كيف يمكن منع طيار عقد العزم على تدمير الطائرة التي يقودها ومعه كل من على متنها؟ وكيف يمكن دخول عقل الطيار ومعرفة ما يفكر فيه؟ هذه بعض من التساؤلات التي تؤرق شركات الطيران بعد كارثة الطائرة الألمانية التي يبدو أنّ مساعد الطيار حطّمها فوق جبال الآلب.


عبدالإله مجيد من لندن: كشف محققون فرنسيون ان مساعد الطيار تعمد اسقاط الطائرة الالمانية المنكوبة في جبال الألب الفرنسية حين أغلق باب القمرة ومنع الطيار من دخولها ليتسنى له تدمير الطائرة بتوجيهها في مسار الهبوط نحو الجبال.

ويبدو ان مساعد الطيار اندريس لوبيتس قرر ان يقتل نفسه ومعه 149 شخصا كانوا على& متن الطائرة بينهم قبطان الطائرة.

وإذا تأكدت صحة هذه النظرية رسميا في الأيام المقبلة فانها ستحقق أكبر المخاوف التي تؤرق شركات الطيران والمسافرين على السواء وتثير تساؤلات عن أمن الطائرات المدنية. إذ كيف يمكن منع طيار عقد العزم على "تدمير" الطائرة التي يقودها ومعه كل من على متنها؟ وكيف يمكن دخول عقل الطيار ومعرفة ما يفكر فيه؟

ما من إجراءات تمنع هذا الفعل

اصر كارستن سبور الرئيس التنفيذي لشركة لوفتهانزا مالكة شركة "جيرمان وينغز" التي كانت الطائرة المنكوبة تابعة لها، على أنه "ليست هناك اجراءات أمنية في العالم تستطيع ان تحمي طائرة من نوع الفعل الذي أقدم عليه مساعد الطائرة".
&
وقال سبور للصحافيين ان مثل هذه الحالة المعزولة لا يمكن ان تُستبعد بالكامل أياً تكن اجراءات السلامة المعمول بها في الشركة ومهما كانت معاييرها عالية.

وإذا تعمد مساعد الطيار لوبيتس قيادة ركابه الى حتفهم فان هذه ليست المرة الأولى التي يتصرف فيها طيار مثل هذا التصرف الكارثي.

سابقة موزمبيقية

ويُعتقد ان طائرة موزمبيقية تحطمت عام 2012 لسبب مماثل وكذلك طائرة تابعة لشركة "سيلك اير" تحطمت في اندونيسيا عام 1997 وطائرة تابعة لشركة طيران مصر تحطمت عام 1999 وعلى متنها 217 شخصاً رغم الطعن في هذه الحالة بنظرية انتحار قائد الطائرة.

الطيار.. كغيره من البشر

وقد يبدو مستغرباً ان يكون طيارون يخضعون عادة للمراقبة الدقيقة قادرين على أفعال جنونية كهذه.& ولكن الطيارين بشر مثل سائر البشر، بعضهم يُصابون بالكآبة، كما لاحظ القبطان جان كلود بوك في حديث لاحدى القنوات التلفزيونية المحلية.
&
وقال بوك ان طيارين في شركة "اير فرانس" للطيران انتحروا ولكنهم لم يأخذوا معهم مسافرين الى العالم الآخر وان احد الطيارين انتحر في غرفة فندقه خلال توقف الرحلة لاستئنافها لاحقا.

ويمكن للتداعيات الناجمة عما فعله مساعد الطيار على قطاع الطيران المدني ان تكون بالغة الأثر بالارتباط مع مراعاة شركات الطيران لمخاوف المسافرين.

ومنذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر أصبحت ابواب قمرة قيادة الطائرة مقاومة لانفجار قنابل يدوية ومزودة بمنظومة قفل تتيح للطيارين منع أي أحد خارج القمرة من دخولها.

اجراءات

وفي غضون ساعات من اعلان المحققين الفرنسيين عن نظريتهم بشأن ما حدث للطائرة الالمانية قالت شركة اير شاتل النرويجية للرحلات الجوية الرخيصة انها ستفرض وجود شخصين داخل القمرة طوال الوقت، وهو اجراء تعتمده شركات طيران أخرى، لا سيما في اميركا الشمالية.&&

وقال قبطان لديه خبرة 44 سنة من العمل مع شركات طيران كبيرة لموقع لوكال الاخباري الالماني ان شركات الطيران قد تشدد رقابتها على الطيارين في محاولة للبقاء على معرفة دقيقة بحالتهم النفسية.

واضاف الطيار الذي رفض كشف اسمه ان الطيارين يخضعون لفحوص طبية منتظمة ، تكون مرة كل ستة اشهر للقباطنة، متوقعاً اضافة فحوص للصحة العقلية في فترات منتظمة ايضا. ولكنه رجَّح ان تكون الفحوص العقلية مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات.

وأوضح القبطان ان الفحوص الحالية تشمل فحص النظر والسمع والدم ومراقبة عمل القلب واللياقة البدنية وان هذه الفحوص يجريها أطباء معتمدون من سلطات الطيران.

وقال ديفيد غليف المحقق في حوادث الطيران والمختص بانتحار الطيارين تحديدا لبي بي سي ان هناك مجالات من كل صنف يمكن للاختصاصي النفسي ان يبدأ بدراستها خلال التحقيق معربا عن ثقته بأن تخضع هذه التدابير للمراجعة بعد حادث الطائرة الالمانية.&
&
السفر جوا يبقى الأكثر أمانا

ودافعت شركة لوفتهانزا بقوة عن الاجراءات التي تتخذها لاختيار الطيارين وحاول رئيسها التنفيذي كارستن سبور ان يضع الحادث على فظاعته في نصابه الصحيح قائلا "اننا في اسوأ كوابيسنا لم يكن بمقدورنا ان نتخيل ان هذا النوع من الفاجعة يمكن ان يحدث لنا هنا في شركتنا". وأكد مجددا ان السفر جوا أكثر اشكال السفر أماناً وانه يزداد اماناً باستمرار.

في هذه الأثناء اقادت تقارير بأن مساعد الطيار اندريس لوبيتس أُصيب بنوبة كآبة عميقة قبل ست سنوات.

وقالت صحيفة بيلد الالمانية انها اطلعت على وثائق داخلية وان مصادر في شركة لوفتهانزا أكدت انه أمضى 18 شهرا تحت العلاج النفسي.

لوبيتس كان مريضا

وكشفت الصحيفة ان لوبيتس أُدرج لفترة قصيرة في عداد "العاجزين عن الطيران" خلال تدريبه في ولاية اريزونا الاميركية وتعين عليه ان يعيد اقساماً متعددة من دروس الطيران.

كما اكتشفت الصحيفة ان ملفه في سلطة السفر الجوي الالمانية يشير الى انه كان يخضع لفحوص طبية منتظمة وكذلك رخصته.
&
وقال كارستن ان لوبيتس علق تدريبه على الطيران الذي بدأ عام 2008 "لفترة معينة" دون اعطاء تفاصيل أخرى. واستأنف لوبيتس تدريباته وتأهل للعمل على طائرة ايرباس أي 320 في عام 2013. وقالت صحيفة بيلد ان مساعد الطيار عانى خلال انقطاعه عن التدريب من "نوبات اكتئاب وقلق".

ومن المقرر ان يراجع خبراء في المانيا ملف لوبيتس قبل تسليمه الى المحققين الفرنسيين ، كما افادت صحيفة بيلد.&

وقال ضباط الشرطة الذين فتشوا منزل مساعد الطيار انهم جمعوا قرائن ولكنهم لم يعثروا "على دليل دامغ".

وصرح المتحدث باسم الشرطة مارسيل فيبيغ لوكالة فرانس برس ان الضباط الذي فتشوا شقة لوبيتس في مدينة دسلدورف أخذوا "مواد واوراقاً مختلفة".

واضاف "سنرى ما إذا كان هذا سيوضح ما حدث ، فكل شيء يخضع للفحص"& مضيفا انه لم يكن هناك دليل قاطع يسلط الضوء على وجود دافع محتمل.&

كما فُتش منزلان كان لوبيتس يستخدمهما غربي المانيا بحثاً عن مفاتيح قد تكشف كيف ان طيارا يبدو رصيناً وطبيعياً قرر ان يقدم على ما يُعد انتحارا وجريمة قتل جماعي في وقت واحد.

واعرب معارف لوبيتس عن شعورهم بالصدمة بعد سماعهم بان السلطات تعتقد انه وحده المسؤول عن الكارثة الجوية.&

وقال كلاوس رادكة رئيس نادي الطيران المحلي حيث حصل مساعد الطيار على رخصته الأولى ان لوبيتس "كان شخصا طبيعياً تماماً". واضاف انه عرف لوبيتس شاباً لطيفاً وظريفاً ومؤدباً.

وأكد العضو القديم في نادي الطيران بيتر روكر الذي كانت له معرفة جيدة بمساعد الطيار ان الدهشة عقدت لسانه وليس لديه تفسير لما حدث.

وقال روكر لوكالة رويترز ان لوبيتس "كان شاباً لطيفاً جداً تلقى تدريبة هنا وكان عضوا في النادي. وكان مسلياً للغاية رغم انه ربما كان في بعض الأحيان هادئاً تماماً". واكد ان لوبيتس "كان مجرد فتى آخر مثل كثيرين آخرين هنا".&

صدمة مقربيه ومدينته

وأُصيبت مونتاباور بلدة لوبيتس قرب دسلدورف بالصدمة بعد الكشف بأن ابنها تعمد تدمير الطائرة. وقال احد سكان البلدة لمحطة اذاعية محلية "بودي أن اعرف لماذا فعل ذلك وكم من الوقت أمضى يفكر في فعله".
&
واستأثر ما كشف عنه المحققون بعناوين الصفحات الأولى في صحف العالم التي تحدث العديد منها عن "عمله الجنوني" و"حماقته الاجرامية".

واثارت وسائل اعلام أخرى علامات استفهام تسأل لماذ كان بمقدور مساعد الطيار ان يشارك في قيادة الطائرة رغم سجل اصابته بالكآبة في وقت سابق.&

وانتقدت منظمات معنية بالصحة العقلية صحيفة الديلي ميل البريطانية لصدورها بعنوان بارز على صفحتها الأولي تسأل "لماذا بحق الأرض سُمح له بالطيران؟"

وراجت تكهنات عن حالة الركاب واجواء الرعب داخل الطائرة فيما كان القبطان يحاول كسر باب القمرة بفأس كما اتضح في تقارير الجمعة لم يتسن التأكد من صحتها على الفور.

ولكن متحدثاً باسم شركة جيرمان وينغز للطيران أكد لوكالة فرانس برس ان فأساً كانت موجودة على متن الطائرة.

وقال المتحدث لصحيفة بيلد الالمانية مثل هذه الأدوات "جزء من معدات السلامة على طائرة أي 320".