تبدو الرغبة الروسية اليوم في مساعدة نظام الأسد على إحكام إمساكه بمناطق سيطرته واضحة بشكل جليّ، أكثر من رغبتها في مساندته لاستعادة مناطق أخرى كان قد خسرها في وقت سابق.


علي الإبراهيم: هذه الرغبة بدأت تتضح بعد مرور نحو شهر تقريبًا على بدء الغارات الجوية الروسية الكثيفة المساندة للنظام في سوريا من دون تحقيق أي نتائج استراتيجية تذكر، حيث فشلت القوات النظامية في محاولات التقدم البري على جبهات عدة في البلاد، كانت قد خسرتها مسبقًا، رغم الدعم الجوي الروسي، إضافة إلى سيطرة الثوار على مناطق جديدة، كانت تعتبر قلاعًا لها في وسط وشمال سوريا، وخاصة في إدلب وريف اللاذقية وجنوب مدينة حلب.

تحصين الساحل
النظام السوري بدأ الاعتماد على خطط روسية جديدة، تفضي إلى تحصين منطقة الساحل في غرب سوريا، معقل قوات الأسد ذات الغالبية العلوية، وذلك بهدف تأمين المناطق التي يسيطر عليها، في محاولة لصد أي هجوم مضاد، خصوصًا أن جيش الفتح أضحى على الأبواب.

هذا ما& كشفه ضابط منشق، كان أحد المسؤولين عن فوج المدفعية في لواء درع الساحل، في منطقة صلنفة في ريف اللاذقية، قائلًا: إن "النظام يُحضّر حاليًا لمعركة كبيرة من محورين يقودها ضباط روسيون، هدفها تأمين الخطوط الأولى للساحل، الأول يبدأ بالسيطرة على مدينة سلمى في جبل الأكراد، والثاني، وهو الأهم، ستحاول من خلاله قوات النظام السيطرة على تلال جب الأحمر، لأن ذلك سيضمن لها السيطرة على التلال الكاشفة على سهل الغاب وجبل الأكراد، مما يساعدها على تأمين حدودها المزعومة".

وكانت قوات النظام السوري بدأت أخيرًا هجومًا بريًا بمساندة جوية روسية في ريف اللاذقية، بعد وصول حشود عسكرية تتضمن آليات ودبابات وجنوداً إلى محيط قمة النبي يونس وجبل الأكراد، هجومًا يبدو أنه شكل موقعة كبرى لاستعادة السيطرة على ريف اللاذقية، لكن من دون جدوى.

مصادر في المعارضة المسلحة نقلت إلى "إيلاف" أن "أكثر من ألفي عنصر روسي من فوج المشاة متواجدون في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين لتأمين الحماية للعلويين والدخول في المعارك البرية، بعد فشل الضربات الجوية، والخسائر الفادحة التي تلقاها النظام في عدد من المناطق"، على حد تعبيره.

فشل روسي
لكن رغم ذلك، بدا واضحًا فشل الخطط الروسية الجديدة في تأمين خط الحماية لمعقل قوات النظام في الساحل السوري، إضافة إلى تكبدها خسائر فادحة في العدة والعتاد، وخاصة في مدينة كفر دلبة الإستراتيجية، القريبة من مصيف سلمى، معقل قوات المعارضة المسلحة في ريف اللاذقية".

يرفض الشاب محمد بكري مطامع الأسد وروسيا في تقسيم البلاد، حيث كان يعمل في مهنة المحاماة. الشاب ترك عمله، وحمل البندقية لتحرير البلاد، كما يقول، وتابع حديثه "اليوم على الجميع حمل البندقية لتحرير البلاد من هذه العصابات، لن يكون لروسيا والأسد ما يحلمون به من بناء دولة علوية، سنحرر البلد بهذه "يشير إلى بندقيته".

الموقف التركي ثابت
الضربات الجوية الروسية في شمال سوريا، وخاصة في إدلب وحماه وحلب، شكلت حركة نزوح ولجوء للمدنيين باتجاه الحدود السورية التركية، وخاصة بعد استهداف الطيران الروسي للأسواق الشعبية والمشافي الميدانية، حيث وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 254 مدنيًا، بينهم 83 طفلًا، و42 سيدة، بضربات جوية روسية.

محمد عبد الرحمن عضو الرابطة السورية التركية لا يخفي قلقه من التهجير الحاصل في شمال سوريا باتجاه تركيا، بسبب الضربات الجوية الروسية، حيث يقول "تركيا ثابتة في مواقفها، حتى وإن مارست موسكو ضغوطًا جدية على تركيا، بتدفق اللاجئين أو مساندة الأكراد، فلن تحظى بنتائج. فكما نعلم فإن تركيا واحدة من أكثر الدول تأثُرًا بالقضية السورية، جغرافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، وعدا عن ذلك، فإن أكثر من مليون ونصف مليون مواطن سوري يعيش اليوم على أراضيها بين لاجئ ومستثمر ومقيم، وتقدم إليهم التسهيلات والمساعدة".

وقال رئيس تجمع الحراك الثوري في سوريا محمد الزين لـ"إيلاف": "ليست ثمة مواقف ثابتة في السياسة، والدول تعمل من أجل مصالحها، ولن يكون مفاجئًا التغيير في مواقف الدول عندما تتطلب مصالحها ذلك. ولعل الموقف من النظام السوري هو أكثر المواقف تغييرًا وسرعة في التغيير، إذ نكاد ندوخ من تناقض التصريحات الأميركية حول سوريا، بينما المواقف التركية ثابتة منذ اليوم الأول، ولن تتغير من خلال ما نلمسه على الأرض".

سلة روسية فارغة بفيينا
وأول أمس بدأت محادثات دولية حول سوريا في العاصمة النمساوية فيينا، بمشاركة 17 دولة، بينها إيران وروسيا، وسط إعلان الأخيرة عن رغبتها في إشراك "الجيش السوري الحر" و"الأكراد".

وقبل يوم من المباحثات تمكن تنظيم داعش من قطع طريق إمداد النظام السوري الوحيد إلى مناطق سيطرته في حلب ومحيطها بين بلدتي خناصر الواقعة في ريف حلب الجنوبي وبلدة إثريا في ريف حماه الشرقي.

للوهلة الأولى يبدو أن هذا التطور الخطير تزامن مع لقاء فيينا، حيث يشير إلى تورط الاستخبارات الروسية في دفع داعش إلى القيام بهذا العمل، ليقول الروس للسعوديين والأتراك: "هذا هو بديل الأسد الوحيد، وهو يشكل خطرًا كبيرًا، ويجب أن نضع يدنا بيد نظام الأسد لقتاله"، لكن سرعان ما علق الأميركيون على الأمر بعبارات كانت صادمة للروس، في مسعاهم إلى تحقيق أي مكسب سياسي، بقولهم "التدخل الروسي لم ينتج حتى الآن إلا المزيد من التقدم لتنظيم داعش!".

مصادر أهلية في شمال سوريا قالت لـ"إيلاف" إن "أي مبادرة لا تضمن رحيل الأسد غير مرحّب بها، وأي مباحثات تدخل فيها روسيا هي مرفوضة، فالروس والإيرانيون شركاء الأسد في القتل والتدمير، فمن قتل أكثر من نصف مليون سوري، وهجّر وشرّد أكثر من ستة ملايين، كيف يمكن أن يكون جزءًا من الحل".

أما القائد الميداني في جيش الفتح محمد فيصل فعلق لـ"إيلاف" على التطورات السياسية الأخيرة بالقول، "العجيب في تنظيم داعش أن جسمه "لبيس"، حيث تعمد كل القوى الإقليمية والدولية إلى استغلال التنظيم، حتى أصبح كورقة "جوكر" يستخدمها الجميع حين يفقدون الأوراق المناسبة في لعبة سوريا!، اليوم تحاول روسيا استغلال ذلك سياسيًا، بعد فشلها في تحقيق أي انتصار على الأرض، رغم ضرباتها المكثفة، لكن سوريا ستكون مستنقعًا جديدًا لغرف الأسد وفلاديمير بوتين".

صفر أهداف
خلال السنوات الماضية تمرّست فصائل المعارضة المسلحة على خطوات استباقية وتحصينات ضد الضربات الجوية، بداية من ضربات طيران الأسد، وصولًا إلى طيران التحالف الدولي وليس إنتهاء بالطيران الروسي.

هذه الضربات جاءت نتائجها عكس ما يتمناه الروس، فقد توحدت فصائل عسكرية عدة، إضافة إلى ظهور الجيش السوري الحر، كفصيل له قوته وسطوته على الأرض. فبعد الضربات الجوية الروسية والانتصارات التي حققتها فصائل المعارصة المسلحة والثوار، تتالت التصريحات العربية والدولية حول ضرورة دعم هذه الفصائل والاعتراف بها.

القائد العسكري في الجيش السوري الحر محمد سعود قال لـ"إيلاف"، إن روسيا اليوم فشلت سياسيًا وعسكريًا، هي تحاول إظهار الأسد أو داعش في البلاد كخيارين للسوريين لا ثالث لهما، لكنها تلقت صفعة بتوحيد الفصائل، وتقدمها على الأرض، لن يكون هناك أي تفاوض، لا مع روسيا ولا مع غيرها، نحن مستمرون في قتال الأسد ومن معه حتى إسقاط النظام، ولا يهمّنا ما يحدث في دهاليز السياسة"، على حد تعبيره.
&
&