يلجأ تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) كلما تزايدت الضغوط العسكرية على مقاتليه في سوريا والعراق الى اتباع ممارسات اكثر وحشية يروج لها عبر آلته الدعائية في محاولة لتصدر عناوين الصحف ونشرات الاخبار حول العالم.


بيروت: منذ اعلانه "الخلافة الاسلامية" على مناطق سيطرته في سوريا والعراق في حزيران/يونيو 2014، ذاع الصيت السيئ للتنظيم على خلفية العقوبات المروعة التي كان ينفذها للاقتصاص من كل من يخالفه الرأي او من يشك بانتماءاته.

واستفاد التنظيم المتطرف من مواقع التواصل الاجتماعي ليعمم مقاطع فيديو توثق عمليات اعدام جماعية وقطع رؤوس، وهي جرائم صنفتها الامم المتحدة بـ"جرائم ضد الانسانية". وتمكن التنظيم من تصدر واجهة الاهتمام العالمي بشكل خاص بعد نشره مقاطع فيديو باللغة الانكليزية تظهر اعدامه بطريقة مروعة لعدد من الرهائن الغربيين.

وتحدث الرئيس الاميركي باراك اوباما الشهر الماضي عن مقاتلي التنظيم لا بوصفهم "عقولا مدبرة" وانما "حفنة من القتلة مع شبكة تواصل جيدة".

ولجذب اهتمام اعلامي أكبر، يلجأ التنظيم بشكل متزايد الى اساليب قتل مرعبة وغير مسبوقة.

وتقول الاستاذة المحاضرة في جامعة ولاية جورجيا ميا بلوم لوكالة فرانس برس "يلجأ التنظيم الى التصعيد لانه يعتقد ان الناس يشعرون بالملل ويحتاجون او يريدون ان&يبقوا على اطلاع".

ولعل اكثر اساليب القتل المروعة التي استخدمها التنظيم هي اطلاق القذائف على الرهائن او ربطهم الى اعمدة ثم تفجيرها على غرار ما فعل في مدينة تدمر الاثرية في وسط سوريا والتي يسيطر عليها منذ ايار/مايو.

وفي شريط فيديو من العراق نشره مؤخرا، استعاض التنظيم عن نشر صور الرهائن قبل قطع رؤوسهم وبعدها، لينشر لقطات مروعة توثق عملية الاعدام باكملها.

واعلن التنظيم الشهر الماضي مسؤوليته عن اعتداءات عدة خارج سوريا والعراق، ابرزها اعتداءات باريس المتزامنة والتي اوقعت 130 قتيلا بالاضافة الى اسقاط طائرة الركاب الروسية في مصر، ما تسبب بمقتل 224 شخصا.

وتوضح بلوم ان "هذه المشاهد العنيفة تجذب نماذج اشخاص يودون ان يعيشوا على ارض الواقع لعبة 'كول اوف ديوتي'، اشخاص لديهم ماض عنيف ويريدون اعادة اختراع انفسهم" في اشارة الى لعبة فيديو ذائعة الصيت تعتمد التصويب ويجد فيها اللاعب الوحيد نفسه وسط حرب ضارية.

وحشية "غير مسبوقة"

وفي سيناريو شبيه بلعبة فيديو، نشر تنظيم الدولة الاسلامية مطلع الشهر الحالي، شريط فيديو يظهر جنودا اطفالا وهم يتسللون بين انقاض قلعة للعثور على مجموعة من الرهائن وقتلهم.

ويوظف التنظيم استخدامه الاطفال في عمليات خطرة في حملته الدعائية، نظرا لوقع الصدمة الذي تتركه لدى المتلقين.

وتقول بلوم "ينتقل الاطفال من كونهم مشاهدين للعنف على هامش عمليات التنظيم، الى مشاركين بفاعلية وملتزمين بالكامل في مقاطع الفيديو"، مشددة على ان ذلك "غير مسبوق".

ويقول المحلل تشارلي وينتر، المواكب لنشاطات الجهاديين عبر الانترنت، لوكالة فرانس برس، ان تنظيم الدولة الاسلامية يستخدم "العنف المفرط" للتأثير في مناصريه ولترويع خصومه والاهم لـ"نشر رسالته حول العالم".

ويوضح ان الحملة الدعائية للتنظيم تمزج بين صور العنف من جهة وبين تصوير "الخلافة" بوصفها طوباوية اسلامية.

ويشير الى ان المشاهد التي تتضمن اساليب قتل مبتكرة تترك وبشكل خاص لدى المتحمسين للتنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي "تأثيرا كبيرا".

واذا كانت مشاهد قطع الرؤوس واطلاق النار تعد "نادرة" العام الماضي، ما يفسر حجم ردود الفعل تجاهها، فإن اي حادثة جديدة اليوم لم تعد تثير الاستياء العالمي ذاته.

ويوضح وينتر "في الاشهر القليلة الماضية، واصل تنظيم الدولة الاسلامية استكشاف اساليب جديدة اكثر انحرافا، كقتل الاشخاص عبر ربطهم بسيارات رباعية الدفع وسحلهم حتى الموت، واغراقهم واحراقهم وعلى هذا المنوال".

ويضيف "عمم التنظيم عملية قطع الرؤوس الى درجة لم تعد تصدم الناس".

تراجع اصدارات التنظيم

وربما تعكس الوحشية المتزايدة في الحملة الدعائية للتنظيم الضغط العسكري المتزايد الذي يواجهه في سوريا والعراق من جهة، ورغبته من جهة ثانية بتقديم صورته كصاحب قوة وتأثير، على الرغم من تباطؤ اصداراته.

ويقول المحلل ارون زيلين في تعليق للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي ان اصدارات التنظيم تراجعت في الاشهر الاخيرة مع تكبد التنظيم خسائر عسكرية عدة.

وبلغت اصدارات التنظيم المتطرف ذروتها خلال الصيف مع تحقيق التنظيم تقدما ميدانيا في مدينة تدمر الاثرية في وسط سوريا ومدينة الرمادي في غرب العراق.

ويشير زيلين الى ان نتاج التنظيم المتعلق بسوريا بلغ ذورته مع 3762 اصدارا خلال ثلاثة اشهر من حزيران/يونيو حتى اب/اغسطس، لكنها انخفضت الى 2750 اصدارا في الاشهر الثلاثة اللاحقة، تزامنا مع بدء روسيا حملة جوية مساندة للحكومة السورية.

ويرجح زيلين ان يكون هذا التراجع مرتبطا ايضا بمقتل عدد من ابرز ناشطي التنظيم الاعلاميين، وبينهم جنيد حسين ومحمد اموازي اللذان قتلا تباعا جراء غارات للائتلاف الدولي بقيادة واشنطن في شهري اب/اغسطس وتشرين الثاني/نوفمبر.

وكان حسين يعد من وجوه التنظيم البارزة على موقع تويتر، في حين ان اموازي المعروف بلقب "الجهادي جون" او "سفاح" تنظيم الدولة الاسلامية، ظهر في تسجيلات فيديو عدة خلال اعدام عدد من الرهائن الغربيين وبينهم صحافيون وعاملون في المجال الانساني.

ويتزامن هذا التراجع ايضا مع نكسات عدة للتنظيم الذي فقد سيطرته في العراق على مدينة بيجي في تشرين الاول/اكتوبر، وكذلك على مدينة سنجار الشهر الماضي، بالاضافة الى تمكن فصائل عربية وكردية من طرده من الريف الجنوبي للحسكة، شمال شرق سوريا، بمؤازرة غارات الائتلاف الدولي.