يبدأ حزب المحافظين مؤتمره السنوي في برمنغهام الأحد بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، في حين لا تزال خطتها حيال بريكسيت غير واضحة، بعد نحو مئة يوم من الاستفتاء، الذي اختار فيه البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي.

برمنغهام: الأمر الوحيد المؤكد هو أن المادة 50 من معاهدة لشبونة المتعلقة ببدء الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لن يتم تفعيلها قبل نهاية السنة، وفق ما أعلنت ماي من دون مزيد من التوضيح، وإن كانت تضع في اعتبارها الانتخابات المرتقبة في الربيع في فرنسا ومن ثم في الخريف في ألمانيا.

كل ما عدا ذلك يبقى عائمًا، والكثير من الأسئلة لا تجد جوابًا سواء تعلق الأمر بالبقاء ضمن السوق المشتركة، أو الحدّ من الهجرة مثلما طالب الناخبون البريطانيون، رغم استياء الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه أسوأ أزمة في تاريخه بين صعود الشعبويين والتشكيك في المؤسسات الأوروبية وتدفق المهاجرين وضعف الأداء الاقتصادي.&لكن تيريزا ماي تلتزم الحذر، وتجيب من يسألها عن استراتيجيتها بأنها لن تدلي "بتعليقات يومًا بيوم". وتضيف "بريكسيت يعني بريكسيت".

خفيف أم ثقيل؟
وفي حين تحجم رئيسة الوزراء عن إعطاء تفاصيل، يقوم بذلك آخرون بدءًا بوزير الخارجية بوريس جونسون، الذي اضطرت الحكومة إلى تهدئته، بعدما أعلن أن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي يمكن أن تبدأ في مطلع 2017. لذلك يجري ترقب مداخلات تيريزا ماي أمام المؤتمر، ولا سيما خطابها بعد ظهر الأحد، خلال الجلسة الافتتاحية بعنوان "إنجاح بريكسيت".

وتقول صحيفة "تلغراف" المحافظة إنه يتعيّن على رئيسة الوزراء أن "تبدأ المؤتمر بإخبارنا متى ستقوم بتفعيل المادة 50"، مطالبة إياها بتقديم "جدول زمني واضح". ويقول الأستاذ في جامعة كنت ماثيو غودوين إن الناخبين قلقون لعدم تحقيق تقدم بشأن بريكسيت والاستطلاعات الأخيرة تقول إنهم يريدون تفعيل المادة 50.

وستسعى ماي خلال المؤتمر إلى توحيد صفوف الحزب المنقسم، حتى داخل الحكومة، بشأن الوجهة التي ينبغي اتباعها للخروج من الاتحاد الأوروبي.

فمن جهة هناك من يؤيدون "بريكسيت خفيفًا"، وهم مستعدون للبقاء في السوق المشتركة، وحتى ترك الباب نصف مفتوح أمام المهاجرين الأوروبيين، ومن جهة ثانية من يؤيدون "بريكسيت ثقيلًا"، أي القطيعة التامة والسريعة، والتشدد في مسألة الهجرة والخروج من السوق المشتركة.

المحافظون وحدهم&
لكن هذه الخلافات والانقسامات قد تكون سهلة، مقارنة مع ما ينتظر ماي، عندما تبدأ فعلًا عملية الخروج، وهي مهمة هائلة، لا تحصى تداعياتها.

وتقول الكاتبة في "فايننشال تايمز" جنان غانيش إن تيريزا ماي أنهت "أفضل أسابيعها"، وما ينتظرها ليس سوى الأسوأ، لأن سائر أعضاء الاتحاد الأوروبي ليست لديهم أي نية في التساهل معها.

لكنها لا تزال تتمتع اليوم بالعديد من المزايا، ومن بينها شعبية مريحة، وتستفيد بالمثل من تخبطات حزب العمال المعارض، الذي تمزقه الخلافات الداخلية، وأزمة قيادة لم يحلها تمامًا انتخاب جيريمي كوربن رئيسًا له السبت الماضي.

وبما أنهم يديرون الدفة وحدهم، قد يميل المحافظون إلى تجربة حظهم، وتقديم موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2020.&ويقول المحاضر في جامعة "كوين ماري" في لندن تيم بيل: "لو تعيّن على تيريزا ماي أن تفعل ما يمكن أن يفعله أي سياسي في مكانها لنظمت انتخابات في الربيع أو الصيف المقبلين".

ساحة خالية
وتبدو الساحة خالية أمام الحزب البريطاني المحافظ لتنفيذ بريكست بالطريقة التي تناسبه بعدما بات مهيمنًا وحده على المشهد السياسي أمام معارضة متخبطة، وإن كان الخطر يأتي من داخل صفوفه، وفق محللين.

تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة مانشستر جين غرين لفرانس برس إن رئيسة الوزراء "تيريزا ماي عززت مكانتها إلى حد كبير في غياب معارضة قوية وثابتة. لو كان حزب العمال قادرًا على محاسبة الحكومة لحصلنا على معلومات أكثر عما تنوي فعله" لتفعيل خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ولكن حزب العمال يتخبط في مشاكله الداخلية التي لم تحسمها إعادة انتخاب الراديكالي جيريمي كوربن في الأسبوع الماضي رئيسًا نظرًا إلى العداء بينه وبين نواب الحزب. والحزب منقسم كذلك بشأن مسألة الهجرة المهمة المتصلة ببريكست بدءًا من القيود التي ستفرض على المهاجرين، والتي كانت حاسمة في التأثير على خيار الناخبين، خلال استفتاء 23 يونيو.

ويقول توم بلدوين مستشار الزعيم العمالي السابق إد مليباند في صحيفة "إيفننغ ستاندرد" إن "التركيز على المشكلات الداخلية خلال مؤتمر حزب العمال مثال واضح على غياب أي نقاش حول بريكست، رغم أنها المسألة السياسية المحورية راهنًا، ولسنوات مقبلة".

مهمة تدمير "العمال"&
يقول جيمس فراين من مجموعة "بوليسي إكستشانج" الاستشارية على مدونة "كونسرفاتيف هوم" المحافظة إن على تيريزا ماي أن تبدأ اعتبارًا من الأحد في برمنغهام "باعتلاء المنبر مع فكرة واحدة في رأسها: تدمير حزب العمال". يضيف إن "خطابها يجب أن يشكل بداية عملية تقود إلى الهيمنة التامة على المشهد السياسي، عبر دفع حزب العمال إلى الهامش، إلى جانب الليبراليين الديموقراطيين. لم يعد لهم أي تأثير على حياة الناس العاديين".

باتت ماي، التي احتفلت بعيد ميلادها الستين السبت، ثاني من يترأس حكومة بريطانيا، بعد استقالة ديفيد كاميرون، إثر هزيمة حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي. ووعدت ماي بأنها ستلتزم بشعار "أمة واحدة"، الذي يعني إشراك كل الطبقات الاجتماعية في مشروع واحد، التزامًا بالمفهوم الذي رسخه رئيس الوزراء بنجامين ديسرايلي في القرن التاسع عشر.

هذا يعني بلغة اليوم الهيمنة على الساحة التي أخلاها العماليون الذين يبدون أكثر بعدًا عن السلطة من أي وقت مضى. ويبدو حزب العمال عاجزًا عن مواجهة صعود شعبية تيريزا ماي، التي يمنحها الناخبون ثقة أكبر من كوربن في تحسين الخدمات الصحية وخفض تدفق المهاجرين ورسم العلاقات التجارية بعد بريكست، وفق استطلاع أجراه معهد "بريتين ثنكس" في 22 سبتمبر. في حين تفيد كل استطلاعات الرأي أن المحافظين سيتقدمون كثيرًا على العماليين في حال تنظيم انتخابات.

حكومة منقسمة&
هل يعني هذا أن الأمور تسير على أحسن ما يرام بالنسبة إلى تيريزا ماي؟

ليس تمامًا، وفق ماثيو غودوين أستاذ العلوم السياسية في جامعة كنت، الذي يقول إن "الحزب المحافظ بلا شك قوي جدًا في استطلاعات الرأي في الوقت الحاضر، ولكنه لا يحظى سوى بغالبية بسيطة في مجلس العموم، وهذا سيجعل من الصعب جدًا على ماي تمرير تشريعات مثيرة للجدل على صلة ببريكست".

هذا عدا عن التحدي الرئيس أمامها، وهو قيادة حكومة منقسمة علنًا بين مؤيدي القطيعة مع بروكسل، ويمثلهم بوريس جونسون، وديفيد ديفيس وليام فوكس (وزراء الخارجية وبريكست والتجارة الدولية) وبين مؤيدي نهج أكثر مرونة تحبذه ماي ووزير المالية فيليب هاموند ممن أيدوا البقاء في الاتحاد الأوروبي خلال الاستفتاء.

ويشير جورج فريمان مستشار ماي إلى "فرصة رائعة، لأن يثبت الحزب المحافظ تحت شعار أمة واحدة أن اهتمامنا ينصبّ على أبعد من قاعدتنا الانتخابية، بأولئك الذين يشعرون بالتهميش في مختلف أنحاء البلاد". يضيف في تصريح لمجلة "نيو ستيتسمان" اليسارية إن ذلك "يطرح كذلك سؤالًا على الحزب المحافظ: هل سنرتد على أنفسنا، ونختلق الخلافات، أم إننا سنتحد، ونشغل المساحة التي أخلاها كوربن؟".

وأيًا كانت رغبات مؤيدي بريكست وشعاراتهم، سواء في الحكومة أو في البرلمان، تبدو ماي وأعضاء حكومتها مقبلين على مهمة مفتوحة تتوقف نتيجتها إلى حد كبير على الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر من طاولة المفاوضات.