حصل برنامج أمسية إخبارية لبي بي سي على صور حصرية من داخل مستشفى في حلب.

كيف يمكن للمرء تغطية حدث محجوب رؤيته عن الناس بحجة أن رؤية صوره قد تتسبب في حدوث أضرار؟

شغلتني هذه القضية بشدة هذا الأسبوع عندما تناولت مجموعة من الصور لحلب المحاصرة.

التقط أطباء سوريون هذه الصور في مستشفى تحت الأرض وأرسلوها لي عن طريق ديفيد نوت، الجراح الحربي الرائد الذي يستعين بوسائل التواصل الاجتماعي لتعليم الزملاء عن طريق الانترنت، على سبيل المثال، كيفية تجميل وجه إنسان بعد إصابته.

كانت المرة الأولى التي أغطي فيها أحداث حرب في عام 1988، وشاهدت بعيني أشياء مروعة.

لكن صور مستشفى حلب أصعب من أن تصفها كلمات. فكن حذرا تجاه ما كتبته وما ستقرأه لأنه يصف حالة من المعاناة الشديدة.

تتضمن الصور صبيا يغطيه غبار الأسمنت ولا أستطيع الحكم عليه إن كان حيا أم ميتا، وصورة لصبي ميت، وصورة لاثنين من الصبية على أرضية بجوار بالوعة صرف مياه بسبب عدم وجود أسرّة، وهما ميتان، وصورة لصبي على قيد الحياة تتدفق من وجهه الدماء، وصورة لصبي على قيد الحياة يمسك ذراعه المكسورة، وصورة لصبي ميت، وصورة لفتاة ميتة.

هذا الطفل يعاني من إصابة في العمود الفقري بسبب القصف.

كما شاهدت صورة أخرى لصبي أبيض الوجه تغطيه الأتربة الملطخة بالدماء التي تنسال من عينيه إلى أنفه، وصورة لرضيعة ميتة، وصبية ترتدي وشاحا أبيض اللون وملطخة بالدماء وتنزف من شرايينها، وصورة لرضيع ميت، وصورة لأب ميت يغطيه غبار الأسمنت وهو متشبث بطفل ميت هو الآخر، والطفل مقطوع الرأس.

أغلب هذه الصور لا يمكن نشرها وعرضها عليكم، والسبب ببساطة هو عدم وجود مرشحات على الإنترنت يمكنها أن تحجب الضرر الذي يعود على الآخرين، لاسيما الأطفال، من جراء رؤية هذه الصور. أتفهم ذلك جيدا.

كنت قد عدت من رواندا وبوروندي عام 1988 بعد أن سجلت تقريرا عن المذابح هناك، وعندما رجعت إلى لندن وصفت لأحد الأصدقاء إصابة ناتجة عن ضربة منجل، وسرعان ما تغير لون وجه الصديق الذي يكتب حلقات كوميدية تلفزيونية.

أدركت منذ تلك اللحظة، ضرورة التحلي بالحرص الشديد أثناء الحديث عن تفاصيل تتعلق بمعاملات غير إنسانية بين الناس، ومازلت أتحلى بذلك فيما يتعلق بالصور أو الفيديوهات التي أعرضها.

أدى القصف إلى حدوث أضرار بالغة بالمستشفيات.

لكن من ناحية أخرى هناك أشياء مروعة تحدث للناس في شرقي حلب.

كان السوريون قد انتفضوا ضد حكم الرئيس بشار الأسد قبل خمس سنوات، وهم ليسوا من أنصار تنظيم الدولة الإسلامية بل ضدهم، إنهم يسعون إلى مسار ثالث بعيدا عن الاستبداد والتعصب.

إنهم محاصرون في فخ، ولا مفر لهم للاختباء، فعندما تسقط القنابل العنقودية، ونرى علامة مكتوبة بالروسية على تلك القنابل التي لم تنفجر، تتكون لدينا فكرة جيدة عمن يسقطها ويقتل الأهالي.

وعرضنا من خلال فيلم ضمن برنامج "أمسية إخبارية" الذي تنتجه بي بي سي بعضا مما يحدث هناك بعد سقوط قنبلة عنقودية على المدينة المكتظة بالأطفال.

واستطاع أطباء في مستشفى تحت الأرض تصوير صبي صغير مصاب بشظية في عموده الفقري بسبب قنبلة عنقودية، وشخص آخر مصاب بشظية اخترقت رأسه واستقرت في الجمجمة خلف أنفه.

وعرضنا صورة الدماء على أرضية المستشفى، فلم يكن هناك أي وقت للتخلص منها بسبب قصف مرافق المياه على نحو قطع إمدادات المياه الصالحة للاستخدام عن المدينة، كما عرضنا صورا لجراحة أعصاب تجرى على الأرض بسبب عدم وجود أسرّة شاغرة.

لكننا لم نعرض في الغالب كل ما يحدث، فالقنابل العنقودية تقتل الأطفال، وهنا يكمن الخطر، فبسبب الخشية من إيذاء مشاعر القراء والمشاهدين ،ينتهي بنا المطاف إلى عدم إظهار البشاعة الحقيقية في أخبار الحروب.

طفلة تنظر العلاج في مستشفى في شرقي حلب.

أصبحت سياسة الغرب بشأن سوريا مشكلة كبيرة، كما أصبح تصريح الأسد الاستراتيجي، وهو الاختيار بينه وبين تنظيم الدولة الإسلامية، حقيقة تزداد يوما بعد يوم.

ويكمن الخطر في أن هذه السياسة قد تقود أبرياء إلى الوقوع في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية لأنهم يكرهون الأسد.

لكن إن لم ير الغرب الواقع بسبب أن المؤسسات الإعلامية لا ترغب في إزعاج الآخرين، حينئذ ستُطمس معالم القصة وتندثر.

يقول الأسد وروسيا إنهما يكافحان الإرهاب، لكنني لم أعثر في صور الأطفال القتلى المحفوظة على هاتفي أو في ذاكرتي ما يشير إلى أنهم إرهابيون.

وتصحيح هذه الأكاذيب، الحميدة والخبيثة على حد سواء، درب من دروب العمل الصحفي، وحتى الآن نحن لا نعرض عليكم الرعب الكامل للحرب في سوريا.