لم يعتد الأوروبيون أن يروا أنجيلا ميركل تتكلم بعاطفية من دون عقلانية كما تفعل في قضية اللاجئين، وفي مسألة توزيعهم على الدول الأوروبية، وهم يسألونها إن كانت غيّرت أولوياتها من إنقاذ أوروبا إلى إنقاذ اللاجئين.
&
إعداد ميسون​ أبو الحب: منذ بداية ولايتها في عام 2005، عرفها الالمان امرأة جد عقلانية وجد رشيدة وحاسمة في اتخاذ القرارات.

لكن أزمة اللاجئين جعلتها تظهر بصورة جديدة ومخالفة، فبدت امرأة تدفعها عواطفها اكثر من حساباتها العقلانية، وهو ما يجعلها معرضة لارتكاب اخطاء. هذه هي الزبدة التي نستشفها من مقالة مطولة كتبتها مجموعة من محرري مجلة دير شبيغل الالمانية وحملت عنوان "الام انجيلا: سياسة ميركل تجاه اللاجئين تقسم أوروبا". ونرى إلى جانب العنوان صورة ميركل وهي تغطي رأسها على طريقة الام تيريزا.

ماذا قالت ميركل

في نهاية آب (أغسطس)، تعهدت ميركل بمنح اللجوء إلى أي شخص قادم من سوريا وإلى آخرين يريدون الحماية من أعمال العنف والحرب. وقالت قبل ثلاثة اسابيع إن المانيا بلد ودود ورحب بكل الاشخاص الذين يهربون من الحرب ومن الاضطهاد السياسي. رأت دير شبيغل أن هذه التصريحات تفتقد إلى الحسابات التكتيكية وكأنها تصدر عن شخص آخر غير ميركل. فما يقودها هنا حسابات معنوية وليست حسابات سياسية تقاس بنتائج القرارات المطروح اتخاذها.

سافرت كلمات ميركل بسرعة الضوء في جميع انحاء العالم وتناقلها الناس عبر فيسبوك وتويتر، ما دفع الافًا او ربما مئات الالاف من اللاجئين الجدد إلى التوجه إلى أوروبا. فهل ستستطيع المانيا مواكبة هذا المد؟ هل ستتمكن من تلبية احتياجاتهم الصغيرة والكبيرة؟ صحيح أن المانيا قوة اقتصادية هائلة، لكن هناك حسابات أخرى يجب أن تؤخذ&في الاعتبار، منها أن أوروبا لا تشاركها آراءها تمامًا.

أوروبا منقسمة

عندما تحدثت ميركل لم تتحدث باسم المانيا وحدها، بل تحدثت باسم أوروبا ايضًا، غير أن هذا لم يعجب الجميع. رئيس وزراء هنغاريا فكتور اوربان اعترض بكل صراحة على مسار ميركل. دول شرق أوروبا أخذت تشتمها فيما تخلى البريطانيون عنها.

وقالت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي الاربعاء الماضي أن من الضروري مساعدة الناس الذين يعيشون داخل مناطق الحروب والصراعات المسلحة وليس اولئك الذين لديهم القوة والمال الكافيان للمجيء إلى أوروبا. ورفضت الوزيرة بحزم خطة ميركل لتوزيع اللاجئين على دول الاتحاد.

النمسا من جانبها راحت تصفق لميركل تأدبًا لكنها تبدو سعيدة عندما يواصل اللاجئون طريقهم إلى المانيا.

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي جعلته ميركل حليفًا لها في قضية اللاجئين سرعان ما نأى بنفسه عنها، وقال إنه ينوي اخذ ألف لاجئ فقط من المانيا. وهو رقم تافه. وقال مستشار للرئيس الفرنسي: "نحن لا نبث آمالاً غير واقعية". وقالت دير شبيغل: "من الواضح أن أوروبا لا تريد مساندة الانسانية على طريقة المانيا".

مشاكل داخلية

ما يلفت النظر هو أن وزير داخلية المانيا دي ميزيير اعلن انه ينوي منح كل شخص من فئة ما يدعى بـ "لاجئي دبلن" مبلغ اعانة بسيطاً وضرورياً للتنقل، لترحيلهم إلى اول دولة أوروبية وصلوا اليها. ومن الواضح أن هذا التصرف يناقض تمامًا صورة ميركل. وقال: "لا يمكن لألمانيا أن تقبل كل من يأتيها من منطقة فيها ازمة".

عندما دعت ميركل الجميع إلى المساهمة في احتواء اللاجئين، هبّ الالاف من الالمان لتلبية النداء. كان ذلك في البداية ولكن، مع تناقص الموارد وتزايد اعداد القادمين، بدا واضحًا أن الامور ليست جيدة تمامًا. فكان أن اعلنت المانيا اعادة شيء من اجراءات السيطرة على الحدود مع النمسا.

وبدأت سلطات الولايات الالمانية الست عشرة تشكو من قلة الاسرة والاطباء والمعلمين، ولاحظت دير شبيغل أن ميركل لم تشأ النظر إلى هذه المشكلة على انها مشكلة فعلية بل اعتبرتها نوعًا من التعبير عن الرفض لقراراتها وسياساتها.

ميركل ردت بالقول إن وصف الواقع والتحدث عن المشاعر ليس كافيًا، "فأصحاب المسؤولية في الحكومة مثلنا لهم دور مختلف. علينا إعطاء الناس اجوبة وحلولاً".

الأولوية

إلى جانب ذلك، بدأت سجالات تدور داخل حزب ميركل المسيحي الديمقراطي الذي رأى انها أبدت كرمًا واضحًا تجاه الوافدين غير أن الشك يكبر في قدرتها على ادارة الازمة. هذا ومن المعروف عن ميركل انها تتجنب الغضب في العادة لكن ما سمعته من انتقادات جعلها في النهاية تفقد هذه السيطرة على نفسها، إذ قالت الثلاثاء الماضي إنها لن تعتذر عن اظهار المانيا وجهًا وديًا، وإنها أن اظهرت وجهًا مخالفًا فيعني ذلك انه لن يكون بلدها. ويرى البعض انها كانت تعني: إن لم تتبعوني فعليكم العثور على مستشار آخر.

وتؤكد دير شبيغل: "من الواضح أن ميركل قد تغيّرت". وتعتقد دير شبيغل أن هذا الموقف من ازمة اللاجئين جاء بدافع تحويل المانيا إلى اكبر قوة معنوية في أوروبا.

فقد دعت الالمان إلى استخدام عواطفهم وقلوبهم اكثر من مصالحهم. كما طلبت منهم بذل جهودهم واستثمار اموالهم في اللاجئين. لكن دير شبيغل تتساءل: ترى ايهما أهم الحفاظ على أوروبا موحدة والحفاظ على مصلحة الشعب الالماني والمخاطرة بتاريخها السياسي كاملًا أم مساعدة لاجئين سوريين وعراقيين وافغان؟ فمن الصعب ادانة سياسة هدفها مساعدة لاجئين قطعوا طريقًا طويلًا وهم يحملون اطفالهم بين اياديهم من اليونان إلى المانيا. لكن اين التوازن الصحيح بين الانسانية والواقعية؟ وايهم احرى بالانقاذ، اللاجئون ام أوروبا؟ لقد فقدت ميركل قدرتها على التمييز لأي قضية يجب منح الاولوية: انقاذ اللاجئين ام انقاذ أوروبا.