منحت جائزة نوبل للسلام للعام 2016 الجمعة إلى الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس تكريمًا لجهوده في إنهاء خمسة عقود من الحرب في بلاده رغم النكسة التي أحدثها رفض الكولومبيين اتفاق السلام التاريخي الذي وقعه مع القوات المسلحة الثورية (فارك).

أوسلو: قالت رئيسة لجنة نوبل كاسي كولمان فايف خلال مراسم الاعلان عن الجائزة في اوسلو ان "لجنة نوبل النروجية قررت منح جائزة نوبل السلام للعام 2016 للرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس تكريمًا لجهوده الحثيثة في انهاء اكثر من 50 عاما من الحرب الاهلية في بلاده".

واشارت رئيسة اللجنة الى "خطر فعلي في توقف عملية السلام واندلاع الحرب الاهلية مجددا. وهذا يعطي اهمية اكبر لمواصلة الاطراف برئاسة الرئيس سانتوس وزعيم فارك رودريغو لوندونو احترام وقف اطلاق النار".

أضافت "نأمل في أن يشجع هذا الامر كل المبادرات الجيدة وكل الاطراف القادرة على لعب دور حاسم في عملية السلام وان يحمل اخيرا السلام الى كولومبيا بعد عقود من الحرب".

وكان الرئيس الكولومبي وقع في 26 سبتمبر مع قائد "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" رودريغو لوندونو المعروف باسمي "تيموليون خيمينيز" و"تيموشنكو"، اتفاق سلام تاريخيا لانهاء النزاع المستمر منذ اكثر من نصف قرن في البلاد.

لكن الناخبين الكولومبيين رفضوا في استفتاء نظم الاحد الماضي اتفاق السلام، وطالبوا بشكل خاص بعدم مشاركة عناصر المتمردين، الذين يلقون السلاح في الحياة السياسية، وان يودعوا في السجون بدلا من الاستفادة من عقوبات بديلة، ما شكل صدمة كبرى. وأرغم فشل الاستفتاء بوغوتا والمتمردين على استئناف محادثاتهما مجددا.&

وكانت كل توقعات الخبراء في جائزة نوبل ترجح فوز أطراف النزاع الكولومبي بالجائزة منذ البداية، لكن رفض اتفاق السلام في الاستفتاء دفعهم الى اعادة النظر في ذلك. واعتبرت رئيسة اللجنة ان رفض غالبية ضيقة من الناخبين الكولومبيين الاتفاق في استفتاء الاحد "لا يعني بالضرورة ان عملية السلام انتهت".

لا جائزة لفارك
وبموجب التقليد الذي تتبعه، لم تشأ لجنة نوبل توضيح اسباب عدم منح الجائزة مناصفة بين الرئيس الكولومبي وفارك. واعلن الرئيس سانتوس الاربعاء بعد لقائه معارضي الاتفاق وبينهم الرئيس السابق الفارو اوريبي، ان السلام "قريب" وستبلغه كولومبيا.

وعبّر قائد "فارك" من جهته عن آمال مماثلة بعد فشل الاستفتاء، قائلا "هذا لا يعني أننا خسرنا المعركة من اجل السلام". ونص الاتفاق على نزع اسلحة 5765 من متمردي "فارك" وتحويل هذه الحركة الى مجموعة سياسية تتولى مقاعد في الكونغرس الكولومبي. كما نص على تعويضات للضحايا واجراء محاكمات ووقف انتاج المخدرات الذي كان يؤجج النزاع.

على مر العقود، اوقع النزاع اكثر من 260 الف قتيل و45 الف مفقود و6,9 ملايين نازح. وتتألف جائزة نوبل من دبلوم وميدالية ذهبية وشيك بقيمة ثمانية ملايين كورون سويدي (حوالى 830 الف يورو). وستسلم في 10 ديسمبر في اوسلو في ذكرى رحيل مؤسس جوائز نوبل العالم السويدي الفرد نوبل.

وتراوح المرشحون لنيل الجائزة&من متطوعي الدفاع المدني في سوريا إلى مهندسي الاتفاق حول الملف النووي الإيراني مرورًا بطبيب كونغولي يعتني بنساء ضحايا جرائم اغتصاب.&

وبدا الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس وزعيم حركة "القوات المسلحة الثورية" الماركسية (فارك) رودريغو لوندونيو الملقب بـ "تيموشنكو"، الأفضل حظًا لنيل الجائزة، بعدما اتفقا في نهاية سبتمبر على طي صفحة الحرب، قبل أن يرفض الشعب، بغالبية ضيقة، اتفاق السلام في استفتاء الاحد.&وأدى هذا التصويت غير المتوقع الى تضاؤل فرص طرفي النزاع الكولومبي بالحصول على جائزة نوبل من دون أن يتم استبعادهما نهائيًا، ما ترك الاحتمالات مشرعة على مصراعيها.&

وتوقع اسم الفائز اقرب الى التكهن هذه السنة، نظرًا الى وجود عدد قياسي بلغ 376 مرشحاً ومنظمة متنافسة، وما يزيد من هامش المفاجأة الإبقاء على سرية هوية المرشحين، إلا عندما يقرر داعموهم الكشف عن أسمائهم. &

واعتبر بيتر فلنشتين الاستاذ في جامعة اوبسالا السويدية في وقت سابق&أن جائزة نوبل قد تمنح إلى عرابي الاتفاق النووي الموقع في يوليو 2015، الذي ينص على رفع العقوبات الدولية عن ايران في مقابل تحديد اطار صارم لانشطتها النووية.

في هذا السياق، طرحت أسماء الشخصيات السياسية الرئيسة التي دفعت باتجاه هذه التسوية، أي وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والايراني جواد ظريف ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني (أو كاثرين أشتون التي سبقتها في هذا المنصب). وقد تختار اللجنة تكريم الشخصيتين اللتين قادتا المفاوضات، أي الاميركي ارنست مونيز والايراني علي اكبر صالحي.&

الخوذ البيضاء في السباق
في مجال آخر، كانت سرت تكهنات بأن يتم&تكريم الخوذ البيضاء السورية، وهي فرق الدفاع المدني التابعة للفصائل المعارضة، نظرًا الى جهودهم التي تنقذ أرواحًا في سوريا، في وقت يشن نظام الرئيس بشار الاسد مدعومًا من حليفته روسيا هجومًا داميًا يستهدف الاحياء الشرقية من حلب الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة.&

واعتبرت صحيفة "غارديان" البريطانية، في احدى افتتاحياتها هذا الاسبوع، أن "ما تقوم به الخوذ البيضاء قد يبدو كأنه نقطة ماء في محيط، غير أن ما يمثلونه أمر هائل، هو الصمود والشجاعة في مواجهة الهمجية"، حاضة على منحهم جائزة نوبل للسلام.&

وتم مجددًا ترشيح الطبيب الكونغولي دنيس موكويغي الذي يقدم المساعدة الى عدد كبير من النساء، اللواتي يتعرضن للاغتصاب في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية. كما تم ترشيح ناديا مراد الشابة الايزيدية العراقية التي عانت كابوساً لثلاثة اشهر من العبودية الجنسية لدى تنظيم الدولة الاسلامية، وأصبحت سفيرة للامم المتحدة لكرامة ضحايا الاتجار بالبشر.

وفي حين بلغ اتفاق باريس للمناخ مرحلة التصديق عليه قبل دخوله حيز التنفيذ، قد تكرم لجنة نوبل صانعي هذا الاتفاق، بمن فيهم لوران فابيوس الرئيس السابق لمؤتمر باريس للمناخ، والكوستاريكية كريستيانا فيغيريس المفاوضة السابقة للامم المتحدة حول المناخ.

عشية الإعلان عن جائزة نوبل، اظهر موقعان إلكترونيان للمراهنات تأييدًا لسكان الجزر اليونانية، الذين يقدمون المساعدة الى المهاجرين. ومن بين المرشحين الآخرين الناشطة في مجال حقوق الإنسان الروسية سفيتلانا غانوشكينا، والمستشار السابق لوكالة الأمن القومي إدوارد سنودن الذي كشف عن نطاق برامج التنصت الأميركية على الاتصالات، فضلًا عن البابا فرنسيس.

وفي دليل على&مدى صعوبة توقع الفائز، منحت الجائزة عام 2015 الى الرباعية التونسية للحوار الوطني، التي كانت غير معروفة لدى كثيرين.

المراحل الخمس الأساسية في تاريخ فارك
في ما يلي المراحل الخمس الاساسية التي مرت بها حركة التمرد الماركسية "القوات المسلحة الثورية" (فارك) وعملية السلام التي ادت الى منح الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس الجمعة جائزة نوبل للسلام للعام 2016:

- 1964: التأسيس

يعتبر السابع والعشرون من مايو 1964 تاريخ ولادة "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" لانه اليوم الذي شهد اول معركة لمجموعة من الفلاحين بقيادة بيدرو انطونيو مارين، الذي عرف باسمه الحركي مانويل مارولاندا فيليز او "تيروفيخو"، بعد هجوم للجيش على ماركيتاليا، البلدة الواقعة في وسط كولومبيا، التي كانت تعتبرها حكومة الرئيس حينذاك غييرمو ليون فالنسيا "جمهورية مستقلة" تميل الى الشيوعية.

- 1984 و1991 و1999: ثلاث عمليات سلام وثلاثة اخفاقات

اول محاولة حوار للسلام بين الحكومة و"فارك" بدأت في 28 مارس 1984 برئاسة بيليساريو بيتانكور من اجل هدنة ثنائية. هذه المفاوضات اخفقت في 1987 مثل الجولات التي تلت في 1991 في عهد سيزار غافيريا و1999 في عهد اندريس باسترانا. وهذه العملية الاخيرة استمرت حتى 2002 وتعرف باسم "حوارات كاغان" المنطقة المنزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 42 الف كيلومتر مربع في جنوب البلاد حيث تجمع المقاتلون خلال المحادثات.

- تسعينات القرن العشرين: تصعيد من قبل المتمردين

تحمل تسعينات القرن الماضي ذكرى استراتيجية "فارك" التي شملت عمليات خطف مدنيين للحصول على فديات وهجمات على القرى وعلى قواعد عسكرية ومراكز للشرطة. ومن اشهر هذه العمليات السيطرة على بلدة ميتو في الامازون في 1998، التي اسفرت عن سقوط 37 قتيلا واحتجاز 61 شرطيا، وكذلك مجزرة بوخايا في 2002 التي قتل فيها 79 شخصا.

لكن القضية التي كان لها اكبر اثر مدو في الخارج كانت على الارجح خطف المرشحة السابقة للرئاسة انغريد بيتانكور في 2002. وخطف الفرنسية الكولومبية شكل رمزا لمأساة الكولومبين المحتجزين لدى المتمردين بعضهم لعشر سنوات.

- الالفية الجديدة: خطة "كولومبيا لمكافحة المخدرات" وهجوم الدولة.

اطلقت الولايات المتحدة وحكومة اندريس باسترانا في العام 2000 "خطة كولومبيا لمكافحة تهريب المخدرات" التي وسعت بعد ذلك لتشمل المتمردين. بذلك بدأ عقد من هجوم شرس على "فارك" في عهد الرئيس الفارو اوريبي (2002-2010) الذي اقسم على دحر المتمردين عسكريا.

في 2008 &وبعد موت "تيروفيخو" لاسباب طبيعية كما يبدو، قتل الجيش لويس ادغار ديفيا الملقب راول رييس المسؤول الدولي لفارك في عملية جرت في الاكوادور بالقرب من الحدود.

تواصل ضرب حركة التمرد في عهد الرئيس خوان مانويل سانتوس: ففي 2010 قتل خورغي بريسينيو الملقب "مونو خوخوي" في قصف، ثم في 2011 سقط غييرمو سينز الملقب الفونسو كانو خليفة "تيروفيخو".

- 2016: رفض اتفاق السلام في الاستفتاء

في 18 اكتوبر 2012 وبمبادرة من دوس سانتوس وزعيم "فارك" الجديد رودريغو لوندونيو الملقب تيموليون خيمينز "تيموشينكو"، بدأت في اوسلو عملية سلام جديدة. ودشنت رسميا في نوفمبر في هافانا بحضور كوبا والنروج كدولتين ضامنتين، وتشيلي وفنزويلي كدولتين مواكبتين للمفاوضات.

بعد اربع سنوات وفي 26 سبتمبر 2016، وقعت الحكومة الكولومبية مع متمردي فارك اتفاق سلام تاريخيا. وعرض على استفتاء في 2 اكتوبر، لكن غالبية من الناخبين رفضته، ما اثار مفاجاة كبيرة.

الفائزون بالجائزة في السنوات العشر الاخيرة
وهذه لائحة باسماء الفائزين بجائزة نوبل للسلام في السنوات العشر الاخيرة:&

- 2016: الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس تكريما لجهوده في اجل السلام مع حركة "القوات المسلحة الثورية" (فارك).

- 2015: رباعي الحوار التونسي الذي منح الجائزة تكريسًا لجهوده في انقاذ عملية الانتقال الديموقراطي في تونس عام 2013.&

- 2014: ملالا يوسفزاي (باكستان) مناصفة مع الهندي كايلاش ساتيارثي تتويجا لنضالهما من اجل وقف استغلال اطفال وشباب ولتامين حق التعليم لكل الاطفال.

- 2013: منظمة حظر الاسلحة الكيميائية بسبب جهودها الهادفة الى التخلص من اسلحة الدمار الشامل.

&- 2012: الاتحاد الاوروبي بسبب مساهمته في تحقيق السلام في قارة شهدت حربين عالميتين.

- 2011: ايلين جونسون سيرليف وليما غبوي (ليبيريا) وتوكل كرمان (اليمن) تتويجا لنضالهن السلمي من اجل تامين سلامة النساء وحقهن في المشاركة في عملية السلام.

- 2010: &ليو تشياوباو (الصين) المنشق الذي سجن بسبب "جهوده الدائمة والمسالمة في سبيل حقوق الانسان في الصين".

&- 2009: باراك اوباما (الولايات المتحدة) عن "جهوده الاستثنائية الهادفة لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب".

- 2008 : مارتي اهتيساري (فنلندا) عن وساطات السلام العديدة التي قام بها في مختلف انحاء العالم.

- 2007: آل غور (الولايات المتحدة) والهيئة الحكومية للتغييرات المناخية التابعة للامم المتحدة عن الجهود التي اتاحت زيادة الخبرات والمعرفة حول ظاهرة التغير المناخي.

- 2006: محمد يونس (بنغلادش) ومصرف غرامين لان "السلام الدائم لا يمكن ان يتحقق بدون ان يجد قسم كبير من الشعب الوسائل للخروج من الفقر".