تؤكد تقارير إعلامية أميركية أن من يقول إن داعش يتراجع في العراق أو في سوريا مخطئ تمامًا، والرمادي خير دليل، والسؤال: هل يكمل داعش طريقه نحو بغداد؟

بيروت: تنظيم (داعش) مستمر في حركته العسكرية، من الرمادي إلى بغداد. هذا ما رسخته صحيفة فورين بوليسي الأميركية حتميةً لا بد من القبول بها، حتى أنها قالت ساخرة في تقرير نشرته عن تمدد داعش في العراق: "كل شخص يقول إن تنظيم الدولة الإسلامية يتراجع غير مدرك لحقيقة ما يحدث".&
&
ففي مرة ثانية وفي أقل من عام، يفر جنود الجيش العراقي جماعيًا من مواقعهم ويتركونها خاوية أمام تقدم داعش، وسقوط الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار العراقية، لا يترك أي مجال للشك في حُسن قدرات هذا التنظيم الجهادي، رغم محاولات الولايات المتحدة الحثيثة لتصويره ضعيفًا منهكًا مهزومًا. فتنظيم الدولة الإسلامية قوي، قادر على الهجوم في جبهات رئيسية عدة، في سوريا وفي العراق، بحسب توصيف الصحيفة الأميركية.
&
قدرات عسكرية
&
فالرمادي بعيدة جدًا عن الجبهة الوحيدة التي يتقدم فيها داعش بسوريا، أي في مدينة دير الزور شرق سوريا،&حيث يسعى من خلال إنتحارييه إلى السيطرة على معاقل نظام الأسد في القاعدة الجوية العسكرية بدير الزور. وسيطر التنظيم على مدينة تدمر الأثرية وسط سوريا، واشتبك أخيرًا مع معارضين سوريين وجيش النظام السوري في الريف الشرقي لحلب، ومحافظتي حمص وحماة، وجنوب مدينة القنيطرة، بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
&
تقول فورين بوليسي: "لم تقتصر مكاسب داعش في العراق على الرمادي وحدها، إذ تقدم إلى مصفاة النفط بيجي الأكبر في العراق، ثم تقدم نحو الرمادي، وهاجم بلدة قريبة من الخالدية، وإن استمر في تحقيق مكاسبه الميدانية هذه، يستطيع أن يتكئ على عمق ميداني كبير ليعقد عزمه على مهاجمة العاصمة العراقية بغداد".
&
تضيف الصحيفة أن العالم لم يتفاجأ بتقدم داعش في الرمادي بقدر ما تفاجأ باستيلائه على الموصل ومناطق أخرى في العراق في حزيران (يونيو) الماضي. فالولايات المتحدة أعلنت أنها شنت 7 غارات في الرمادي لمنع سقوطها، وذلك قبل 24 ساعة من سقوطها بيد داعش. وفي الوقت نفسه، حذر مسؤولون عراقيون في الرمادي مرارًا من أن المدينة واقعة تحت خطر اجتياحها إن لم يتم تعزيز حاميتها بالعتاد والعديد بصورة عاجلة.&
&
مشكلة الحشد الشعبي
&
ترى الصحيفة أن رواية "داعش يتراجع" رواية لا أساس لها من الصحة. فبدلًا من أن يعاني هذا التنظيم من نقص موارده البشرية والعسكرية، نراه يشدد قبضته على معاقله في مدينتي الموصل العراقية والرقة السورية، ويجذب عددًا كبيرًا من المجاهدين، وخصوصًا المراهقين منهم.
&
وكما كان الأمر مع احتلال الموصل، فلسقوط مدينة الرمادي بيد داعش أثر مضاعف على كل ساحات القتال السورية والعراقية. ففي سوريا، تقاتل ميليشيات شيعية عراقية مع الأسد، ويشعرون بأن عليهم العودة إلى وطنهم للدفاع عن مدنهم التي يجتاحها داعش، ولو كانت مدنًا سنية، ما سيقوّض قدرة نظام الأسد على الوقوف بوجه الثوار الذين يحققون المزيد من المكاسب الاستراتيجية. فزعيم إحدى الميليشيات الشيعية في دمشق قال إنه عائد من أجل "العراق الجريح".
&
إن فشل العراقيين في الدفاع عن الرمادي يزيد التوتر بين واشنطن وبغداد بشأن الاعتماد على مليشيات الحشد الشعبي الشيعية لوقف تقدم داعش. وهذه المرة الثانية التي تظهر فيها هذه المشكلة، ففي معركة استعادة مدينة تكريت، نشرت بغداد الحشد الشعبي المدعوم من إيران، ما دفع بالولايات المتحدة إلى رفض تأمين الغطاء الجوي للمعركة، إلى أن انسحبت الوحدات العسكرية غير النظامية.
&
وذكرت تقارير أن واشنطن ضغطت على بغداد لعدم إرسال الحشد الشعبي إلى الرمادي، مصرة على أن القوات المحلية إلى جانب الجيش العراقي يجب أن تقاتل في المدينة السُنية. فألقى مسؤولون عراقيون مسؤولية سقوط المدينة على الأميركيين. ومع توجه الميليشيات الشيعية إلى الأنبار لمواجهة داعش، يبدو أن مواجهة أخرى بين بغداد وواشنطن ستندلع قريبًا، خصوصًا أن واشنطن تخشى من أن يشعل الشيعة توترات طائفية في محافظة سنية.
&
سياسة فاشلة
&
اضطلع الزعماء المحليون في الرمادي بدور فاعل في مجالس الصحوة التي دعمتها الولايات المتحدة، والتي كانت لها اليد الطولى في التخلص من "القاعدة" في 2006 و2007، والتي واجهت داعش طوال العام الماضي.
&
ونقلت "فورين بوليسي" عن وائل عصام، الصحافي المخضرم والمختص في شؤون التمرد العراقي بعد حرب 2003، قوله: "سقوط الرمادي سيمكن داعش من فرض نفسه قوة سنية وحيدة تقف ضد ميليشيات الشيعة، في ظل فشل قوى سنية متحالفة مع حكومة بغداد في تحقيق مطالب طائفتها منذ أكثر من 10 أعوام".
&
أضاف: "صار سنة قاسم سليماني أدوات لإضفاء الشرعية على قمع الحكومة ضد السنة في البلاد".
&
وخلافًا لما حدث في 2006، عندما ثارت عشائر سنية ضد تنظيم القاعدة، تعاني هذه العشائر من انقسامات حادة في الموقف من داعش. ومع سقوط الرمادي، سيجد مقاتلو القبائل الموالون لداعش أنفسهم في وضع أفضل، وسيتمكنون من جذب أقاربهم إلى صفوف التنظيم بحجة فشل زعماء القبائل الموالين للحكومة في الأنبار.
&
وتختم فورين بوليسي تقريرها بالتأكيد على أن الاستراتيجية الأميركية المتبعة اليوم في محاربة داعش قد فشلت، "وتركيز البيت الأبيض على الضربات الجوية في العراق، مع عدم إحراز أي تقدم في تدريب قوات سنية لمواجهة داعش في سوريا والعراق، يوفر لهذا التنظيم مساحة واسعة ليخطط وينتشر ويناور.
&
ورغم محاولات مسؤولين أميركيين للتقليل من أهمية سقوط الرمادي، فإن ذلك يفتتح مرحلة جديدة وخطيرة من الحرب في العراق، إذ يبدو التنظيم مستعدًا للسيطرة على مناطق جديدة، غير عابئ بقوة الأسلحة الأميركية والدعم الإيراني لعشرات الآلاف من القوى الشيعية والكردية، وتبدو فكرة أن داعش يخسر سخيفة جدًا".