أعلن في بغداد عن الحكم بالإعدام شنقًا على 24 متهمًا بجريمة سبايكر وتبرئة 4 آخرين جرت محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية المركزية العراقية في بغداد الاربعاء، هم المجموعة الاولى من بين 603 متهمين صدرت بحقهم مذكرات قبض لمحاكمتهم علنًا بتهمة قتل حوالي 1700 طالب في كلية القوة الجوية "سبايكر" قرب مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين الغربية.

لندن: قال المتحدث باسم السلطة القضائية الاتحادية عبد الستار البيرقدار في تصريح صحافي تابعته "إيلاف"، إن المحكمة قضت بإعدام 24 متهمًا بجريمة سبايكر بعد ثبوت مشاركتهم في الجريمة وتبرئة 4 آخرين تم إطلاق سراحهم فورًا لثبوت عدم علاقتهم بالحادث.

وأضاف ان المحكمة الجنائية المركزية قد استمعت في جلستها اليوم إلى محضر كشف الدلالة لجريمة سبايكر وإلى إفادة الممثل القانوني للأمانة العامة لمجلس الوزراء وممثل وزارة الدفاع منفردين، وكلاهما طالب بالشكوى عن الجريمة.. كما استمعت إلى إفادات المتهمين بالجريمة، كل على حدة.

وقال ان المتهمين حوكموا وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. وأشار إلى أنّ مثول هؤلاء المتهمين امام المحكمة يأتي اثر اكتمال اجراءات التحقيق معهم في ارتكاب جريمة سبايكر في حزيران (يونيو) عام 2014 موضحة انها اصدرت 603 مذكرات قبض وتلقت 2162 اخبارًا بخصوص هذه الحادثة التي وصفت بجريمة العصر حيث لاتزال الجهود الحكومية مستمرة لرفع رفات الضحايا التي دفنت في عدة مواقع قرب تكريت.

وجاء الحكم اليوم بعد الاستماع إلى مرافعة المدعي العام، والتي طالب فيها بإعدام 24 متهمًا شنقاً حتى الموت وبالافراج عن اربعة آخرين لعدم كفاية الادلة. وقد فرضت قوات امنية حماية مشددة على المتهمين داخل قاعة المحاكمة بعد محاولة ذوي الضحايا التقرب منهم داخل قاعة محكمة الجنايات المركزية.

وتم لحد الآن تسليم 49 جثمانًا من ضحايا سبايكر إلى ذويهم بعد التعرف على جثثهم رسميًا إثر إجراء فحوصات مطابقة الحمض النووي، فيما اسفرت عمليات فتح القبور في المقابر الجماعية عن رفع رفات 700 ضحية حتى الآن.

وكان تنظيم "داعش" قد اعدم بمشاركة افراد من مناصري النظام السابق يقيمون في المنطقة في 15 حزيران (يونيو) عام 2014 المئات من طلبة كلية القوة الجوية والمتطوعين للقوات المسلحة في قاعدة سبايكر شمال تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين (170 كم شمال غرب بغداد) بعد أيام على تسليم أنفسهم.

وجرت مجزرة سبايكر بعد أسر طلاب القوة الجوية العراقيين من قاعدة سبايكر في يوم 12 حزيران، وذلك بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة تكريت بعد يوم واحد من سيطرتهم على مدينة الموصل في العاشر من الشهر نفسه، حيث أسروا بين 2000 و 2200 طالب في القوة الجوية العراقية وقادوهم إلى القصور الرئاسية في تكريت وتناوب عناصر التنظيم وعدد من ابناء المنطقة على قتلهم هناك وفي مناطق أخرى رمياً بالرصاص ودفنوا بعضًا منهم وهم أحياء.

خبير قانوني: متهمون آخرون سيحاكمون

ومن جهته، قال الخبير القانوني طارق حرب إن التهمة الموجهة للمتهمين هي ارتكاب جرائم ارهابية متمثلة بقتل اكثر من الف ضحية مع توفر القصد الجنائي.

وأشار إلى أنّ القضية قسمت إلى مجموعات اعتماداً على اكتمال التحقيق الابتدائي في كل مجموعة، واليوم كان موعدًا لمحاكمة المجموعة الاولى، وسيتم تحديد مواعيد أخرى للمجموعات الاخرى من المتهمين بعد اكمال التحقيق الابتدائي معهم واذا كان مجموع المتهمين في المجموعة الاولى 28 متهماً، فإن المجموعات الاخرى يكون عدد المتهمين فيها اكثر من هذا العدد او اقل بحسب احالتهم إلى المحكمة.

وأضاف أن عدد المتهمين في القضية يبلغ حوالي 603 متهمين، وكانت هنالك المئات من الصفحات والاوراق الخاصة بكل دعوى كما كانت هنالك اعترافات واقرارات مفصلة من المتهمين تضمنت ذكر كل شيء عن الجرائم المرتكبة بما فيها الاسلحة المستخدمة وأماكن القتل وكيفية التصرف بالجثث بعد ارتكاب الجرائم وطريقة تنفيذها، والزمان الذي حصلت فيه، والسيارات التي تولت نقل جثامين الضحايا، ومن تولى التحريض على ارتكاب الجرائم او اتفق مع الفاعلين أو ساعدهم بأي وسيلة وجميع من ساهم أو اشترك في هذه الجرائم بأي صفة أو شكل.

والمحكمة التي ستتولى محاكمة المتهمين هي المحكمة الجنائية المركزية في بغداد التي انشئت عام 2004 للنظر في الجرائم الإرهابية.. وقد تم حضور محامٍ عن كل متهم، وتأمين جميع الضمانات المقررة دستوريًا وقانونيًا للدفاع والمتهم واصول المحاكمة.

انتقادات لوزارة الصحة

وقد انتقدت لجنة حقوق الإنسان النيابية وزارة الصحة لتأخرها في إعلان نتيجة مطابقة تحاليل الحامض النووي لضحايا سبايكر مع ذويهم.. وأشارت في بيان امس إلى أنّه بعد مرور أكثر من عام على حادثة سبايكر وما خلفته من استشهاد أكثر من 1500 شهيد، فإن وزارة الصحة لم تعلن نتيجة مطابقة تحاليل الحامض النووي خصوصاً أن ذويهم ينتظرون هذه النتائج لما يترتب عليها من أمور قانونية ومالية.

وأضافت اللجنة انه كان الأجدر بوزارة الصحة أن تستعين بالخبرات الدولية والإقليمية في مساعدتها في هذه التحاليل لحسم هذه القضية.. وطالبت بالإسراع في كشف مطابقة هذه التحاليل لرفات ضحايا سبايكر.
&
اعترافات للمتهمين

وفي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، أعلنت محكمة التحقيق المركزية المتخصصة بجرائم الإرهاب والجريمة المنظمة عن اعتقال عدد من المتهمين بجريمة سبايكر واكدت أنهم اعترفوا صراحة باشتراكهم في الحادث.

وقال القاضي ماجد الاعرجي إنه "تم إلقاء القبض مؤخراً على عدد من المتهمين بملف جريمة سبايكر".. مبينًا أن "التوصل إليهم حصل بناءً على معلومات استخبارية دقيقة بمتابعة محكمة التحقيق المركزية التي تتولى التحقيق فيها، وأصدرت بحقهم مذكرات قبض. وأضاف أن "المتهمين بعدما اعترفوا صراحةً باشتراكهم بالجريمة قد أدلوا بمعلومات وافية عن كيفية وقوع الحادث ومكانه وزمانه".. موضحًا أن "هذه الاعترافات تم تصديقها قضائياً وجاءت مطابقة لإفادات شهود أدلوا أيضاً بأقوالهم أمام المحكمة".

واكد أن "المتهمين، الذين صدرت مذكرات القبض بأسمائهم الكاملة، قد تم منعهم رسمياً من السفر وحجز أموالهم وفقاً للقانون لإجبارهم على تسليم أنفسهم".. موضحًا أن "عمليات المتابعة مستمرة للمتهمين من أجل القبض عليهم". وأضاف الاعرجي أن "رئيس السلطة القضائية الاتحادية وجه بتخصيص قاضٍ في كل منطقة استئنافية لغرض تسلم الشكاوى وتدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي عن الحادثة وإحالتها على محكمة التحقيق المركزية للنظر فيها، الامر الذي حقق نتائج ايجابية".

اعتبار سبايكر جريمة إبادة جماعية

ومن جهتهما، اعتبر البرلمان والحكومة العراقيان مؤخرًا حادث سبايكر "جرائم إبادة جماعية"، إضافة إلى جرائم القتل العمد لنزلاء سجن بادوش في محافظة نينوى ومنتسبي قاعدة سبايكر العسكرية العزّل وجريمة القتل المتعمّد لأبناء عشائر البونمر والجبور، واللهيب، والعبيد وقتل وتهجير المدنيين من الاكراد والمسيحيين والايزيديين والشبك في سهل نينوى وسنجار والقتل المتعمّد وتهجير التركمان في تلعفر وبشير.

ويمهد هذا القرار الحصول على اعتراف دولي من قبل الأمم المتحدة باعتبار تلك الاعمال جرائم "إبادة جماعية"، بحسب ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة عام 1948 ووقع عليه العراق في الخمسينيات من القرن الماضي.

وقد صور تنظيم داعش مجريات هذه المجزرة التي اشترك فيها بعض من أفراد العشائر (المنتمين لحزب البعث العراقي وداعش) في محافظة صلاح الدين، فيما نجح بعض الطلاب في الهروب من المجزرة إلى ناحية العلم التي كانت صامدة آنذآك ولم تسقط بيد التنظيم، حيث إستقبلتهم قبيلة الجبور في هذه الناحية، والتي يفصلها نهر دجلة عن تكريت وأمنت لهم عجلات ومستمسكات للهرب من سيطرات التنظيم، كما هرب بعضهم بطرق أخرى، وقد روى بعض الطلاب مجريات المجزرة حيث تم حسب قولهم وشهاداتهم تسليم الطلاب من قاعدة سبايكر بسبب خداع بعض القادة العسكريين للطلاب وايهامهم بأن الوضع آمن.

وقد اثرت المجزرة بشكل سيئ في نفوس عوائل ضحايا قاعدة سبايكر الذين واصلوا الخروج بمظاهرات تدعو لمحاكمة القادة، الذين سلموا ضحايا سبايكر لداعش، وصرف تعويضات عن استشهاد ابنائهم، وفي احدى المظاهرات تمكنوا من دخول البرلمان وطالبوه بمحاسبة القادة الذين سلموا سبايكر لداعش، وبعدها حدثت الكثير من المظاهرات من قبل أهالي الضحايا حيث أدت بعضها إلى إغلاق جسور في بغداد بضع مرات إحتجاجاً على تأخر الحكومة في توضيح مصير أولادهم.

وجاءت عملية الإعدام الجماعية هذه بعد خمسة ايام من احتلال تنظيم داعش مدينة الموصل عاصمة محافظة نينوى (405 كم شمال بغداد) في العاشر من الشهر نفسه قبل أن يفرض سيطرته على مناطق أخرى في محافظات ديإلى وكركوك والانبار وصلاح الدين مرتكبًا جرائم مروعة ضد السكان واعتداءات على الأقليات والمواقع الدينية والحضارية، ما أدى إلى نزوح أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص لحد الآن.