لندن: لم يكن المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة العراقية مبالغًا حين أبدى تشاؤمه من الوضع الاقتصادي الصعب الذي سيكون عليه العراق عام 2016 مع هبوط الاحتياطي النقدي إلى النصف والذي توضح المؤشرات أنه لن يكفي لتصريف أمور البلاد لأكثر من ستة أشهر مقبلة مع فقدان العراق نحو 60 بالمائة من وارداته الحقيقية وبشكل يهدد بإعلان إفلاس الدولة خلال العام المقبل اذا لم يتم تدارك هذا الوضع الخطير.

فمع الانخفاض الخطير في أسعار النفط العالمية التي تدنت عن 40 دولارًا للبرميل في بلد تعتمد اقتصادياته بنسبة 90 بالمائة على النفط المصدر إضافة إلى نفقات الحرب الباهظة ضد تنظيم "داعش" وحيث تقود مبيعات البنك المركزي العراقي للدولار خلال خمسة أيام في الاسبوع بما يصل إلى 4 مليارات دولار شهريا بينما الدخل الحقيقي للبلاد لا يتجاوز ملياري دولار شهرياً ما يعني أن البلاد تشهد نقصاً في عملتها الصعبة شهرياً بحوالى ملياري دولار بالترافق مع عدم وجود اجراءات حقيقية حازمة لمكافحة الفساد المستشري في اجهزة الدولة والهدر الكبير للمال العام.

ولدى مناقشة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لرئيس واعضاء اللجنة المالية البرلمانية قبل ايام مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد فإنه قد أقرّ بأن موارد البلد الحقيقية قد انخفضت بنسبة 60 بالمائة وهو أمر يرغم الحكومة حاليا على مواصلة ضغط النفقات والاقتصار على الأولويات منها مثل الرواتب والحرب ضد الإرهاب والصحة.

وتسعى الحكومة العراقية حاليا إلى وقف مزاد الدولار الذي ينظمه البنك المركزي بعد ان بدأت تتكشف لها سيطرة مافيات فساد تتشكل من نافذين في السلطة والاحزاب السياسية وحيث تؤكد المعلومات انه اصبح بؤرة ينطلق منها ثلثا عمليات الفساد في البلاد لكن مصادر مطلعة توقعت في حديث مع "إيلاف" ان يقاوم هؤلاء النافذون ايقاف المزاد.

البنك المركزي باع 314 مليار دولار

وتؤكد المعلومات ان البنك المركزي قد باع إلى المصارف الاهلية منذ عام 2006 وحتى عام 2014 أكثر من 314 مليار دولار وباعتراف الأمين العام لمجلس الوزراء الذي يشغل منصب محافظ البنك المركزي الحالي علي العلاق فإن 5 في المئة فقط من تحويلات المزاد إلى الخارج حقيقية والباقي عبارة عما يعرف بظاهرة الصكوك الطيارة اي غير الصحيحة او غير الصادرة اصلا ومن هنا يمكن اكتشاف كارثة تسريب هذا الكم من الدولارات إلى خارج العراق ومنها إلى إيران وسوريا لانقاذ اقتصادهما من الافلاس وخاصة في عهد حكومة رئيس الوزراء الثانية سابقا نوري المالكي.

والاخطر ما في عمليات بيع الدولار في المزاد العلني هو تسببها بانخفاض احتياط النقد الأجنبي الذي يحتكم إليه البنك المركزي في مصارف دولية من 88 مليار دولار إلى 40 مليارا ما يؤكد أن هناك سحباً من هذه الودائع على الرغم من ان القانون الخاص بالبنك يمنع الحكومة أو أي جهة أخرى من التلاعب بهذه الاحتياطات على اعتبار أنها غطاء للعملة الوطنية.

ويحقّق مجلس النواب حاليا في تهريب حوالى 200 مليار دولار من العراق إلى دول أخرى بين عامي 2005 و2014. وكانت لجنة تقصّي الحقائق النيابية لصندوق تنمية العراق قد أعربت في وقت سابق عن شكها في أن أموال الفساد المالي تُهرب إلى الخارج عبر حوالات بيع مزاد البنك المركزي. كما توقع صندوق النقد الدولي مطلع العام الحالي للعراق وصول الاحتياط النقدي إلى 40 مليار دولار نهاية العام الحالي من أصل 88 مليار دولار.

مصارف محلية تهرب الدولار إلى الخارج

كما توجه اتهامات لمصارف محلية بتهريب الدولار بعمليات ترقى إلى مستوى جرائم تبييض الأموال وحيث هناك تسيب متعمد في عدم التحقق من مصادر الأموال التي تدخل عملية شراء الدولار وإلى اين تذهب الخارجة منه.

ويبيع البنك المركزي العراقي بين 200 و300 مليون دولار من العملة الصعبة في جلساته الأسبوعية الخمس وهذا يعني أن ما يبيعه العراق من العملة الصعبة شهرياً يتجاوز 4 مليارات دولار فيما الدخل الحقيقي للبلاد حاليا لا يتجاوز ملياري دولار شهرياً فقط وبالتالي فإن العراق يشهد نقصاً في عملته الصعبة شهرياً بحوالي ملياري دولار.

وما يثير مخاوف الخبراء هو ما أعلنه محافظ البنك المركزي مؤخرا من أن العراق يمتلك من العملة الصعبة ما يكفي لتغطية واردات ستة أشهر فقط حسب المعايير الدولية ولذلك فقد أعلن البنك المركزي الشهر الماضي اعتزامه إصدار سندات دولية بملياري دولار خلال العام المقبل 2016 فيما تكثف بغداد خطواتها للاقتراض من المؤسسات الدولية لسد العجز المالي وحيث دفعت الأزمة المالية الحكومة العراقية إلى تجميد آلاف المشروعات بينما تشير التقديرات الرسمية إلى بلوغ العجز في موازنة العام الحالي حوالى 23 مليار دولار يتوقع أن تسجل البلاد مثلها العام المقبل 2016.

أموال العراق تحت وصاية صندوق النقد الدولي

وقد اضطرت تلك الاوضاع العراق إلى وضع أمواله تحت وصاية صندوق النقد الدولي الذي اعلن أن احتياطيات العراق من العملة الصعبة لن تكفيه لأكثر من تسعة اشهر ما يضع البلاد على ابواب الافلاس.
فقد اتفق العراق مع الصندوق مؤخرا على مراقبة ايرادات العراق ونفقاته ما سينتج عنه فرض عمليات تخفيض الانفاق وخفض العجز في ميزانية البلاد الذي من المتوقع أن يقترب من 12 بالمئة من النشاط الاقتصادي العام المقبل.

وقد أصبحت الضغوط المالية على العراق ثقيلة حيث ان أي قرض كبير من صندوق النقد للعراق سيأتي بشروط تفرض على الحكومة العراقية خفض دعم اسعار الطاقة التي تشمل المحروقات والوقود كالبنزين وغيرها وإصلاح المشاريع المملوكة للدولة وهي خطوات قد تكون صعبة على الصعيد السياسي وتثير احتجاجات شعبية سيكون لها الاثر الخطير على الاستقرار وعلى مصير حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي.

ويقضي الاتفاق العراقي مع صندوق النقد فرض وصاية على سياسات العراق المالية والاقتصادية للعام المقبل 2016 مع وعود بتقديم قرض إلى العراق الشهر المقبل قيمته 1.2 مليار دولار لتحسين تصنيف العراق امام المؤسسات الدولية ما يقلل اسعار الفائدة على السندات المنوي طرحها في السوق. وسيدفع هذا العراق على إصدار سندات بقيمة 6 مليارات دولار العام المقبل لسد عجز الموازنة البالغ 23 مليار دولار حيث سيتم طرح خمسة منها في السوق المحلية والباقي في السوق الدولية.&
&
وثائق الجلبي عن فساد مزاد البنك المركزي للدولار

ويتم حاليا التحقيق في وثائق فساد كان خلفها رئيس المؤتمر الوطني العراقي رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب احمد الجلبي قبيل وفاته الشهر الماضي وهي تُحمل مسؤولية تداعيات انهيار البنية المالية للبلاد إلى الحكومة السابقة والبنك المركزي ومن وصفها بالعصابات التي تتحكم بسعر السوق.. وقال ان "سبب الانهيار الاقتصادي هو فترة الحكم بين عامي 2006 و 2014 (وهي فترة ولايتي المالكي في رئاسة الحكومة) حيث دخل العراق مبلغ 551 مليار دولار والحكومة استوردت ما مجموعه 115 مليار دولار والبنك المركزي باع للبنوك الاهلية كمية 312 مليار دولار مضيفا ان "هذا المبلغ الذي أهدر (312 مليار دولار) كان بإمكانه بناء الاحتياطي النقدي.

وكشف الجلبي أن اطرافا سياسية تضغط على البنك المركزي لزيادة مخصصات البنوك الخاصة بالمزاد لقاء مبالغ وهناك مذكرات داخل البنك المركزي بأسماء هؤلاء السياسيين من مجلس النواب ومن الحكومة. ولم ينكر البنك ذلك فسارع إلى اصدار بيان صحافي اكد فيه اتخاذ اجراءات قانونية بحق المصارف والشركات المخالفة بهذا الشأن تضمنت اقامة دعاوى قضائية وفرض غرامات مالية كبيرة.. موضحا ان فرق تدقيق البنك مازالت مستمرة بعملها بهذا المجال بالتنسيق مع الجهات المختصة.

مستشار الحكومة متشائم ونائبة تكشف مخاطر كبيرة

ومن هنا فقد جاء تأكيد مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي للعبادي تشاؤمه قبل ايام من الوضع الاقتصادي الصعب الذي سيكون عليه العراق عام 2016 .. موضحا في تصريح لوكالة "المدى بريس" العراقية إن "موازنة العراق لعام 2015 الحالي سعرت برميل النفط بمبلغ 56 دولاراً في حين أنه كان يباع بأقل من 49 دولاراً خلال الأشهر التسعة الأولى منها الأمر الذي شكل عبئاً ولد عجزاً كبيراً اضطرت الحكومة لتحمل تبعاته".. مشددا على عدم تفاؤله بالواقع الاقتصادي للعراق خلال العام المقبل 2016 في ظل استمرار هبوط أسعار النفط بالأسواق العالمية ما يتطلب مواصلة ضغط النفقات والاقتصار على تلك التي لها أولوية مثل الرواتب والحرب ضد الإرهاب والصحة.

وأشار إلى أن الحكومة لا تمتلك عصا سحرية لتحويل الاقتصاد العراقي إلى زراعي وصناعي بعد عقود من التخلف وإهمال تنويع مصادر الدخل الوطني وعدم اعتماد سياسة اقتصادية سليمة سواء فرضاً على العراق أم بسبب الظروف الراهنة.

ولعل اخطر تحذير اطلقته عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية زيتون الدليمي في مؤتمر صحافي عقدته بمبنى البرلمان في بغداد قبل ايام حين اكدت ان واردات العراق من مبيعات النفط بلغت 120 مليون دولار يومياً ومزاد العملة يبيع 200 مليون دولار يوميا وهذه كارثة حقيقية لان هناك 80 مليونا تسحب من احتياطي البنك المركزي يوميا.

يذكر أن أسعار النفط العالمية شهدت تراجعاً حاداً هو الأدنى لها منذ سبع سنوات في أعقاب فشل أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في الرابع من الشهر الحالي الاتفاق على حجم الإنتاج ومعالجة تخمة العروض المتزايدة خلال اجتماعهم في مقر المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا.

فقد هبط سعر خام برنت (خام القياس العالمي) بمقدار 1.96 دولار وصولا إلى قرابة 41.05 دولاراً في حين بلغ سعر الخام الأميركي الخفيف (متوسط غرب تكساس) 37.95 دولارا للبرميل منخفضا بمقدار 2.02 دولار بعد أن هوى قبل ايام إلى 37.88 دولاراً.