لم يستغرب العراقيون حينما علموا ان أكثر المهاجرين من ابناء جلدتهم الذين تدفقوا على أوروبا في هجرة غير شرعية، هم من مدن الجنوب والفرات الأوسط، مؤكدين ان السبب يعود الى ارتفاع نسبة الفقر في هذه المدن.


عبد الجبار العتابي من بغداد: لم يشعر العراقيون بالصدمة حينما علموا ان أكثر المهاجرين العراقيين اللاشرعيين عبر البحر أو مقدونيا او تركيا، الذين تدفقوا على أوروبا هم من مدن الجنوب والفرات الأوسط ومدينة الصدر في بغداد بسبب الاوضاع المزرية التي يعيشها ابناء هذه المدن حيث وصلت نسبة من هم تحت خط الفقر الى 30% لا سيما ان البطالة اصبحت حالة عامة بين الشباب خاصة الذين يتخرجون من الكليات الذين لا يجدون اي اهتمام حكومي بهم فيما الكثير من المصانع عاطلة عن العمل وتزداد قسوة الحياة لديهم بالهجرة الداخلية الى بغداد والعمل بأي مهنة وان كانت لا تليق ومنها بيع السجائر وقناني الماء في الشوارع العامة وبالقرب من السيطرات الامنية.

لطالما اعرب العديد من ابناء محافظات الوسط والجنوب عن أن املهم خاب بالحكومات المتعاقبة التي تركتهم من دون عمل على الرغم من انها تدعي انها جاءت للتخفيف من معاناتهم وتخليصهم من الظلم.

صدرت ردود افعال غريبة حول هجرة الشباب من وزارة الهجرة والمهجرين التي قالت (هجرة الشباب العراقي الان تؤثر بشكل سلبي على المشاريع التنموية في العراق)، فيما قال وزير العمل والشؤون الاجتماعية (سبب هجرة الشباب عدم وجود فرص عمل تستوعب الشباب والبطالة عند حدود الثلاثين بالمائة).

الموت غرقا افضل

يؤكد المواطن عبد الله جاسم، وهو طالب في جامعة بغداد ان الحكومة العراقية بفسادها هي التي دفعت الشباب للهجرة، وقال : أنا تيقنت، هناك من يقود هذا البلد إلى النفق المظلم، وهذا يؤمن بنظرية الفصل بين شعب العراق، شعب ما قبل 2003 وشعب ما بعد التغيير، وهذا ما ادى الى ان تتصرف الاحزاب بطريقة سيئة جدا وان تقوم بالسرقات بشكل كبير من دون النظر الى العراق كبلد والى المواطنين وهذا ما جعل الامور اكثر سوءا وفاقم مشاكل الشباب الذي حين وجد الفرص للهجرة هاجر.

واضاف: انا ضد الهجرة ولكن ماذا يفعل المضطر حيث الخوف من كل شيء في الحياة ابتداء من عدم وجود مصدر رزق ثابت الى الخوف من الوضع الامني السيئ والتفجيرات التي تحدث هنا وهناك وتقتل العشرات والمئات ناهيك عن المستقبل المجهول.

وتابع: الفقر الذي في العراق ليس له مثيل واعتقد ان الحكومات المتعاقبة لم تفكر يوما في ان تخفف من الفقر بل تفكر في تضخيم اموال احزاب السلطة الطائفية، كنت اعتقد ان الحكومة الشيعية ستجعل من الجنوب جنة واذا بها تجعلها جهنم حمراء على الناس، فمنذ 12 عاما لم تستطع ان توفر لاهل البصرة ماء صالحا للشرب، فاي بؤس هذا واي حكومات بائسة، لذلك قرار الهجرة والفرار من العراق كان لابد منه فعلى الاقل يشعر الانسان هناك بانسانيته وحتى الذين يموت غرقا افضل من الذي يموت على يد مسلحين يرتدون ملابس عسكرية.

الهجرة متوقعة

اما كريم محمد حسن، موظف، فقد اكد ان الهجرة متوقعة بعد 12 عاما من الخراب.

وقال: اعتقد ان الذي يحصل في العراق شيء طبيعي جدا& ومتوقع ولا اعتقد انه يشكل مفاجأة لانه نتاج حكم الاسلام السياسي المتخلف الذي لم يحترم الانسان بقدر احترامه لرموزه الذين يمارسون اللصوصية، علما ان هؤلاء ليسوا مسلمين حقيقيين فالمسلم الحقيقي ليس مخادعا ولا يفكر في مصلحته قبل مصلحة الجميع وهؤلاء كلهم يفكرون في مصالحهم والدليل هذه الملايين من الدولارات المنهوبة وحملهم عدة جنسيات.

واضاف: الحكومة لم تفعل للشعب اي شيء خلال 12 سنة بل انها خربته تماما خاصة مناطق الوسط والجنوب التي لم تضع الحكومة على ارضها طابوقة للبناء والاعمار على الرغم من ان الناس هناك كانوا يتوقعون ان تهتم بهم الحكومة الشيعية وتعوضهم عما فات من معاناة، بل ان شباب هذه المحافظات هاجروا الى بغداد ليعملوا في اعمال لا تليق بهم ويتعرضون للمخاطر والكثير منهم يموتون في حوادث مختلفة ومنها تفجير الشاحنة في سوق جميلة لانهم يعملون حمالين في السوق، ولا ننسى كيف ان الاهوار جفت وفرص العمل قلت وليس امام الشاب الا ان يغامر بحياته لذلك الهجرة امر طبيعي واذا فتحت الدول الاوروبية ابوابها فصدقني ان بغداد ستخلو من الشباب وكذلك محافظات الوسط والجنوب خاصة.

الى ذلك علق الكاتب فلاح المشعل على الهجرة موضحا أسبابها قائلا: يحسبها البعض صدمة في ظل الحكومة الشيعية، لكنها ليست صدمة اذا عرفنا أن الحرمان في تلك المدن وصل حدا لايطاق، وان نسبة من هم تحت خط الفقر يبلغ 34% بالناصرية، ويبلغ 39% في السماوة، وان البصرة بحيرة النفط العراقي فيها بلا ماء حلو.

من جانبه اكد الخبير الاقتصادي عبد الحسن محي الشمري، ان الشباب يهاجر للحصول على الامان والعمل.

وقال: مادامت الحكومة العراقية لاتوفر فرص العمل ولايمكنها القضاء على الفقر، من حق الشباب الهجرة الى الخارج، للحصول على العمل والامان.

واضاف: سياسو العراق يغردون خارج السرب ولايعرفون معنى الازمة الحالية التي يمر بها العراق، لدينا الحلول ولكن مع الاسف لاتوجد اذان صاغية.

لا جدوى من البقاء

القانوني محمد الرشيد يقول: الهجرة ليست جديدة على العراقيين ، فقد ابتدأت نهاية السبعينات لظروف سياسية اقترنت بالنظام الدكتاتوري، اما الهجرة ما بعد 2003 فمبرراتها سياسية – اقتصادية منها خط الفقر الذي تزداد النسبة تحته وثانيا الظرف السياسي الملتبس وكثرة حالات عدم وجود امان وعدم وجود افاق مستقبلية واضحة الملامح والشباب العراقي فكروا في الهجرة نتيجة لوجود عوامل دافعة للهجرة.

واضاف: عدم وجود تخطيط حكومي حقيقي طوال 12 سنة هو السبب وراء هجرة الشباب واغلبهم من الخريجين الذين ضاع مستقبلهم فاضطرتهم الظروف وخاصة في مناطق الوسط والجنوب لعدم وجود اعمار حقيقي على الرغم من استتباب الامن في هذه المناطق لكن الفساد المستشري واستشراء العصابات المنظمة وشيوع القتل ادى الى عدم وجود عمل ما يدفع بهؤلاء الشباب الى الهجرة بعد ان ايقنوا من عدم جدوى البقاء في العراق بعد ان تعذر وجود ادوات حاضنة لمنع الهجرة .

وختم بالقول: يجب الانتباه الى ان الهجرة اقرها القانون الدولي من ضمن حقوق الانسان في المادة الثانية (للانسان الحق قي اختيار وطنه والحق ان يسافر ويهاجر وان يختار الهوية التي تتواءم مع طموحاته)، ومن حق العراقي ان يهاجر ولكنها هجرة قسرية مؤلمة فالشباب العراقي شعر باليأس والاحباط وان حكومته غير معنية به.

تهميش متعمد

إلى ذلك اكد الكاتب السياسي جمال المظفر ان هناك تهميشا متعمدا من قبل الحكومات للشباب، وقال: قد يبدو للبعض ان الهجرة الى خارج العراق الان تشمل غالبية اهالي المناطق الساخنة التي تعاني بطش داعش ولكن الحقيقة المرة ان غالبية من يهاجرون هم من اهالي الوسط والجنوب الذين فقدوا الامل في حياة كريمة وامن وعدالة اجتماعية والحصول على وظائف، فالكثير من اهالي الجنوب رغم ان محافظاتهم تنعم بالخيرات وتعد المورد الاكبر لخزينة العراق الا انهم يعانون البطالة وانعدام الخدمات ناهيك عن سيطرة قوى حزبية على مقدراتهم.

واضاف: لم تعالج الحكومات المتعاقبة مسألة البطالة بل تجاهلتها ما زاد في تعاظمها حتى شعر سكان المناطق الجنوبية بأن تهميشهم متعمد من قبل هذه الحكومات ما دفع بشباب هذه المناطق الى قيادة تظاهرات عارمة اسهمت في تأجيج الشارع العراقي فامتدت التظاهرات من الجنوب الى بغداد ومنها الى باقي المحافظات لتكون ثورة عارمة ضد الفساد المالي والاداري ما اضطر المرجعيات الدينية في النجف الاشرف الى الوقوف مع التظاهرات الشعبية وهو ما شكل عامل ضغط على الحكومة للقيام بحملة اصلاح واسعة لكنها لا ترقى الى مستوى الطموح.