الرباط: على بعد يوم من اقتراع 7 أكتوبر بالمغرب، تحولت شوارع أحياء ومدن البلاد إلى فضاءات مكسوة بأوراق الدعاية الانتخابية للوائح مرشحي الأحزاب السياسية المتنافسين على مقاعد البرلمان، في مشاهد تثير الكثير من التساؤلات حول مكانة البيئة في أجندة الأحزاب، التي يعمد مناضلوها والمشاركون في حملاتها إلى تشتيت الأوراق بشكل عشوائي يصيب في مقتل كل الحديث الذي تروجه عن الحفاظ على البيئة ونظافة الفضاء العام.

وتثير هذه المشاهد المتكررة في شوارع البلاد مع كل استحقاق انتخابي، موجة من الردود الناقمة على النخب السياسية التي تفشل كل مرة في احترام البيئة ونظافة الفضاء العام، حيث يرى البعض أن هذه السلوكات تساهم في عزوف الشباب عن السياسة ومقاطعة شرائح واسعة للانتخابات، كما أن الأمر يثير حفيظة الفاعلين والهيئات المدافعة عن البيئة في البلاد.

تدبير "لاأخلاقي" للدعاية
&
يرى رشيد فاسح، رئيس جمعية "بييزاج للدفاع عن البيئة"، أن مظاهر ما سماه "التدبير اللاأخلاقي" للدعاية الانتخابية للمرشحين، بدت متعددة منذ بداية الحملة الانتخابية، مؤكدًا أن توزيع الأوراق الدعائية للمرشحين ولبرامج الأحزاب ورموزها، بطرق "عشوائية يتزايد مع قرب يوم الاستحقاق، وتغرق الشوارع بعشرات الآلاف من النفايات الورقية والملصقات الدعائية والضجيج المصاحب لها"، مسجلاً أن هذه الممارسات &تتناقض مع قيم "الالتزام والهدوء والمسؤولية"، التي قال إن الأحزاب ومرشحيها ينبغي أن يمثلوها.

وسجل رئيس الهيئة المدنية المهتمة بالدفاع عن البيئة بالمغرب في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن المشهد وإن أصبح مألوفًا يُخلف استياء لدى عموم المواطنين، الذين تضايقهم النفايات والأوراق أينما حلوا وارتحلوا، موضحًا أنه مع تضمن البرامج الانتخابية للمرشحين التزامات بالحفاظ على البيئة، يساهم "نفس الأشخاص بشكل كبير في تلويث البيئة، بما يخلف شكوكًا لدى المواطنين حول مسألة الوفاء بالالتزامات والوعود التي يقدمونها&في برامجهم الانتخابية".

وطالب فاسح، الأحزاب السياسية بضرورة استحضار البعد البيئي في حملاتها الانتخابية، والقيام بحملة نظيفة شكلاً ومضمونًا، كما دعاها للارتقاء بالبعد البيئي بما يكرس "تربية بيئية وسياسية وديمقراطية متعددة الأبعاد والأهداف"، وأردف قائلاً "أدعو إلى التفكير الجدي بأشكال التواصل المسؤولة والخلاقة والخضراء".

كما نبّه الفاعل الجمعوي إلى ضرورة "مراعاة وضعية عمال النظافة، والذين يشتغلون من أجل حماية البيئة الحضرية".

إساءة للوطن

من جهته، اعتبر نبارك أمراو، رئيس جمعية إعلاميي البيئة بالمغرب، أن الخروقات البيئية التي تعرفها الحملات الانتخابية لأغلبية الأحزاب وطريقة تدبيرها لعملية ترويج شعاراتها وملصقات مرشحيها فيها "إساءة للبلاد وليس للأحزاب فقط"، كما أوضح بأن هذه الطرق التي وصفها بـ"العشوائية" في التدبير "تظهر تدني مستوى الوعي سواء لدى من يقودون هذه الحملات وكذلك الفئات التي أضحت بعض الأحزاب توظفها نظرًا لتراجعها أو قلة عدد مناضليها والمتعاطفين معها".

وسجل أمراو في تصريح لـ"إيلاف المغرب"، أن بعض الفئات من النساء والشباب يقودون حملات "لا علاقة لها بشرح برامج الأحزاب، وإنما هي عمليات إشهارية (إعلانية) لا تتجاوز التخلص في الشوارع من الملصقات الانتخابية وتحويل الأزقة والشوارع إلى ما يشبه مطارح النفايات"، وفق تعبيره.

وأبرزَ الإعلامي الفائز بجائزة الحسن الثاني للبيئة في دورتها الأخيرة، أن تضمين الأحزاب السياسية في برامجها لموضوع البيئة والتغيّرات المناخية والتنمية المستدامة لا يعدو أن يكون سوى استغلال لهذه المواضيع في الحملات الانتخابية"، وأضاف خصوصًا أن الأحزاب التي "تدعي الدفاع عن البيئة لا تستطيع القيام بحملات انتخابية نظيفة، علمًا أن حجم الورق المستعمل في الحملات الانتخابية يعادل هكتارات من الأشجار والمساحات الغابوية".

الحلقة الأضعف

أمام فوضى الأوراق العارمة التي تجتاح شوارع المدن، تقع مسؤولية إزاحتها وتنظيفها على عمال النظافة، الذين يمثلون الحلقة الأضعف في المعادلة، حيث يضطر هؤلاء إلى جانب مهامهم اليومية إلى التعامل مع آلاف الأوراق المشتتة في الأزقة والشوارع عبر جمعها، قبل أن يجدها على نفس الحالة أو أسوأ في اليوم الموالي قبل أن تنتهي الحملة، التي يتمنى عمال النظافة ألا تتكرر.

وأعلن أمراو، عن تضامنه مع عمال النظافة، الذين اعتبرهم الفئة الأكثر تضررًا من التلوث الذي تخلفه الحملات الانتخابية بالأزقة والشوارع، مستنكرًا في الآن ذاته، أن يتحمل هؤلاء العمال مسؤولية جمع الكميات الكبيرة من النفايات الورقية بشكل يومي دون أن يحظوا بأي "امتياز يذكر، مقابل هذا العمل الشاق".

وتطرح الكثير من التساؤلات حول استمرار الأحزاب السياسية المغربية في الاعتماد على الوسائل التقليدية في الدعاية الانتخابية، رغم تكلفتها الغالية والمتاعب التي تخلقها لعدد من الفئات من السكان والعمال، الذين يفترض أن تحرص هذه الأحزاب على نظافة أحيائهم وضمان شروط عيشهم الكريم، لكنها للأسف، تحول عمل البعض إلى شقاء لا يطاق، حتى لو كان ينظم مرة في كل خمس سنوات.