يحمل وصول حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" إلى الخليج رسائل سياسية وعسكرية واضحة، أهمها جدية فرنسا في حربها على الإرهاب، بعدما ضربها التطرف في عقر دارها، وسعيها إلى إثبات قدراتها العسكرية، لما في ذلك من انعكاس إيجابي على مبيعاتها من السلاح.
&
&باريس: التحقت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" بعمليات التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش)، في إطار ما أسماه وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان "تدشين مرحلة جديدة من المشاركة الفرنسية في الحرب ضد داعش".
وحاملة الطائرات الفرنسية متواجدة منذ الأحد الماضي في شمال الخليج العربي، وتضم على متنها 21 مقاتلة عسكرية، بينها 12 مقاتلة من طراز رافال، و9 مقاتلات من طراز "سوبر أيتاندار" محدثة، وهي مصحوبة بغواصة هجومية نووية، وفرقاطة دفاعية مضادة للطائرات، وسفينة مضادة للغواصات. وتأتي "شارل ديغول" لتنضم للمقاتلات الفرنسية التسع المتواجدة في قاعدة الظفرة في الإمارات، الطائرات الست من طراز "ميراج"، الجاثمة في قاعدة الأزرق الجوية في الأردن.
&
رسالة سياسية
ستساهم حاملة الطائرات بتقليص المدة الزمنية التي تستغرقها الطلعات التي تقوم بها طائرات سلاح الجو الفرنسي من قاعدة الظفرة باتجاه العراق إلى النصف، أي ما يعادل ساعتين ذهابًا وإيابًا، مقابل أربع ساعات للطائرات الفرنسية التي تقلع من الإمارات.
قال الأميرال الفرنسي أريك شابيرون، قائد حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول"، إن مشاركة حاملة الطائرات الفرنسية لن تغير وحدها المعطيات العسكرية، "لكنها ستحمل رسالة سياسية، ألا وهي تدعيم موقف فرنسا كشريك أول للولايات المتحدة في التحالف الدولي ضد داعش، إضافة إلى رسالة دعم للدول العربية في حربها ضد الإرهاب"، علمًا أن فرنسا تشارك بفاعلية في ضرب معاقل داعش في العراق، من دون ضربها في سوريا.
&
رهان خاطئ
وقال الدكتور خطار أبو دياب، أستاذ العلاقات السياسية والدولية في جامعة باريس، إن إشراك "شارل ديغول" مسألة إثبات وجود بالنسبة لفرنسا، مضيفًا: "النظرة الفرنسية مختلفة عن النظرة الأميركية في ما يتعلق بضرب معاقل داعش في سوريا، فالنظرة الأميركية تقوم على أنه يجب محاربة تنظيم داعش أولًا، ثم نحارب بشار الأسد ثانيًا، وحتى رهان البعض من محيط الأسد على أن واشنطن ستلعب دورًا في إعادة تأهيله رهان خاطئ وغير واقعي، وأكبر مثال على ذلك الإتفاق الأخير مع تركيا لتدريب المعارضة السورية المعتدلة".
أضاف في حديث خاص بـ"إيلاف": "وفرنسا تتحمل مسؤولياتها بشكل كبير في منطقة الساحل والصحراء، إنطلاقُا مما جرى في مالي، وبالتالي فإن مشاركتها في العراق تأتي لتظهر أن لها مصالح في الشرق الأوسط، وأن دول الخليج يمكنها أن تعتمد عليها، وتُعتبرُ صفقةُ بيع مقاتلات رافال أخيرًا إلى مصر خير دليل على أن العالم العربي يبقى مسرحًا أساسيًا ومنطقة حيوية للسياسة الخارجية الفرنسية".
&
على أكثر من محور
مع إشراك "شارل ديغول" في الحرب ضد داعش في العراق، لمدة زمنية تستمر نحو ثمانية أسابيع، ملتحقة بحاملة الطائرات الأميركية "يو أس أس كارل فينسون" المتواجدة في مياه الخليج، تقود فرنسا اليوم عمليات عسكرية على أكثر من محور، فهي مشاركة في عمليات التحالف الدولي في العراق، وتؤدي مهمة "بارخان" في منطقة الساحل الأفريقي، كما تشارك في حفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى.
هذه المشاركات تثير جدالًا حول التبعات الإقتصادية للعمليات العسكرية الفرنسية في الخارج، إذ كان من المتوقع أن تبلغ تكلفة العمليات العسكرية الفرنسية الخارجية هذا العام 450 مليون يورو، لكن هذه التكلفة تجاوزت في العام الماضي المليار يورو .
&
صرفت النظر
قال أبو ذياب لـ"إيلاف": "في فرنسا، كان هناك خطط لتقليص ميزانيات الجيوش، وتقليل عديد العسكريين، لكن بعد هجمات باريس في كانون الثاني (يناير) الماضي، صرفت الحكومة الفرنسية النظر عن ذلك".
أضاف: "تبقى فرنسا لاعبًا مهمًا، لأنها تجيد استخدام أداتها العسكرية، وهي بعد الولايات المتحدة من أكثر البلدان القادرة على إنزال قوات إلى الميدان والتدخل السريع، نظرًا لخبراتها العسكرية، وصحيح أن ذلك يرتب أعباءً على ميزانية الدولة الفرنسية، لكن من دون إثبات هذه القدرة العسكرية لا تستطيع فرنسا المحافظة على تنافسيتها في ميدان تجارة السلاح، أو على صعيد النفوذ في هذه المنطقة أو تلك".
&
دعم اليسار وانقسام اليمين
دعم نواب الحزب الإشتراكي الحاكم في فرنسا موقف وزارة الدفاع الفرنسية بإشراك "شارل ديغول" في الحرب ضد داعش. وعلق نيكولا بايس، نائب رئيس لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية، قائلًا: "إن إشراك حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول لن يساهم فقط في مضاعفة عدد الطائرات الفرنسية في المنطقة العربية، لكن سيسمح أيضًا بكسب المزيد من الوقت مع تقليص المدة الزمنية للطلعات الفرنسية باتجاه الأجواء العراقية إلى ساعة ونصف".
أما نواب حزب الإتحاد من أجل حركة شعبية اليميني فانقسموا بين مؤيد ومعارض. فرأى نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الجمعية الوطنية أكسيل بونياتوفسكي أن إشراك حاملة "شارل ديغول" خير ممثل لفرنسا في إطار التثميل الخارجي، مع ما يمكن أن ينتج من تبعات إيجابية على الصناعة العسكرية الفرنسية"، بينما شكك النائب اليميني بيا لولوش في أن يكون الهدف من عملية إشراك حاملة الطائرات الفرنسية رمزيًا، مع تغييب فاعليتها في الحرب ضد داعش.
&
جادة وسباقة
في هذا الاطار، قال أبو ذياب: "في الأساس، فرنسا كانت السباقة في آب (أغسطس) الماضي للدعوة إلى تحرك دولي ضد دعش، واستضافت أول مؤتمر للتحالف الدولي في أيلول (سبتمبر) الماضي، وواضح اليوم أن القيادة أميركية، إذ لا تشكل الضربات الفرنسية أو مساهمات باقي دول التحالف سوى 10 بالمئة من إجمالي الضربات التي تقودها واشنطن، لكن مشاركة حاملة الطائرات شارل ديغول تأتي بعد هجمات باريس، وهي رسالة رمزية مفادها أن فرنسا منخرطة عميقًا في الحرب ضد داعش والإرهاب، وأود أن أشير إلى أن حاملة الطائرات الفرنسية كان مخططًا لها أن تمر في هذه المنطقة من العالم خلال دورتها، وتمت الإستفادة من ذلك كي تظهر فرنسا جديتها والتزامها بخوض هذه المعركة للقضاء على داعش".
&
حسابات سياسية
ولم يستغرب أبو ذياب ردود الفعل الفرنسية، "فحتى في ما يسمى بالحرب على الإرهاب في الداخل و الخارج، ذلك يستخدم بشكل سياسي من جانب كل طرف لمصلحة صعود شعبيته، فبعد هجمات باريس كان هناك لحظة نادرة للوحدة الوطنية في فرنسا، لكن سرعان ما انهارت نتيجة الحسابات السياسية لكل طرف، وهناك بعض المؤرخين والإستراتيجيين الفرنسيين الذين يشككون في كل هذه الأساليب لمحاربة داعش، ويعتقدون أن الحرب ضد إيديولوحيا من هذا النوع أو تجفيف حاضنة هذا التنظيم يجب أن تتم بمآلات أخرى، على سبيل المثال ليس هناك من دور فرنسي في السعي لبلورة حل سياسي في العراق يشكل المدخل الفعلي لعزل هذا التنظيم، وما هو معروف منذ أفغانستان حتى اليوم أن الضربات العسكرية والأمنية لم تؤدّ إلى تحقيق الهدف المنشود".