استذكر عراقيون تحدثوا لـ"إيلاف"، عند مساء الجمعة الثالث عشر من شباط / فبراير، ضحايا (ملجأ العامرية) في بغداد، الذي قصفته الطائرات الاميركية قبل 24 عاما وراح ضحيته اكثر من 400 مواطن عراقي حرقا.


عبد الجبار العتابي من بغداد: رفع عراقيون شعار (كي لا ننسى شهداء ملجأ العامرية - بغداد 13 شباط 1991) مستذكرين بشاعة المجزرة التي ارتكبت ضد المدنيين من الاطفال والنساء.

وزار العديد منهم الملجأ واوقدوا الشموع ترحما على ارواح قضت، وتساقطت الدموع حزنا على ما جرى تلك الليلة التي اشتعلت فيها الاجساد وصارت فحما.

وأكد عراقيون، أنه يوم خالد في ذاكرتهم لا يستطيعون نسيانه ابدا، إذ شهد افضع جريمة ويمكن ان تسمى "جريمة العصر"، مستغربين ان تمر ذكراها "دون اهتمام".

ذروة حرب الخليج الثانية

في الثالث عشر من شباط / فبراير من عام 1991، وعندما كانت حرب الخليج الثانية في ذروتها، انطلقت طائرتان من نوع (أف 117) مزودتان بقنابل صنعت خصيصا لهذه العملية، من نوع (جي بي يو/27)، المخصصة لحرق الأهداف الكونكريتية والموجهة بأشعة الليزر، مع تشكيل من طائرات للحماية والحرب الالكترونية، لتصل إلى ملجأ العامرية، أو ملجأ رقم خمسة وعشرين واطلقتا عليه صاروخين صمما خصيصا لهذا الغرض، من خلال فتحة التهوية الخاصة بالملجأ، وكان هدف الصاروخ الأول احداث خرق يولد عصفا، يؤدي إلى إغلاق الأبواب، فيما يقوم الصاروخ الثاني من خلال الخرق، ليحقق النتيجة المطلوبة للعدوان، وقد بررت قوات التحالف المهاجمة هذا القصف بانه كان يستهدف مراكز قيادية عراقية.

قتل في هذا الملجأ اكثر من 400 شخصا عدا الإصابات بالحروق التي طالت باقي المتواجدين في المكان، وبقي الملجأ هذا على الحالة التي قُصف وكان طوال السنوات التي تلت القصف الى إحتلال العراق هو بمثابة متحف وضعت فيه صور الشهداء وبقايا من لحوم الأجساد التي تناثرت على الجدران ولم يستطع أحد نزعها منه وبقيت هناك الذكريات الأليمة التي سببتها هذه الجريمة لأهل العراق الجريح.

ملجأ محكم ولكن

الملجأ أخذ اسمه من الحي الذي يقع فيه بين البيوت السكنية، (حي العامرية / ضواحي بغداد الغربية)، بجوار مسجد ومدرسة ابتدائية، إنه ملجأ مجهز للتحصن ضد الضربات الكتلوية أي الضربات بالأسلحة غير التقليدية الكيميائية أو الجرثومية، محكم ضد الإشعاع الذري والنووي والتلوث الجوي بهذه الإشعاعات.

الملجأ يتسع لألف وخمسمائة شخص، يمكن أن يلجأوا داخله لأيام دون الحاجة إلى العالم الخارجي، فهو مجهز بالماء والغذاء والكهرباء والهواء النقي غير الملوث.

طوابق البناء ثلاثة، مساحة الطابق 500 متر مربع، سمك جداره يزيد على متر ونصف المتر، كذلك سقفه المسلح بعوارض حديدية سمكها أربعة سنتيمترات، تؤدي أبواب الطوارئ الخلفية إلى طابق تحت الأرض وتؤدي سلالمه الداخلية إلى الطابق الأرضي حيث كان يقيم اللاجئون.

يوم حزين جدا

يؤكد سمير عودة وهو موظف عمره 47 عاما، انه "يوم ومأساة لا تنسى ابدا".

وقال: "كنت حينها قد هربت من المعارك التي تدور في الكويت لاخراج الجيش العراقي منها، وما ان وصلت الى بغداد حتى وجدت امامي الخبر الفاجعة، وقد قامت اميركا بقصف الملجأ الذي اختبأ فيه المدنيون واغلبهم من النساء والاطفال، وقتلتهم بحجة ان عسكريين كبار كانوا في الملجأ".

أضاف: "انه يوم حزين جدا ولا يمكنه ان يغيب عن البال، خاصة من بال الذين شاهدوا المكان، وانا زرته فيما بعد ولازالت صورته لا تفارق خيالي لان كل شيء فيه كان موجعا فالاشلاء كانت متناثرة ومتفحمة، وللاسف لم يحاسب المتسبب في الجريمة التي يبدو انها قيّدت ضد مجهول، ولم يبق من الجريمة الا مكانها التي يدل عليها وذكريات الناس الحزينة".

مأساة لا تنسى

أوضح سعد الله خالد أنّ عمره كان صغيرا لكنه يعرف تفاصيل الحادثة ويتألم لها.

يقول: إنها ذكرى اليمة ذهب فيها بعض اقاربنا الذين كانوا يسكنون حي العامرية والذين كانوا يلجؤون يوميا الى هذا الملجأ خوفا من القصف وقد كانت بغداد تعيش اوضاعا مأساوية من الرعب".

يضيف: "نحن نستذكر الفاجعة كل عام، فنأتي الى مكان الملجأ فنشعل الشموع ونترحم على ارواح الشهداء، فكل& من يدخل المكان الأليم لا يسعه إلا أن يبكي حرقةً وألماً على هذه الجريمة الحاقدة المستهدفة للشعب العراقي، والظاهر ان ما شهده العراق من كوارث جعل كارثة ملجأ العامرية مجرد حلقة في مسلسل الكوارث التي عاشها العراق طوال 24 عاما".

لا احد يستذكر الضحايا

محمود الربيعي يشير الى نسيان الواقعة وعدم تذكرها او الاحتفال بها.

ويقول: "ارواح تدور في فناء العامرية لا تغادر باحة الملجأ وتدور حول (نصب الصرخة) وتعود لتكمل النحيب على اطفال احترقت جلودها ونساء ضاعت احلامها ورجال كانت همهم المحافظة على عوائلهم، كان قد بقي لديهم امل صغير عند سقوط الصاروخ الاول لكن انتهى كل شيء مع الصاروخ الثاني".

يضيف: "من المؤلم اكثر ان عوائل الضحايا فقط من يتذكر تللك الارواح والبؤس يلف شواهد قبورهم ولا يدل عليهم احد غير بعض الجنود الذين بات الملجأ مكانهم ورائحة الدخان مازالت هناك تستصرخ الضمائر ان يحاكموا القتلة".

حروف سوداء

تقول الكاتبة ثبات نايف: "كم مر على مجزرة ملجا العامرية ومع ذلك اصوات الذين احرقوا في الملجا لازالت تثقب اذني، كان ذلك قبل اذان الفجر من صباح 13 شباط من عام 1991 عندما اهتزت دور العامرية كلها القريبة من الملجا ومنها بيتي بعد القاء قنبلة (دريل ) ثقبت جدار الملجا الاسمنتي وقبل ان يحاول احد الخروج من الباب الذي سرعان ما اغلق بقوة القنبلة الحارقة الثانية والتي اشعلت النار في اجساد اطفال وامهات اعتقدوا انهم بلجوئهم الى الملجا المدني سيأمنون شر الطائرات الاميركية فراحوا يصرخون (طلعونا طلعونا) ولم تمض الا خمس دقائق بل اقل منها حتى سكتت الاصوات وارتفعت ارواح اكثر من 400 انسان الى خالقها مع اذان الفجر وكان صباح مأساة سجلها التاريخ بحروف سوداء في تاريخ امريكا الحديث".

نصب الصرخة

من الأعمال النحتية التي جسّدت هذه الحادثة، يتَمَثّل هذا العمل النحتي بإظهار رأس إنسان من بين قوالب حجرية متينة محيطة به وتكون بَشَرَة الوجه مشدودة بإفراط قاسٍ مع معالم سطحيه متوتّرة كثيرة الظلال.

اما تكوين الفم فيُوحي بصرخة متصلّبة أزلية. انّ المشهد الكلّي لهذا العمل النحتي يُثير الرعب في النفس ويحرّك المشاعر نحو مدى العُسْر الذي مرّ به الشعب العراقي آنذاك. ومن ناحية أخرى فإنه يطبع في الذهن مرارة مِحنة شعب مستمِرّة.