على الفور. الوضع مخيف جدا، لا يوجد أمان".

من جهته اعتبر رئيس نادي الاسير في القدس ناصر قوس ان "شارع الواد مستهدف من قبل الحكومة والمستوطنات، لانه يؤدي مباشرة الى حائط البراق، كما ان فيه مدارس دينية استيطانية متعددة ومراكز اعلام وسكن للمستوطنين". وتابع "لا يوجد شاب في هذا الشارع لم يتعرّض يوما للضرب من الشرطة التي كانت تقف على مدخل بيت شارون. اعتقلت الشرطة 125 مقدسيا منذ بداية الشهر، نصفهم من القاصرين، لا يزالون قيد الاعتقال، كما فرضت على سبعة اخرين اعتقالا بيتيا لمدد مختلفة، واطلقت سراح 15 بكفالة بنكية".

وفتح المستوطنون منذ السبت بيت عزاء& في شارع الواد لليهوديين اللذين قتلا في الهجوم الفلسطيني. وقامت فتيات يهوديات باضاءة شموع على الارض بعدما رصفتها على شكل نجمة داوود. وزار هذه الخيمة خلال الاسبوع معظم اعضاء الكنيست من احزاب المعسكر الصهيوني والليكود والبيت اليهودي ويش عتيد.

وقال إلعاد مارغل (32 عاما) وهو اسرائيلي يعمل مدرسا لمادة التوراة، واتى الى الشارع لتقديم واجب العزاء "عندما يكون هناك سلام بامكان العرب العيش بيننا، لكنهم يهاجموننا، هذا يعني اننا في حالة حرب، لذا يجب ابعادهم من القدس والضفة الغربية ومن غزة، الى الاردن". واضاف المدرس ذو الشعر الاشقر، وقد وضع& قلنسوة سوداء على راسه، "يجب ان يكون على يمين نهر الاردن فلسطين، وعلى يساره اسرائيل (...) ليذهب الفلسطينيون الى هناك (الاردن)".

واعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الاحد حشد 16 سرية اضافية من الاحتياط من حرس الحدود في القدس. وتضم هذه الفرق نحو 1600 عنصر. وفي اليوم نفسه صادقت الحكومة الاسرائيلية بالاجماع على مشروع قانون يحدد الحد الادنى من عقوبة من يلقي حجارة وزجاجات حارقة بالسجن لاربعة اعوام.