دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية السلطات العراقية الى التخلي عن أحكام الإدانة وعقوبات الإعدام الصادرة بحق 24 متهماً في قضية قاعدة سبايكر، التي راح ضحيتها حوالي 1700 طالب على يد تنظيم داعش مطالبة بإعادة محاكمتهم.. فيما قالت الرئاسة العراقية إن معصوم لم يصادق على إعدام المحكومين بسبب عدم وصول احكامهم إلى الرئاسة بعد.

لندن: قالت المنظمة في تقرير الخميس، اطلعت "إيلاف" على نصه، إن الاحكام التي اصدرتها المحكمة الجنائية المركزية في بغداد في الثامن من الشهر الحالي جرت عقب محاكمة غير عادلة دامت ساعتين فقط ومُنع فيها الدفاع من ممارسة حقه في تقديم شهود وأدلة. واضافت أن المحاكمة التي شملت 28 شخصًا لم تدم سوى ساعات قليلة، وانتهت إلى إدانة 24 متهمًا وتبرئة أربعة آخرين، ولذلك يجب على السلطات العراقية أن تأمر بإعادة المحاكمة التي يجب أن تكون عادلة.

قتل الطلاب جريمة تتطلب محاكمة عادلة

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، "يُعتبر قتل المئات من الطلاب جريمة مروّعة، ولذلك فإن إجراء محاكمة عادلة في حق المتهمين دليل على التزام العراق بإصلاح منظومته القضائية. وتستحق عائلات ضحايا المذبحة، وجميع العراقيين في واقع الأمر الاطلاع على الرواية الكاملة لما حصل في قاعدة سبايكر، وتحديد المسؤول عن عمليات القتل المأساوية".

وأوضحت أن مقاتلي داعش كانوا قد قد قاموا في 12 حزيران (يونيو) 2014 أثناء دخولهم إلى تكريت من جهة الشمال بأسر مئات الطلبة من قاعدة سبايكر، وبحسب مقاطع فيديو نشرها تنظيم داعش وصور أقمار صناعية، قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعتها، قام التنظيم بفصل الطلبة الشيعة عن الطلبة السنة& ثم احتجزهم لمدة ساعات في القصور الرئاسية في تكريت قبل أن يقدم على إعدامهم في مجموعات في مناطق مجاورة.

واشارت المنظمة الى انه في المجموع واجه 28 متهمًا عدة تهم بموجب المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب للعام 2005 الذي ينطبق على كل من نفذ أو شارك أو خطط أو موّل أو ساعد على أعمال إرهابية ووجه المدعون لجميع المتهمين تهمة المشاركة في مذبحة حزيران 2014 دون تحديد أي أدوار شخصية لهم.

مداولات استمرت دقيقتين فقط

وقال حبيب القريشي، محامٍ عراقي حضر المحاكمة كملاحظ مستقل، لـ "هيومن رايتس ووتش"، إن المحكمة لم تمضِ أكثر من خمس دقائق لدراسة قضايا المتهمين على حدة، ثم أصدرت أحكامها بعد مداولات لم تتجاوز

وأضاف أن جميع المتهمين أنكروا التهم الموجهة إليهم، وزعموا أن مسؤولين انتزعوا منهم اعترافات تحت التعذيب أثناء الاحتجاز السابق للمحاكمة، لكن تم اعتماد هذه الاعترافات كمصدر رئيسي للأدلة المستخدمة ضدّهم.

وقال القريشي أيضًا إن المحكمة تجاهلت مزاعم المتهمين بالتعرض إلى التعذيب، ومنعتهم من تقديم أدلة قد تشكك في صحة التهم. وزعم بعض المتهمين أنهم لم يكونوا في تكريت يوم المجزرة، ولكن المحكمة لم تسمح لهم باستدعاء شهود ليؤكدوا مزاعمهم. واكد أن جميع المتهمين الثمانية والعشرين لم يحصلوا على تمثيل قانوني من اختيارهم أثناء المحاكمة، بل قامت المحكمة بتعيين محامين من اختيارها، ولكنهم لم يتقابلوا مع المتهمين بشكل مسبق، ولم يرافعوا عنهم أثناء المحاكمة.

ونوهت هيومان رايتش ووتش الى أنه لو سمحت المحكمة لأحد المتهمين ببعض الوقت لإعداد الدفاع الذي سيمثله، ربما تمكّن من تقديم استدعاء مستعدين للشهادة ببراءته. ونقلت عن أحد جيران أحمد إبراهيم صالح الدوري، أحد المدانين الأربعة والعشرين، وهو موظف في مجال الصحة من بلدة الدور، التي تبعد حوالي 40 كلم جنوب تكريت قوله إن الدوري لم يكن شديد التدين، وكان ينتقد المتطرفين، ولم ينضم إلى داعش، كما فعل سكان محليون آخرون.

وأوضح أنه شاهده في بلدة الدور في الوقت الذي حصلت فيه المجزرة، ولذلك لا يُمكن أن يكون قد شارك فيها. كما قال شخص آخر من معارف الدوري لـ هيومن رايتس ووتش إن الرجل كان قد أخفى سيارة وفرتها له وزارة الصحة العراقية حتى لا يستولي عليها تنظيم داعش. لكن المنظمة اوضحت انها لم تتمكن من التأكد من المعطيات التي قدمها جار أحمد إبراهيم الدوري وأحد معارفه.

الكثير من الاسئلة

ونوهت المنظمة الى أن المحاكمة الجماعية التي جرت على عجل تركت عديد الأسئلة، ومنها طبيعة الدور الذي لعبه كل متهم في المجزرة، إن ثبت ذلك، والضحايا الذين قتلوهم أو شاركوا في قتلهم. كما بقي من غير المعلوم السبب الذي دفع عددا كبيرا من الطلبة العسكريين يسيرون دون أسلحة خارج القاعدة العسكرية حتى وقعوا في يد داعش، والسبب الذي دفع هذا التنظيم إلى قتلهم، ومن الذي أمر بتنفيذ المجزرة وساعد على وقوعها. لم يتم التطرق إلى أيّ من هذه الأسئلة أثناء المحاكمة.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن في ظلّ غياب محاكمة عادلة تضمن محاسبة كاملة وسليمة، لا يستطيع المسؤولون العراقيون الجزم بأن نظامهم القضائي تمكن من تحديد المسؤوليات في المجزرة. وقال عبد الستار البيرقدار، المتحدث باسم المحكمة الجنائية المركزية، لوسائل إعلام إنه يوجد 604 مشتبهين فيهم آخرين، مفتش عنهم بسبب مشاركتهم في المجزرة.

وأشارت المنظمة الى أن العراق طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن حقوق المتهم في "أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحامٍ يختاره بنفسه وأن يدافع عن نفسه بشخصه أو بواسطة محامٍ من اختياره" (المادة 14). كما ينص العهد على أن يضمن العراق لكل متهم في قضية جنائية الحق في أن "يناقش شهود الاتهام، بنفسه أو من قبل غيره، وأن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بذات الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام".

وأضافت المنظمة انه يُعتبر قتل أي شخص غير مشارك بصفة فعلية في أعمال عدائية أثناء نزاع مسلح، بما في ذلك عناصر القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم أو الذين هم رهن الاحتجاز، جريمة حرب. وقد يُعتبر القتل جريمة ضدّ الإنسانية، عندما يكون بشكل ممنهج وعلى نطاق واسع، أو عندما يتم في إطار سياسة معتمدة من قبل جماعة منظمة. ولكن القانون العراقي الحالي لا ينصّ على اعتبار الجرائم ضدّ الإنسانية جرائم مميزة.

مطالبة العراق بالانضمام الى الجنائية الدولية

وطالبت هيومن رايتس ووتش العراق بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى يُصبح من الممكن محاكمة جرائم مثل جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها جميع أطراف النزاع وتستطيع السلطات منح المحكمة ولاية النظر في الجرائم الخطيرة، التي ارتكبت في العراق منذ أن دخلت الاتفاقية المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية حيّز النفاذ في 1 تموز (تموز) عام 2002، كما يتعين على العراق اتخاذ جميع التدابير الضرورية لإدراج الجرائم الدولية ضمن قانونه المحلي.

وقال جو ستورك "لم تستغرق الإدانات التي وجهت إلى 24 شخصًا في هذه القضية، وحُكم عليهم بالإعدام، سوى ساعتين، ولم يُسمح لهم بتقديم أدلة أو الاعتراض على الأدلة المستخدمة ضدّهم. ولذلك فإن هذه المحاكمة الجائرة لم تضمن تقديم الجناة الحقيقيين المسؤولين عن مقتل 1700 طالب إلى العدالة".

معصوم لم يصادق على الاحكام بعد

وكان المتحدث بإسم رئاسة الجمهورية خالد شواني قال امس الأربعاء إن الرئيس فؤاد معصوم لم يصادق على إعدام مرتكبي جريمة سبايكر بسبب عدم وصول تلك الأحكام إلى رئاسة الجمهورية بعد. وأضاف شواني في تصريح صحفي الى أن الرئاسة صادقت على وجبة أولى من أحكام الإعدام بعد دراسة ملفاتها .. مشيراً إلى أن "المصادقة ستتم على وجبة أخرى من الأحكام بعد عيد الفطر".

وقال شواني إن "رئيس الجمهورية سيستمر بالمصادقة على أحكام الإعدام بعد إعداد الملفات الخاصة بها من قبل اللجنة القانونية المشكلة من قبل رئاسة الجمهورية".. مبيناً أن "الرئاسة لم تتسلم بعد أحكام الإعدام الخاصة بمرتكبي جريمة سبايكر، كونها&لا تزال لدى السلطة القضائية حيث ستتم دراستها عند وصولها تمهيداً للمصادقة عليها".

وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت في التاسع من تموز الحالي عن مصادقة الرئيس معصوم على أحكام الإعدام وإصدار المراسيم الخاصة بذلك، بحسب الأسبقية في تاريخ الدعاوى، وفي حين بينت أن الملفات الواردة لرئاسة الجمهورية الحالية بلغت 42 ملفاً لمحكومين بالإعدام من أصل 662 لم يصادق عليها منذ عام 2006.