رفض محمد الدايري، وزير الخارجية الليبي، مقولة تقسيم ليبيا، مؤكدًا ضرورة أن يضمن أي اتفاق مستقبلي في ليبيا المكاسب التي حققها المشير خليفة حفتر، الذي يريد وضع حد للميليشيات، وتجنيب البلاد أي حرب جديدة.


باريس: اعتبر وزير الخارجية الليبي محمد الدايري أن اجتماع باريس حول ليبيا أكد وجود توافق دولي على ضرورة إشراك قوى سياسية وعسكرية فاعلة في العملية السياسية، ولم يرَ في عدم حضور الليبيين المؤتمر أي انتقاص من الدور الليبي الداخلي في حل الأزمة السياسية.

وفي حوار خصّ به "إيلاف"، ردّ الدايري الأزمة السياسية في ليبيا إلى عدم أخذ المجلس الرئاسي في طرابلس برئاسة فايز السراج في الإعتبار استقلالية المؤسسة العسكرية الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر، ووضع حد لسيطرة الميليشيات في التشكيلات الحكومية، وإن رفض تأكيد الأنباء عن استراتيجية حفتر التوجه إلى طرابلس ومحاصرتها على غرار ما حدث في منطقة الهلال النفطي لفرض رؤيته للحل السياسي، فقد أعاد تصريحات لحفتر أكد فيها أن استتباب الأمن في طرابلس يتم بصورة سلمية لتجنيبها ويلات أي حرب داخلية.
رفض الديري الإقرار بأن ما وصلت إليه ليبيا اليوم هو تقسيم غبر مباشر، مؤكدًا ضرورة تلافي انقسام ليبيا مستقبلاً.

والوزير الليبي موجود في باريس في إطار زيارة غير رسمية سعت إلى تنسيق جولات إعلامية للصحافيين الراغبين بالتوجه إلى شرق ليبيا، وتزامنت مع اجتماع باريس حول ليبيا بعد زيارة رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج إلى فرنسا، وسعي باريس إلى توسيع حكومة الوفاق الوطني لتضم شخصيات عن برلمان طبرق، في إطار جهودها لإنهاء الأزمة السياسية الليبية.

في ما يأتي نص الحوار:

احتضنت باريس اجتماعًا حول ليبيا بحضور ممثلين عن دول غربية وعربية كمصر والإمارات وتغييب أخرى كالجزائر، وتغييب الليبيين وهم المعنيون الأساسيون. هل يمكن أن تأتي مؤتمرات مماثلة بنتائج فاعلة لحل الأزمة السياسية؟

يندرج الاجتماع في إطار المحاولات الدولية التي تهدف إلى العمل على إيجاد مخرج للمأزق الذي تتواجد فيه حاليًا الأزمة السياسية الليبية. بُذلت جهودٌ دولية آخرها مؤتمر 22 سبتمبر 2016 الذي عقد على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وشمل جميع الأطراف والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية، لكنّ الفرنسيين رأوا ضرورة تخفيض عدد الحضور والتركيز على بعض الجهات الإقليمية.

أود أن أذكر بأن مؤتمرات سياسية تخص الأزمة الليبية تعقد من دون حضور الأطراف كلها. ومن ثم فالجهد الذي تقوم به باريس ليس الأول بل هناك حالات أخرى شهدها التعاطي الدولي والإقليمي مع الأزمة السياسية الليبية.

دعا وزير الخارجية الفرنسي إلى توسيع حكومة فايز السراج لتضم أطرافًا من شرق ليبيا، ما يعني جمع الطرفين في حكومة واحدة. هل يلاقي الطرح الفرنسي آذانًا صاغية في طبرق؟

هذا الظرح يلاقي قبولًا في شرق ليبيا، لكن أريد أن أذكر أن الدعوة إلى إشراك قوى سياسية فاعلة في شرق ليبيا هو نهج تم التأكيد عليه حتى من قبل الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وأذكر بأن وزيري الخارجية الأميركي والألماني ذكرا في اجتماع فيينا في 16 مايو 2016 بضرورة إشراك المشير خليفة حفتر في أي حل سياسي في ليبيا، وجاء ذلك بعد نداء أطلقه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في زيارة رسمية قام بها أخيرًا إلى مصر. فهناك توافق دولي على ضروة إشراك قوى سياسية وعسكرية فاعلة في العملية السياسية ويلاقي هذا الطرح قبولاً شعبيًا في شرق وجنوب وغرب ليبيا.

ضمان المكاسب العسكرية

ما الشروط التي تضعها حكومة طبرق للموافقة على الإنضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية بقيادة فايز السراج؟

اود أن أؤكد أن ليست لحكومة طبرق شروط، لكن مجلس النواب ينادي بإشراك القوى السياسية والعسكرية الفاعلة وضرورة الحفاظ على المكاسب التي تحققت بعد قرار مجلس النواب بتعيين الفريق خليفة حفتر كقائد عام للجيش الليبي، في الجزائر، كان السيد محمد الطاهر سياله وزير الخارجية في حكومة السراج قد ذكر بأن المجلس الرئاسي يعترف بهذا القرار الشرعي الصادر عن مجلس النواب.

هذه خطوة في الإتجاه الصحيح، لكن ما شهدناه في ليبيا انه من خلال الطرح الأول لتشكيلة حكومية في يناير الماضي ومن خلال التشكيلة الثانية وما تم البحث في شأنه بخصوص المناصب السيادية.

لم يتم الأخذ في الإعتبار استقلالية المؤسسة العسكرية الليبية والمكاسب التي تم تحقيقها، خصوصًا أن هناك تقدمًا كبيرًا للجيش الليبي في مدينة بنغازي ضد القوى المتطرفة والإرهابية خصوصًا داعش وأنصار الشريعة وما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي الذي أعلن في 24 يوليو 2016 إنضواءه تحت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي.

إذا تنادون بوضع يرسّخ موقع حفتر في قيادة المؤسسة العسكرية في أي اتفاق سياسي؟

من ناحية نعم، وهناك تفاصيل أو جزئيات للمؤسسة العسكرية تتعلق بمنصب القائد الأعلى ينبغي حلها، إضافة إلى منصب وزير الدفاع، وهذه كلها شكلت عائقًا أمام موافقة مجلس النواب الليبي على التشكيلة الأولى التي رفضت في 25 يناير، وكذلك التشكيلة الثانية التي رفضت ايضًا في اغسطس الماضي. 

هل اقترب التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية؟

يبدو أن السيد فائز السراج شرع في التوجه نحو تشكيل حكومة تعرض على مجلس النواب، وأقول إن التفاهم ينبغي أن يسبق هذه التشكيلة لتلافي ما حدث في الأشهر الماضية.

حد لسيطرة الميليشيات

سيطر حفتر على الهلال النفطي وبدأ بتصدير البترول إلى الخارج وتحويل عائداته إلى مؤسسة النفط الليبية في طرابلس. ما الهدف من هذه الخطوة؟ ما مفاعيل ذلك داخليًا وخارجيًا؟

الهدف هو إنهاء سيطرة الميليشيات على الأرض الليبية، بمعنى أن ابراهيم الجضران ( يقود ميليشيا تسيطر على الموانىء النفطية منذ ثلاث سنوات) عرقل منذ عامين تسويق النفط الليبي وتصديره من هذه الموانىء بحيث أن إنتاج النفط الليبي هبط من مليون وستمئة ألف برميل يوميًا إلى حوالى 300 الف، واحيانًا إلى 350 ألف برميل يوميًا.

السيد مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط الموحدة، صرح منذ أيام أن بنهاية الشهر الجاري سيتم بلوغ 500 ألف برميل يوميًا، لماذا يتحقق ذلك؟

لأن ابراهيم الجضران يرأس ميليشيا تفرض نفسها وتفرض سياستها على كل الحكومات المتعاقبة من أجل ما يسمى حرس المنشآت وحمايتها. سارع الليبيون إلى مباركة هذه الخطوة الوطنية وأولهم كان مصطفى صنع الله الذي أثنى على القيادة العامة للجيش الليبي بوضعها حدًا لسيطرة الميليشيات على الهلال النفطي. أود أن اذكر في هذا الصدد بأن إبراهيم الجضران حاول بيع النفط الليبي بطريقة غير مباشرة في مايو 2014 بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2146 الذي حرم بيع النفط الليبي بطريقة غير مباشرة. سارعت بعدها القوات البحرية الأميركية إلى إيقاف هذه الشحنة في عرض شواطىء قبرص، إذا نحن نعلم دوليًا وليبيًا أن الجضران يمثل ميليشيا خارجة عن القانون.

من هنا، الأمن غير مستتبٍ في العاصمة طرابلس، ويكمن أحد ملامح إعادة تشكيلة الحكومة في ضرورة وضع حد لسيطرة هذه الميليشيات من حيث أن المجلس الرئاسي من ناحية وحكومة الوفاق الوطني من ناحية أخرى كلاهما يعملان في اطار طبيعي ونظامي تحت سيطرة القوى المعنية بالحفاظ على الأمن العام.

تجنيب طرابلس حربًا داخلية

هل يمكن أن تتجه قوات حفتر إلى محاصرة طرابلس وباقي المدن لإعادة فرض الأمن ونزع سلاح الميليشيات وفرض رؤيتها للحل السياسي؟

صرح المشير خليفة حفتر أن استتباب الأمن في طرابلس يجب أن يتم بصورة سلمية، وهو يريد أن يجنبها ويلات أي حرب داخلية. يكمن الحل في التواصل وفي وفاق وطني يُبنى على أسس سليمة. سياسيًا يتم التوصل إليه عبر الإنفتاح على جميع القوى السياسية والعسكرية المطلوبة. من ناحية أخرى، يُبنى على أساس إعادة استتباب الأمن في ربوع ليبيا خصوصًا العاصمة التي يتواجد فيها المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني كي لا تتعرض لإبتزاز، وهو ما يحدث حاليًا للأسف.

مع مقتل ثلاثة عسكريين فرنسيين قرب أجدابيا تأكد وجود قوات اجنبية كخبراء أمنيين على الأراضي الليبية، وهو ما نفته السلطات الليبية سابقًا.

تم الإعلان عن مقتل جنود أجانب آخرين في مناطق أخرى في ليبيا ايضًا، بمعنى أن خبراء عسكريين أجانب متواجدون في الأراضي الليبية في عدة مناطق، لكنّ هناك اعترافًا من بعض القوات الأجنبية بمقتل بعض جنودها في ليبيا. ولجأ مفتي طرابلس وبعض القوى التي تؤيده إلى التظاهر في طرابلس إحتجاجًا على المجلس الرئاسي، بعد المعلومات عن وجود خبراء عسكريين فرنسيين وأجانب. لكن وجود الخبراء الأجانب لا ينحصر في المنطقة الشرقية، لكنهم موجودون بحكم التواصل والحرب المشتركة مع القوى الإرهابية في ليبيا والمنطقة.

فرنسا تحاول التموضع بين فريقي الأزمة الليبية. ما هي أبعاد الدور الفرنسي في إعادة استقرار ليبيا الذي ينعكس ايجابًا على الدول الأوروبية في وضع حد للهجرة غير الشرعية، ويوقف التواصل بين التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء حيث تنشر فرنسا قواتها؟

أعتقد أن موقف فرنسا يشبه مواقف دول أخرى، لديها مستشارون عسكريون في شرق وغرب ليبيا، وأظهرت هذه الخطوة فاعليتها في عملية البنيان المرصوص التي تقدمت بفعل الغارات الجوية التي قدمتها الولايات المتحدة، وأيضًا عبر الخبرات العسكرية التي أتتها من بريطانيا وإيطاليا. فهناك استهداف لقوات الجيش الوطني الليبي سياسيًا، ومحاولة إظهار أن فرنسا وحدها تساند هذه القوات، بينما هناك خبرات عسكرية موضوعة تحت تصرف الليبيين في شرق ليبيا وغربها.

حرب جديدة؟

توقع مسؤولون في الأمم المتحدة أن تندلع حرب جديدة في ليبيا، مستبعدين أن تتمكن ليبيا كدولة فاعلة من النهوض مجددًا. هل تؤيدون ذلك؟

نسعى إلى تجنب الأسوأ وإلى درء خطر الإنقسام السياسي الذي ساد حتى الآن. هناك جهود دولية وإقليمية تقدمها مصر كالإجتماع الذي عقد في يوليو الماضي بإشراف الفريق محمود حجازي، وأوكلت له مهمة التنسيق في الملف الليبي مع كافة السلطات المعنية في مصر مع رئيس مجلس النواب في طبرق عقيله صالح، ورئيس المجلس الرئاسي في طرابلس فايز السراج، وهناك جهد دولي وعربي من أجل تفادي تفاقم الأزمة.

وبالنسبة إلى القيادة العامة للجيش الليبي، ذكر للمشير حفتر أنه سيتم تجنب أي حرب داخلية فيها مع الإعتزاز بالتضحيات التي قدمها أبناء مصراتة ومناطق غرب ليبيا في حرب سرت. هناك جهود عربية ودولية ورغبات ليبية من الطرفين في طبرق، وكذلك المواطنون الأحرار في مصراطة، الذين يريدون فعلًا بناء دولة القانون والمؤسسات ووضع حد لحالة العبث وانعدام الأمن، بحيث نتوحد جميعًا في محاربة داعش والمنظمات الإرهابية.

هل أصبحت الفيدرالية الخيار الموقت الذي يمكن اعتماده للخروج من الأزمة الأمنية والسياسية في ليبيا؟

العملية مفتوحة على كل الخيارات، لكننا نؤكد جميعًا ضرورة تلافي انقسام ليبيا، فأي انقسام سياسي ربما يؤدي إلى تقسيم ليبيا.

أليس الوضع في ليبيا اليوم تقسيمًا غير مباشر؟

لا. هو انقسام سياسي وأمني. أكد المشير خليفة حفتر ضرورة تلافي تقسيم ليبيا، قال إن وحدة ليبيا مكسب تركه لنا الآباء والأجداد وعلينا الحفاظ على هذا المكسب الوطني الهام. فتقسيم ليبيا خط احمر، لكن علينا إيجاد دولة فيدرالية وإيجاد صيغ ادارية لوضح حد للامركزية المقيتة التي عانينا منها في العشرينيات الماضية. ونحن نرى أن هناك ضرورة هامة لتقاسم الثروة بين أبناء الشعب الواحد وإلى وضع حد لمركزية لطالما عانينا منها، لا في شرق ليبيا فحسب، لكن أيضا في جنوب ليبيا ومناطق أخرى في غرب ليبيا.

دور مصر

مصر محطة مهمة لإجراء محادثات حول ليبيا، ومن هنا كانت زيارة وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان إلى القاهرة أخيرًا، عشية الزيارة الرسمية التي قام بها فايز السراج إلى باريس. هل يسعى المشير حفتر إلى تكرار تجربة السيسي في ليبيا؟

إنها علاقة مصير مشترك بين ليبيا ومصر، ولا يمكن أن نستبعد دور مصر. وأعتقد أن هذا يعبتر مكسبًا لنا كليبيين، أن تكون دولة جارة بهذا العمق الحضاري والتاريخي إلى جانب ليبيا لإعادة استقرارها.

شهدنا في الفترة الأخيرة تقاربًا بين المشير خليفة حفتر وروسيا.

روسيا تسعى إلى وحدة الصف الليبي، وإلى وضع حد لحالة التشرذم ورفض أي تدخل خارجي. لكننا كليبيين وبحكم وضعنا نحتاج إلى استشارات عسكرية نتمتع فيها بشرق ليبيا وغربها من دول كان لها باع في تغيير الأوضاع ودعم الإنتفاضة التي حدثت في 17 فبراير 2011.

ماذا عن سيف الإسلام القذافي ووضعه في الزنتان؟

ما زال سيف الإسلام القذافي قيد الإعتقال، لكن ربما في ظروف اعتقال جيدة. نعبر عن امتناننا لظروف الإعتقال هذه وينبغي أن تكون له ظروف إعتقال جيدة، وهو ما لا يتمتع به مسؤولون من النظام السابق موجودون في سجن الهضبة بطرابلس.

مرت خمس سنوات على ثورة فبراير، وليبيا غارقة في أزمتين سياسية وأمنية، وهو ما أعاد البلاد عقودًا إلى الوراء، إن عدنا بالزمان إلى الوراء.. ما كان الأفضل لليبيا اليوم؟

في البداية، الطموح في بناء دولة القانون ودولة الحرية والمؤسسات قائم. صحيح أن ما تم بعد 17 فبراير أدى إلى هذه الفوضى العارمة التي نشهدها، وهذه الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لكن لا بد من تغيير المسار وتصحيحه، بحيث نتمكن من وضع أسس دولة المؤسسات بداية من الفترة الإنتقالية التي لم تنتهِ بعد، والتي نتمنى أن تنتهي عند وضع الدستور وطرحه على الشعب الليبي لإقراره، لكن ليبيا لا تختلف في ذلك عن تونس ومصر من ناحية تعطشها لإنهاء حكم الفرد الواحد والحزب الواحد، أي الوضع الذي ساد في ليبيا 42 عامًا.