نزل اللبنانيون بأعداد كثيرة ليلبّوا نداء تظاهرة "طلعت ريحتكم" في وسط بيروت، ونجحت هذه التظاهرة في توحيد اللبنانيين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم حول مطالبهم المعيشيّة الملّحّة أما عن مظاهر عنف تخللتها أمس فيعتبر محلل سياسي أن الخطورة الأكبر من اختراق بعض المندسين للتظاهرات أمنيًا هو أن يجرى استغلال هذا التحرك سياسيًا.


ريما زهار من بيروت: يعتبر الكاتب والمحلّل السياسي معن بشور في حديثه لـ"إيلاف" أن نزول اللبنانيين بكثافة للتظاهر ضمن حملة "طلعت ريحتكم" يشير إلى أن الأمر يعكس حقيقة مشاعر الشعب اللبناني تجاه الأوضاع المتردّية التي يعيشها على المستويات كافة، وهو تأكيد على أن المعاناة لا تشمل فريقًا دون غيره من اللبنانيين، بل كل اللبنانيين على اختلاف مناطقهم وطوائفهم والتزاماتهم السياسيّة.&

يضيف بشور "كما قال لي أحد الناشطين فإن مجرد نزول الجميع إلى هذا التحرّك، فإنه حقق الإنجاز الأساسي، أي إعادة الوحدة اللبنانية حول القضايا الأساسيّة بعدما كان الشعب موزعًا ومقسمًا بين أحزاب وطوائف ومذاهب، وهذه الحركة لن تعطي ثمارًا سريعًا، لكنها بالتأكيد تؤسس، كما فعلت هيئة التنسيق النقابية في ظرف سابق، لمناخ جديد في لبنان، حيث يصبح اللبنانيون أكثر اهتمامًا بالقضايا من العصبيات، وأكثر اهتمامًا بالموضوعات بعيدًا عن المذهبيات، وهذا يمكن أن نؤسس عليه الكثير بغض النظر عن النتائج المباشرة لهذا التحرك، ثم أن يتم التركيز على الفساد بهذا الشكل، أمر بالغ الأهمية في لبنان والمنطقة، لأن الفساد ليس فقط تلاعبًا بالمال العام، بل هو إيجاد قيم تدمر هذه المجتمعات وتفسّخها".

يتابع: "لذلك التركيز على الفساد إنطلاقًا من النفايات وغيرها له أهمية كبيرة، لأن الفساد والإحتلال منظومة واحدة، لأن الاحتلال يغذّي الفساد والعكس صحيح، فهي معركة واحدة يجب أن يخوضها الشعب اللبناني، وفي بلد كالعراق مثلاً هذه الثورة الشعبيّة العارمة في وجه الفساد تجاوزت كل ما قيل عن الانقسامات المذهبية والطائفية، وتبين أن العراقيين جميعًا يعانون، وأن المستفيدين فقط هم طبقة من السياسيين تنتمي إلى كل الطوائف والمذاهب والمناطق، ويكاد الأمر نفسه يكون في لبنان أيضًا".

الطبقة الحاكمة
مع مطالبة "طلعت ريحتكم" الطبقة الحاكمة بترك الحكم هل من بديل لهم برأيك أم نحن ذاهبون نحو الفوضى؟، يقول بشور إن الشعب هو المتضرر الأول من الفساد، ولكن هناك طبقة جديدة تحتاج بعض الوقت مع ضرورة أن تكون هناك بداية، وما يجري اليوم هو تلك البداية، ونحن في مرحلة تأسيس طبقة جديدة، والقيادة الجديدة لا تولد بقرار، وبلحظة واحدة، هي عملية تراكمية، وما نراه اليوم يشكّل الخطوة الأولى، أو المدماك الأول في هذه العملية، ثم القيادات تولد من قلب تلك التغييرات، علمًا أن بعض القيادات الحالية لم تكن موجودة سابقًا، قبل عقدين من الزمن، غير أنها برزت من خلال المعاناة والنضال والمواجهات.

من هنا ولادة الطبقة القيادية الجديدة تحتاج وقتًا، وما يجري اليوم هو الخطوة الأولى لولادة تلك القيادات.

ربيع لبنان؟
هل نحن في ظل هذا التحرك والتظاهرات أمام ثورة وربيع لبناني جديد قد يشبه ما حصل في الدول العربية؟، يقول بشور إنه لا يحب المبالغات في توصيف مثل تلك الحالات، ولا شك أن مسألة النفايات قد أزعجت كثيرًا اللبنانيين، وهم يدركون أن الفساد قد بلغ ذروته وقد طفح الكيل، وبالتالي جاءت قضية النفايات لتسلّط الأضواء على كل الأزمات الأخرى من كهرباء وماء ومن صحة وتعليم، وبشكل خاص من نظام سياسي لم يستطع أن يقدّم حلولاً للمجتمع مع قيادات أخذت تنهش في جسم الوطن.

ويعتقد بشور أن ما جرى بداية على طريق ثورة، يجب أن يعي الجميع خطورة توجيه هذا الحراك بالاتجاهات التي رأيناها في بعض الأقطار العربية، وألا يكون حراكًا باتجاه الفوضى وباتجاه اللبنانيين أنفسهم، وهذا يتطلب مسافة بين هذا الحراك وبين السياسيين وبين من يحاول استغلال الأمر.

عن المندسين بين المتظاهرين يقول بشور إنه حتى على المستوى السياسي هناك مندسون، ويريدون تشويه هذا التحرك، والخطورة الأكبر أن يجري استغلال هذا التحرك سياسيًا سواء من خلال الدفاع عن الحكومة، وكأنها لم ترتكب خطأ أو من خلال استغلال هذا التحرك من أجل استغلال أهداف سياسية.

أما هل نتوقع أن تستقيل حكومة تمام سلام بعد كل تلك التظاهرات؟، فيجيب بشور أن لا أحد يستطيع التوقّع، لأن استقالة الحكومة مرهونة بالعلاقات السياسيّة بين الأطراف، ولا بد من التنويه بمؤتمر سلام الأخير، الذي عبّر عن مسؤولية كبيرة في هذا الخصوص، ولم يقف موقف المجابه كما يفعل حكّام كثيرون.

&