مع مرور سنة على تولي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي منصبه، برز صراع بينه وبين سلفه نوري المالكي، الذي لم يوفر طرفاً للاستعانة به من أجل الاطاحة بغريمه الجديد.

بغداد: لا يبدو المشهد السياسي العراقي "مثاليا" مثلما تحرص الكتل السياسية على تصويره للشارع المثقل بالازمات، مع قرب حلول الذكرى الأولى لسقوط مدينة الموصل (شمال العراق) بيد مسلحي تنظيم (داعش)، وما جره من تداعيات على الساحتين الداخلية والخارجية.
&
ودقت التعبئة الاعلامية والشحن السياسي المتقابل بين فريقي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي (نائب الرئيس العراقي) ناقوس الخطر، في أرجاء البيت الشيعي عموما، وكواليسه على الاقل، بعدما تحولت حادثة ناظم تقسيم الثرثار والمزاعم بحصول اعدامات جماعية لجنود محاصرين على يد المتشددين، وما رافقها من تحركات لسحب الثقة عن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي المدعوم من القوى الداعمة للحكومة الخامسة بعد 2003 ، إلى شماعة لتصفية حسابات سياسية قديمة – جديدة.
&
وبدأ الصراع الذي سعت المرجعية الشيعية العليا في النجف، التي كانت سببا مباشرة بحرمان المالكي من ولايته الثالثة، إلى إخماد ناره قبل انتشارها، يتوسع شيئا فشيئا، مع حملات إقالة ضباط كبار في الجيش والشرطة والاجهزة الاستخبارية، والاطاحة باعلاميين في مؤسسات حكومية محسوبين على المالكي، وهو ما قابله فريق رئيس الوزراء السابق، بحملات تسقيط سياسي للعبادي والجهات الداعمة له، من على قنوات فضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، تنتمي لجيش الكتروني سري يشرف عليه مقربون من المالكي، الأمر الذي دفع &المجلس الأعلى (بزعامة السيد عمار الحكيم) ابرز داعمي الحكومة العراقية، &إلى التهديد بـ"الرد المناسب وفق القانون والدستور".

حدود مقدسة
الصراع تجاوز حدودا كانت حتى وقت قريب تعد "مقدسة" لدى الفريقين اللذين يضمان قوى وأحزاب شيعية، تشكل المشهد السياسي الشيعي لعراق ما بعد صدام، تتمثل بدعم مقاتلي الحشد الشعبي ومنحهم حرية التحرك تحت مظلة المرجع الديني الأعلى لدى شيعة العراق السيد علي السيستاني الذي اعطى الغطاء الشرعي لزجهم في قتال تنظيم "داعش"، فبعد فقدانه السلطة اعلن المالكي زعامته على هذه القوات التي تضم فصائل كان يمولها &خلال فترة حكمه وفي مقدمتها "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء" و"بدر- الجناح العسكري" و"سرايا الخرساني"وغيرها، الأمر الذي رفضه رئيس الحكومة العراقية، الذي يعمل على منح قوات الجيش والشرطة والتحالف الدولي مساحة اكبر للتحرك والسيطرة على مقاتلي الحشد، من خلال تشكيل هيئة خاصة ترتبط به مباشرة، فبعث وزير الدفاع خالد العبيدي لزيارة المرجع السيستاني محملا اياه رسالة تؤكد ضرورة دعم القوات النظامية بالدرجة الاساس.
&
وبحسب قيادي في الحشد الشعبي لـ"ايلاف"، فإن" المالكي بعث برسالة إلى طهران، يبلغها بأنها قد تفقد حليفا استراتيجيا في حال استمرت بعدم الضغط على العبادي، الذي قال عنه إنه تمادى في تصرفاته".
&
لكن طهران التي تسعى لتوقيع اتفاق نووي مع واشنطن وحلفائها، لا تريد الآن اثارة غضب البيت الأبيض، فلجأت إلى إقناع العبادي عبر وسطاء تارة أو بشكل مباشر تارة أخرى، بالإنفتاح على جميع الأطراف وعدم تهميش فريق المالكي، وهو ما أدى إلى منحهم مناصب لا تحمل أهمية كبيرة، وهو ما لم يرض المالكي الذي طلب من قيادات في الحشد عدم المشاركة في المعارك، حتى يتم الاستجابة لمطالبهم بإعطاء حرية الحركة وضمانات مستقبلية منها حصة الأسد في الحرس الوطني المزمع تشكليه، على وفق قانون يناقشه مجلس النواب العراقي حاليا.
&
نائب علي المالكي المقرب من رئيس الوزراء السابق، أكد وجود التباين بين الجانبين، اذ قال لـ"إيلاف": إن "الخلاف بين الفريقين يكمن في تباين وجهات النظر بشأن قوانين مهمة".
&
ولم يقتصر الأمر على حلفاء المالكي والعبادي، بل تعداه إلى اطراف وشخصيات شيعية مؤثرة تلمست عمق الخلاف وخطوته على المستقبل السياسي للشيعة، والمكاسب المتحققة خلال اكثر من عقد من الزمان، فجاء تحذير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تنامي هذه الخلافات، في سياق تهدئة الصراع المحتدم بين الطرفين، والذي يرى كثيرون ـن ما ظهر منه يمثل جزءا يسيرا من الكم الهائل من المشاكل بشأن طريقة ادارة الدولة وتصفية التركة الثقيلة الملقاة على عاتق رئيس الحكومة العراقية وتسوية الملفات الخلافية مع الاكراد والعرب السنة.
&
وقال الصدر في بيان له: إن "الحكومة وجيشها يجب تقويته من خلال تحرير الأراضي، وهذا ما لم يتم العمل عليه إلى يومنا هذا مع شديد الاسف" مؤكدا أن "الحشد الشعبي تشكيلات جهادية يجب العمل على تقويتها، وإنهاء الخلافات الداخلية التي تعصف بها، إضافة إلى العمل من أجل تقريبه إلى الحكومة العراقية بعدما حدثت بعض الخلافات مع بعض فصائله".

شروط السنة
ويسعى سنة العراق وكرده إلى استثمار فرصة تنامي هذا الخلاف، اذ وضع الساسة السنة شروطا لاستمرار دعمهم للعبادي ابرزها تزويد العشائر في المناطق الغربية بالأسلحة الخفيفة، والمتوسطة وحتى الثقيلة منها، والاعتراف بعائدية ناحية النخيب إلى الانبار، بعد محاولات لضمها لمحافظة كربلاء ومطالب اخرى تتعلق بتحقيق التوازن وتوزيع واردات الدولة، فيما يعمل الكرد على توسيع مساحات الأراضي التي يسيطرون عليها في نينوى وكركوك وديإلى، والتلويح بإعلان الانفصال في حال عدم تحقيق ذلك، وهو الأمر الذي رفضه بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء قبل يومين.
&
وفي خضم هذه الأحداث، يرى المحلل السياسي رحيم الشمري، أن صراع العبادي - المالكي قد يؤدي إلى انفجار أزمة تتجاوز بيت حزب الدعوة الإسلامية الذي ينتميان إليه.
&
الشمري قال لـ"إيلاف": "اذا استمر الصراع في التنامي، فان الوضع في العراق قد يتحول إلى مأساوي، خاصة مع تلويح رئيس الوزراء الحالي خلال جلسة البرلمان العراقي قبل أيام بورقة الاستقالة، في حال استمر فريق المالكي باستهدافه لكن الجميع بانتظار ما ستسفر عنه زيارة الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى طهران(اللاعب الأهم) من نتائج".
&