دخلت تركيا الحرب السورية على جبهتي داعش وحزب العمال الكردستاني، وسيخرج رجب طيب اردوغان منها أكبر الرابحين وأكبر الخاسرين، وسينتهي به المطاف إلى توتير علاقاته مع الولايات المتحدة، ايًا تكن النتيجة.

&
نظر الغرب إلى الاشتباك الذي وقع أخيرًا بين تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والجيش التركي، واسفر عن مقتل جندي تركي وجهادي، على انه اول مواجهة عسكرية مباشرة تخوضها تركيا مع داعش منذ اندلاع الانتفاضة ضد نظام رئيس النظام السوري بشار الأسد في العام 2011.&
واعلن رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو بعد الاشتباك اطلاق حملة عسكرية سُميت حملة "يالجين" تكريمًا للجندي التركي القتيل، لكنه اضاف انها حملة "ضد جميع المنظمات الارهابية". وكان يشير بذلك إلى انها لا تقتصر على داعش بل تستهدف حزب العمال الكردستاني ايضًا، الذي تساوي انقرة بينه وبين داعش. ورغم أن مراقبين كانوا يتوقعون مثل هذا التصعيد منذ فترة، فإن عددًا من العوامل دفعت بالرئيس تركي رجب طيب اردوغان إلى اتخاذ مثل هذا القرار الخطير الآن. ويبقى أن ننتظر لنرى إذا كانت مغامرته المحسوبة ستحقق نتائجها بتعزيز الأمن وزيادة نفوذ تركيا في المنطقة، وتوطيد أركان حكمه في الداخل أم انها ستكون عكس ما خططه له.&
&
المفاجئ المنتظر
يأتي قرار أنقرة المفاجئ بعد أشهر من الضغوط التي مارستها واشنطن. وفي غضون اسبوع، كثفت تركيا تعاونها الاستخباري مع الولايات المتحدة، وسمحت للطائرات الاميركية باستخدام قاعدة أنجرليك الجوية لضرب داعش في سوريا. ودعت تركيا حلف الأطلسي إلى عقد اجتماع طارئ انتهى بالتعبير عن التضامن مع حق تركيا في الدفاع عن نفسها ضد الارهاب، من دون اتفاق على الخطوات التالية. واقترحت تركيا إقامة منطقة حظر جوي على الحدود السورية. وفي حين أن واشنطن رفضت المقترح فإن إردوغان والرئيس باراك اوباما اتفقا على زيادة التنسيق بشأن العمليات الجوية الاميركية ضد داعش، والاستمرار في تدريب مقاتلي المعارضة السورية.&
ولم تكن رغبة تركيا في اقامة منطقة آمنة شمالي سوريا بالأمر الجديد، لكن الجديد هو ارادتها السياسية لترجمة خططها على ارض الواقع احاديًا. فمنذ اندلاع النزاع، أصرت تركيا على أن مثل هذه المناطق مطلوبة لحماية حدودها وتمكين اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم. واكد وزير الخارجية مولود جاووش اوغلو هذه الفكرة مجددًا حين أعلن أن مناطق آمنة ستُقام تلقائيًا بعد طرد داعش من المناطق الحدودية، وسيكون بالامكان نقل النازحين اليها.&
&
تحيز غربي
واستبعدت انقرة نشر قوات برية على الأرض لاسناد العملية، لكن اردوغان أكد التزام تركيا تأمين هذه المناطق. ولا يُعرف إلى أي مدى سيذهب اردوغان في التزامه أبعد من الضربات الجوية والعمليات الخاصة لدعم المعارضة السورية، لكن مراقبين يرون أن على تركيا أن تكون مستعدة لمواجهة قوات الأسد إذا هاجمت المنطقة الآمنة أو ارسال قواتها هي إذا لم تتمكن المعارضة السورية من تأمينها.
العامل الآخر وراء توقيت قرار إردوغان قلقه من داعش. ففي الأشهر التي أعقبت صعود داعش، رأت انقرة انه جماعة اخرى لا تختلف عن أي جماعة معارضة في سوريا، لا اسوأ ولا أفضل، وقررت إعطاء الأولوية لاسقاط الأسد ومواجهة الكرد بوصفهما التهديد الأكبر. بل إن اردوغان شكا من أن أساس هوس الغرب بخطر داعش يكمن في الاسلاموفوبيا والتحيز ضد تركيا، كما لاحظت مجلة فورين افيرز مشيرة إلى اتهام اردوغان لوسائل الاعلام الغربية بالتركيز على طرق تجارة داعش عبر الحدود التركية بدلًا من تركيزها على البلدان الغربية التي يتوافد منها مقاتلون للانضمام إلى داعش.&
لكن حسابات اردوغان السياسية تغيرت مع تصعيد داعش لغته بشأن اقامة خلافة "حقيقية" في اسطنبول. وكان مثل هذا الحديث عن الخلافة مزعجًا بصفة خاصة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية، حين كان اردوغان منهمكًا في تصوير تركيا بقيادته على انها قوة اقليمية كبرى تجاوزت تركتها العثمانية. وكان حتى اسوأ من خطابية داعش عن الخلافة التفجير الذي نفذه انتحاري من داعش في بلدة سروج الحدودية ذات الأغلبية الكردية، حيث قُتل أكثر من 30 شخصًا وأُصيب مئات حين كانوا يستعدون للتوجه إلى مدينة كوباني الكردية في سوريا من اجل المشاركة في إعادة بنائها. &
&
مياه مجهولة
في مواجهة التهديدات (نظام الأسد والكرد وداعش) وتداعيات النزاع المتزايدة في تركيا نفسها، يبدو أن اردوغان خلص إلى أن المطلوب تحرك فاعل بصورة استثنائية. ويرى محللون أن اردوغان، بخوضه حربًا على جبهتين ضد حزب العمال الكردستاني وداعش، أبحر في مياه مجهولة ومن المؤكد أن العملية ستلقي اعباءً على الجيش التركي والأجهزة الأمنية التركية، وبذلك زيادة اعتماد تركيا على المساعدات الاميركية.
ويمكن أن يقرر داعش وحزب العمال الكرستاني تصعيد عملياتهما في الأشهر المقبلة ضد الحكومة التركية والبنى التحتية. كما أن تصعيد عمليات داعش وحزب العمال الكردستاني على السواء سيحلق اضرارًا جسيمة بالاقتصاد التركي.&
ويحذر محللون من أن حسابات اردوغان السياسية يمكن أن تنال من علاقة تركيا بالولايات المتحدة في وقت هي أحوج ما تكون إلى دعم واشنطن. ورغم أن البيت الأبيض دعم العمليات التركية ضد داعش فإن اوباما لا يتفق مع اردوغان بشأن قراره ضرب حزب العمال الكردستاني ولا سيما أن واشنطن تعتبر أن كرد سوريا والعراق شركاء في مواجهة داعش. وستكون ادارة الخلافات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وتركيا أصعب إذا تمادت انقرة في تصعيد حملتها ضد المناطق الكردية الواقعة جنوب حدودها، على حد تعبير مجلة فورين افيرز.&
&
أكبر الرابحين والخاسرين
ويكتنف الغموض تأثير القرار التركي على اردوغان شخصيًا، أكثر مما يكتنف مآل القتال على جبهتين. وكان الرئيس التركي مستعدًا في السابق للرهان على امكانية تحقيق السلام مع الكرد.
لكن العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني وتصعيد الحرب الاعلامية بوصفه منظمة إرهابية لا تختلف عن داعش يمكن أن تؤدي إلى مزيد من انعدام الاستقرار الداخلي، في وقت يجري اختبار قوة الجيش التركي في مواجهة تنظيمات متمرسة في القتال تسيطر على مناطق من تركيا، سواء كانت داعش أو الحركة الكردية المسلحة هناك.
لكن تمكن اردوغان من تأكيد قدراته القيادية فيما تتواصل المماحكات بين الأحزاب التركية خلال المفاوضات على تشكيل حكومة ائتلافية سيكون مكسبًا له، ومن الجائز أن يجعل إجراء انتخابات برلمانية جديدة خطوة لصالحه، إذ يستطيع اردوغان أن يستخدم مثل هذه الانتخابات لاستعادة الأغلبية التي كان يتمتع بها حزب العدالة والتنمية، والفوز بمقاعد كافية لتعديل الدستور بما يتيح اعتماد النظام الرئاسي في تركيا. وبهذا المعنى، سيكون اردوغان أكبر الرابحين وأكبر الخاسرين في المعركة الجديدة التي فتحها لبلاده، وسينتهي به المآل إلى توتير علاقاته مع الولايات المتحدة ايًا تكن النتيجة، بحسب مجلة فورين افيرز.&
&
&