يبدو أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الكبرى&لا يلزم طهران بكشف الأبعاد العسكرية لأنشطتها النووية. وتكشف وثيقة سرية نقيض مواقف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما السابقة.

إعداد عبد الاله مجيد: كشفت وثيقة سرية أن إيران ليس مطلوباً منها أن تكشف الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي وبذلك إضعاف نظام التحقق من هذه الأبعاد بموجب الاتفاق النووي معها. ويأتي ما تقوله الوثيقة التي اطلعت عليها صحيفة وول ستريت جورنال على النقيض من مواقف إدارة أوباما السابقة.

إذ صرح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش ايرنست في حينه بأن العقوبات المفروضة على إيران لن تُخفَّف "حتى يمتثلوا لطلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية امكانية الدخول وتزويدها بمعلومات من اجل تحديد الأبعاد العسكرية الممكنة لبرنامج إيران النووي".

وخلال مقابلة اذاعية مع وزير الخارجية جون كيري في نيسان (أبريل) الماضي سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقبل رفض إيران الكشف عن الابعاد العسكرية الممكنة لبرنامجها النووي وكان رده "عليهم ان يكشفوا عنها... إذا أُريد التوصل إلى اتفاق، وسيحدث ذلك".

جهل بالابعاد العسكرية
&
ولكن موقف الادارة بدأ يتغير في حزيران (يونيو) حين قال كيري نفسه "نحن لسنا مصرين على ان تكشف إيران عما كانت تفعله في هذه الفترة أو تلك من الزمن... بل لدينا معرفة مطلقة بشأن الأنشطة العسكرية الأكيدة التي كانوا يمارسونها".

وطعن خبراء في دعوى كيري هذه حيث قال المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية مايكل هايدن "نحن بالطبع ليس لدينا معرفة كاملة بمدى التقدم الذي حققه الإيرانيون... ولا أعرف ضابط استخبارات اميركيا يدعى ان لدينا "معرفة مطلقة" ببرنامج التسلح الإيراني".

واعلن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي ديفن نونيس على الغرار نفسه "من الواضح انه ليس لدينا الصورة التي نحتاجها عن قدرات إيران".

ويرى خبراء ان الجهل بالأبعاد العسكرية الممكنة لبرنامج إيران النووي سيضعف قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إعداد نظام تحقق فاعل، وحساب الوقت الذي ستتمكن إيران خلاله من العودة إلى استئناف تخصيب اليورانيوم، وضمان انتهاء الأنشطة المرتبطة بتطوير اسلحة نووية.

إحباط

وفي هذا الشأن حذر رئيس معهد العلوم والأمن الدولي ديفيد اولبرايت من ان الابهام الذي يكتنف انجازات إيران في مجال التسلح النووي يهدد قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحقق من التزام إيران بالاتفاق. كما لاحظ اولبرايت عدم وجود بند صريح في الاتفاق ينص على تعاون إيران مع الوكالة وكشف الأبعاد العسكرية الممكنة لبرنامجها مقابل تخفيف العقوبات.

وأعرب اعضاء في الكونغرس عن شعورهم بالاحباط إزاء استهانة الادارة بأهمية الأبعاد العسكرية الممكنة، وخلص عدد منهم إلى أن إيران لن يتعين عليها ابدا ان تكشف محاولاتها السابقة لتطوير اسلحة نووية.

وقال عضو مجلس الشيوخ بوب منينديز في حزيران (يونيو) إنه ينظر بقلق إلى تصريحات وزير الخارجية ويعتقد ان كشف الأبعاد العسكرية الممكنة "مسألة اساسية نحتاج إلى إجابة كاملة وممكن التحقق منها".

إعادة فرض العقوبات

من الدعاوى الأساسية التي تُساق في دعم الاتفاق النووي ان العقوبات الشديدة التي فُرضت على إيران ستعود فورا في حال انتهاك إيران الاتفاق. وأعلن البيت الأبيض في مناسبات مختلفة ان هذه العقوبات ستُفرض من جديد في أي وقت تتخلف إيران عن تنفيذ التزاماتها.

ولكن على النقيض مما تقوله الادارة فان الاتفاق النووي لا يتضمن أي استئناف متفق عليه للعقوبات إذا تخلفت إيران عن تنفيذ التزاماتها.

ورغم التنويه بمثل هذه الآلية في قسم من نص الاتفاق فان عبارات أخرى فيه تشير إلى أنّ الإيرانيين لا يوافقون على فكرة إعادة فرض العقوبات من أساسها بل على العكس فان إعادة فرضها بأي شكل ستكون بنظر الإيرانيين خرقاً ملموساً للاتفاق ومسوغاً لالغائه. وحينذاك ستكون بحوزة إيران مئات المليارات التي حققتها من الاتفاق وتعتبر نفسها قادرة على تحمل ضغوط خارجية ليست قادرة على تحملها اليوم، وبامكانها ممارسة أي نشاط نووي ترتأيه دون قيد.

وتظهر الفقرات ذات العلاقة مرتين في نص الاتفاق، مرة في القسم 26 في نهاية النص الذي يتناول التزام الولايات المتحدة بالامتناع عن إعادة فرض العقوبات السابقة أو فرض عقوبات جديدة ثم القسم 37 في نهاية النص الذي يتحدث عن الطريقة التي ستتعامل بها الأمم المتحدة مع أي انتهاكات إيرانية للاتفاق.

ويتساءل خبراء بشأن ظهور هاتين الفقرتين في النص انه إذا أعلن طرف ان اتخاذ الطرف الآخر اجراءات ضده في حال عدم التزامه بالاتفاق سيكون سبباً لانسحابه من الاتفاق بالكامل، ألا يعني هذا انه ينظر إلى إعادة فرض العقوبات ضده على انها خرق ملموس للاتفاق وانه بكلمات أخرى لا يقبل مبدئيا أي استئناف للعقوبات بأي حال من الأحوال؟ وتزداد الشكوك التي ترى ان هذه هي الحال فعلا وان الولايات المتحدة ربما تنازلت بإرادتها في هذه المسألة لدى التمعن في نص القسم 26 وصولا إلى هذه الفقرة. إذ أخذت الولايات المتحدة على عاتقها التزاماً صريحاً ينص على "ان الادارة الاميركية تماشياً مع دور كل من الرئيس والكونغرس، ستمتنع عن إعادة تطبيق أو إعادة فرض العقوبات المحددة في الملحق 2، والتي توقفت عن تطبيقها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة دون النيل من عملية حل النزاعات التي تنص عليها الخطة".

وبعد الالتزام برفع العقوبات الاميركية لا يأتي القسم 26 على أي ذكر لامكانية عودة الولايات المتحدة إلى فرض العقوبات من جديد بالمرة. كما ان المتبقي من نص الاتفاق لا يتضمن أي ذكر كهذا.

بكلمات أخرى يبدو ان الولايات المتحدة وافقت بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة على الامتناع عن إعادة فرض العقوبات حتى إذا تأكد خرق الإيرانيين لالتزاماتهم طالما ان مثل هذا الخرق لا يكون خطيرا إلى حد يستدعي الغاء الاتفاق بأكمله.

ويختلف هذا اختلافاً ملحوظاً عن القسم 37 الذي ينص بوضوح على ان مجموعة 5 + 1 تنظر إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على انها نتيجة ممكنة لعملية حل ما ينشأ من نزاع رغم ان هذا القسم ايضا يجعل من الواضح ان الإيرانيين سينظرون إلى إعادة فرض العقوبات في هذه الحالة على انها خرق ملموس ومسوغ للانسحاب من الاتفاق.

خرق للاتفاق

بكلمات أوضح ان إعادة فرض العقوبات الاميركية بأي شكل ستكون بمثابة خرق ملموس للاتفاق، وهذا ما اتفق عليه الطرفان. ومن الجهة الأخرى فان إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة لا يكون انتهاكا للاتفاق إلا بنظر الإيرانيين ولكنه مع ذلك ليس امكانية قائمة يمكن ان تعتبر جزءا من أي شيء يُسمى "الاتفاق".

ويعني هذا كله عدم وجود أي بند في الاتفاق ينص على إعادة العقوبات ما ان تتخلف إيران عن تنفيذ التزاماتها بموجبه. ولئن جرى تسويق خطة العمل المشتركة الشاملة على انها اتفاق فالواقع ان الوثيقة في ما يتعلق بإعادة فرض العقوبات التي كانت من أهم مرتكزات الادارة في تسويقه، يمكن ان تُعد تسجيلا لما هو "لا اتفاق".