لا يمكن بعد التبحّر في الأسباب التي دفعت بالطيار المساعد أندرياس لوبيتس إلى تحطيم طائرة جيرمان وينغز عمدًا في جبال الألب، لكن الطب النفسي يتحدث عن نزوة ناتجة من ميل إلى الانتحار الغيري.


مروان شلالا من بيروت: فكّ الصندوق الأسود لغز سقوط طائرة إيرباص آيه 320 التابعة لشركة "جيرمان وينغز" الألمانية في جبال الألب، مقدمًا الدليل على أن الطيار المساعد أندرياس لوبيتس (28 عامًا) هوى بها منتحرًا، ليقتل نحو 150 مسافرًا كانوا على متنها. لكن غموض الميل الانتحاري للوبيتس بقي لغزًا، يحاول الأطباء النفسيون فكه، خصوصًا أن فكرة الانتحار يمكن أن تتملك الشخص فتسيطر عليه، وتقوده إلى ارتكاب أعمال مثل إسقاط طائرة بمن فيها.

طاغية
وعلق الطبيب النفسي الفرنسي برنار غرانجيه على ما يقال عن فرضية انتحار لوبيتس، فقال إن فكرة الانتحار في حد ذاتها تكون قوية لدى البعض، إلى حد تطغى على أي شيء آخر، وفي بعض الأحيان لا دليل مسبق ينذر بها.

وغرانجيه هو رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى تارنييه في باريس، وأستاذ في الطب النفسي في جامعة رينيه ديكارت في العاصمة الفرنسية، يجد صعوبة في تحديد ما قد يدفع طيارًا إلى مثل هذا العمل.

يقول: "يمكننا إطلاق ألف فرضية وفرضية، ولا نعرف إن كان تناول موادَ، أو هجرته صديقته في اليوم السابق، أو لديه سوابق نفسية خفية، أو أحس بنزوة ما، أو كان يعاني أمرا ما منذ فترة طويلة، أو أن شيئًا مفاجئًا حصل له، لذا من المستحيل وضع أي فرضية، طالما أنه ليست لدينا أية عناصر ملموسة سوى أنه أغلق قمرة القيادة على نفسه، وهبط بالطائرة وحطمها".
&
انتحار غيري
يسلط غرانجيه الضوء على ما يسمى "الانتحار الغيري"، الذي ينتج من بعض حالات الانقباض التوهمي، "فيراود الإنسان المريض أن العالم مروع إلى حد أنه يقتل الآخرين لإنقاذهم منه، لكن الحالة التقليدية للانتحار الغيري تبقى حالة شخص يقتل عائلته، ثم يقتل نفسه، وهذا لا ينطبق تمامًا على هذه المسألة".

يضيف: "هناك العديد من الحالات المتنوعة الممكنة في السلوك الانتحاري، وكل ما يمكن قوله في الوقت الراهن إنه لا يمكن طرح أي فرضية حاليًا من ناحية الطب النفسي، كما إنه ليس ضروريًا التكهن مسبقًا بمثل هذا السلوك، فثمة أشخاص سلوكهم طبيعي، ثم ينتحرون، وفي غالب الأحيان، لا يكون هناك ما يمكن أن يُنذر بالعمل الانتحاري، وتحصل عمليات انتحار كثيرة مباغتة، لأن الانتحار عمل يستجيب لنزوة مفاجئة، والشخص المكتئب الذي يتخذ قرارًا بالانتحار غالبًا ما يشعر بارتياح مسبق قبل الإقدام على عمله، يتبنى سلوكًا طبيعيًا ظاهريًا، قبل الإقدام على خطوته".

اكتئاب وفحوص دورية
وأعلنت النيابة العامة في دوسلدورف أن لوبيتس أخفى أنه كان في إجازة مرضية يوم الحادث. وقال بيان صدر من النيابة إن المحققين عثروا في منزله على استمارات "لإجازات مرضية مفصلة وممزقة"، تشمل أيضًا يوم الحادث، لكن من دون تحديد المرض.

وقال برايس روبين، المدعي العام في مدينة مارسيليا الفرنسية، إن لوبيتس كان يعالج من مرض الاكتئاب، وثمة وثائق رسمية تؤكد ضرورة إجراء تقويم دوري له، بعد نوبة شديدة من الاكتئاب أصابته قبل أعوام.

ولوبيتس التحق بخدمة جيرمان وينغز في 2013. وعندما أتم تدريبه في في 2009، تم تشخيص إصابته بنوبة شديدة من الاكتئاب، وتلقى علاجًا لعام ونصف عام، بحسب موقع "بيلد" الألماني. ويوصي ملفه في هيئة الطيران المدني بضرورة إجراء تقويم نفسي دوري لحالته. وأكدت "جيرمان وينغز" أنه قطع تدريبه لأشهر عدة منذ ستة أعوام، لكنها لم تذكر السبب لذلك. وقال كارستن شبور، رئيس "لوفتهانزا"، التي تمتلك "جيرمان وينغز"، إنه لم يستأنف تدريبه، إلا بعد التيقن من ملاءمته للعمل.

ميل إلى تدمير الطائرة
وكان روبين قال إن مساعد الطيار أبدى على الأرجح رغبة في تدمير الطائرة، ورفض عمدًا فتح باب القمرة للطيار، الذي خرج في تصرف روتيني. أضاف، عارضًا ما توصل إليه البحث الجنائي بعد تحليل بيانات الصندوق الأسود: "ضغط بعدها الزر الذي يباشر عملية الهبوط لسبب لا نزال نجهله تمامًا، لكن يمكن تفسيره على أنه رغبة في تدمير الطائرة".

وشدد روبان على أن مساعد الطيار "ليس لديه ملف إرهابي، ولا شيء يتيح القول إن الأمر يتعلق باعتداء إرهابي في هذه المرحلة، وأن المسافرين الـ150 على متن الطائرة ماتوا على الفور، إذ لم نسمع صراخًا، سوى في اللحظات الأخيرة".
&