تُضيء مجزرة إدلب السورية، حيث قامت جبهة النصرة بقتل نحو 40 درزيًا، على مسألة إقصاء كل من يختلف عن التنظيمات في سوريا والعراق والذهاب أبعد من ذلك نحو قتله ونحره.

بيروت: تتواصل التفاعلات الداخليّة والخارجيّة مع الأحداث التي شهدتها قرية قلب لوزة في إدلب السورية، وتستمر ردود الفعل ضد "جبهة النصرة" التي قامت بقتل نحو 40 درزيًا في هذه القرية، ويبقى السؤال هل باتت الجماعات والتنظيمات في سوريا والعراق تعتمد فلسفة إقصاء الآخر (المختلف سياسيًا دينيًا مذهبيًا وعقائديًا) وتصفيته في سياستها الحالية؟
&
ترى الدكتورة نهوند القادري أن "صورة الآخر هي تعبير أو تعابير ذات دلالات معينّة ومقصودة، نرسم بوساطتها صفات فرد أو شعب أو مجموعة شعوب بحيث تترك انطباعًا سلبيًا أو إيجابيًا لدى القارئ أو متلقي هذه التعابير" ، ويعرّف الدكتور أديب خضّور هذه الصورة بأنها "مجموعة من الأحكام والتصوّرات والانطباعات القديمة المتوارثة والجديدة والمستحدثة الإيجابيّة منها والسلبيّة، التي يأخذها شخص (أو جماعة أو مجتمع) عن آخر، ‏ويستخدمها منطلقًا وأساسًا لتقويمه لهذا الشخص، ولتحديد موقفه وسلوكه إزاءه، ‏والصورة الذهنيّة شديدة الصلة بالموقف، ويؤثران معًا على التفاعل".
&
السياسة أولاً
&
يشير الإعلامي رفيق خوري في حديثه ل"إيلاف" إلى أن موضوع رسم الآخر وصورته السلبية التي تؤدي في ما بعد إلى إلغاء الآخر من خلال تصفيته جسديًا إنما يبدأ بالسياسة قبل الإعلام، ولسوء الحظ عندما تصبح السياسة جزءًا من الصراع الطائفيّ والمذهبيّ، ولا يعود الصراع فكريًا، تخرج الأمور حينها عن وظيفتها الأساسيّة، ونشاهد كل تلك التصفيات الجسدية.
&
ويضيف:"في الماضي كان الصراع الفكري بين مختلف الأحزاب حضاريًا ومبنيًا على الأفكار، اليوم لا حوار بل سجال لأفكار بمطلقات دينيّة أو طائفيّة ومذهبية، وعندما تنتقل السياسة من الحوار إلى السجال، يصبح حينها الموضوع الأساسي دينيًا أو طائفيًا، ومطلقًا، رغم أن أهميّة الحوار أن تكون الأمور نسبيّة، فلا حقيقة مطلقة، والحوار يوصل إلى صورة يمكن أن تكون شبه واضحة".
&
ويتابع خوري :" يعتبر الفيلسوف الألماني ليسنغ أن الحقيقة المطلقة هي في البحث عن الحقيقة، لأن الحقيقة الكاملة ملك الله وحده، ويقول إن الرغبة في البحث أهم من امتلاك الحقيقة، لأن امتلاك الحقيقة الحقيقيّة المطلقة إدّعاء وخدعة وتعطيل للجهد الإنسانيّ وغير ممكنة لأنها ملك لله وحده فقط.
&
ومع سوء الوضع السياسيّ والطائفيّ في لبنان، أصبح البحث عن الحقيقة غير ممكن وأصبح إلغاء الآخر بتصفيته جسديًا هو السائد".
&
عدم تقبّل الآخر
&
أما الإعلامي عادل مالك فيقول ل"إيلاف" "أننا في لبنان والدول المجاورة نشكو عدم تقبّل آراء الآخرين بسهولة، لذلك نسعى نحو التفرّد بالرأي وعدم إحترام الرأي الآخر، وحصر صوابيّة الإجابة على أسئلة محدّدة، من الناحية الفرديّة، وهو أمر خاطىء برأيه، سواء من الناحية الأخلاقيّة أو المهنيّة.
&
ويضيف:"إن قبول الآخر ثقافة، يحتاج إلى الترفّع والإبتعاد عن الأنانيّات، وإعتبار أن هناك آراء أخرى قد تكون مخالفة لآرائنا، إنما هي موجودة وعلينا إحترامها.
&
ويؤكد مالك أن عدم قبول الآخر يعود إلى البيئة التي عاش فيها الإنسان، حيث لم يعش ثقافة قبول الآخر وحتى الإقرار بوجوده، حتى الذين يقولون ويعترفون بوجود رأي للآخر، لكن عند التطبيق، نرى إنعدام ذلك، لأن هؤلاء لم يتشّربوا منذ صغرهم، ثقافة قبول الآخر، ثقافة تقضي بإحترام رأي الآخر، وأن هناك آراء معينّة قد تكون مخالفة لرأينا إنما هي موجودة، ويحتاج الأمر برأيه إلى قوة ذاتيّة، وقوة شخصيّة، وإلى حوار يجري عادة بين أشخاص مختلفين في الرأي، لذلك المطلوب نشر بيئة معيّنة تبدأ من المراحل الأولى إلى الجامعيّة.
&
ويستشهد مالك بقول الإمام الشافعي حيث يقول : "رأيي خطأ فليحتمل الصواب، ورأيك الآخر صواب فليتحمل الخطأ"، من هنا لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه يملك كل الحقيقة، إنما التواضع هو الذي يفرض على الآخرين الإعتراف بآراء مناهضة لآرائهم، ما يخلق منبرًا للتحاور بين الأطراف المختلفة، ويبتعد بالتالي عن فرضية تصفية الآخر فقط لكونه يختلف عني.
&