دعت الأميرة هيا بنت الحسين إلى بذل المزيد من الجهود للقضاء على شبح الجوع في العالم.

دبي: اعتبرت الأميرة هيا بنت الحسين، رئيسة مجلس إدارة المدينة العالمية للخدمات الإنسانية، أن الجوع "أكبر مشكلات العالم التي يمكن حلها"، والتي لا تحتاج إلى قفزات نوعية في مجال التكنولوجيا الحيوية أو نجاحات باهرة في الهندسة الوراثية للتغلب عليها.

ونوهت الأميرة هيا، في مقالها بمناسبة يوم الغذاء العالمي، إلى إحصاءات تشير إلى أن ثلث الغذاء الذي ينتجه العالم سنوياً يذهب سُدى، أو ينتهي مصيره إلى صناديق القمامة، في الوقت الذي لا يعي فيه كثيرون حول العالم أن الغذاء سلعة أقل ما يمكن أن تُوصف به أنها "ثمينة" لنحو 800 مليون شخص يعانون من الفقر والجوع في مناطق متفرقة من العالم.

وقالت: "ربما يجهل كثيرون أن&من بين كل تسعة أشخاص&يوجد شخص يعاني من أجل الحصول على وجبة واحدة تساعده على التشبّث بالحياة، وأن 800 مليون إنسان يبيتون كل يوم جوعى، وقد لا يلتفت كثيرٌ إلى معاناتهم اليومية". معربة عن الأسى لتحمل الأطفال هذه التبعات، واشارت إلى أن هناك 5 ملايين طفل يلقون حتفهم سنويًا بسبب المرض، غالبيتهم بسبب سوء التغذية.

مزيد من الجهد

أضافت: "بل إن ما يضاعف من مرارة هذا الواقع الصادم أن العالم ينتج من الغذاء ما يفوق ما يمكن أن يُطعِم كل البشر مجتمعين، بل يكفي أن نعرف أن حجم الفاقد من الغذاء كل عام يزيد على نصف إنتاجه سنوياً من محاصيل الحبوب".

تابعت: "وعلى الرغم من ذلك، يُوصف الجوع بأنه أكبر مشكلات العالم التي يمكن حلها"، موضحة أن ذلك الوصف قد يكون دقيقاً إلى حدٍ بعيد؛ مؤكدة أننا لا نحتاج إلى قفزات نوعية في مجال التكنولوجيا الحيوية أو نجاحات باهرة في الهندسة الوراثية للتغلب على مشكلة الجوع، بل إن جلَّ ما نحتاجه هو فقط بذل مزيد من الجهد. وخلصت إلى القول بأن القضاء على شبح الجوع يتطلب أن نتعاطى مع المشكلة من منظور آخر بتعاطفنا مع ضحاياه وبذل قصارى جهدنا لتخليصهم من تلك المعاناة.

وتحدثت عن أنها عملت عن قرب مع كثير من ذوي القلوب الكبيرة من مسؤولي إغاثة إلى فاعلي الخير والمتبرعين، ورواد العمل الاجتماعي، والأطباء وأطقم التمريض، وأصحاب حملات التبرعات، ورموز عديدة بارزة في مجال العمل الإنساني، ووجدت بينهم أبطالاً حقيقيين يستحقون كل الإشادة والعرفان.

ولفتت إلى العام 2014، وفي أعقاب القصف الإسرائيلي الغاشم لقطاع غزة وما خلَّفه من دمار وخراب، حيث كان أهل القطاع في أشد الحاجة إلى يد المساعدة، مشيرة إلى أن الشيخ محمد بن راشد، كان في هذا الوقت أول من بادر بالتوجيه بإرسال مساعدات عاجلة لنجدة أهل القطاع.

وتحدثت الأميرة في المقال عن "المدينة العالمية للخدمات الإنسانية"، التي قالت إنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون وليدة أفكار الشيخ محمد بن راشد، وهي الفكرة التي تحولت الآن بفضل دعمه ورعايته وتشجيعه المستمر إلى أكبر مركز عالمي للمساعدات الإنسانية، لتقوم المدينة على مدار سنوات بأدوار رئيسة في الاستجابة العاجلة وتقديم العون للمناطق المنكوبة جرّاء الكوارث الطبيعية أو تلك من صنع الإنسان.

وذكرت من ذلك، على سبيل المثال، مناطق في باكستان، ونيبال، وهايتي، واليونان، والسودان، وغيرها، ليقدّم بذلك نموذجاً نادراً للقائد الذي يولي عنايةً واهتماماً بالغين لدعم جهود الإغاثة الدولية وإعانة الناس في مختلف بقاع الأرض في أوقات الشدائد والملمات.

معالجة الجذور

وشددت على أن ذلك العطاء امتداد لنهج أرسى أسسه الآباء المؤسسون، وقيم نبيلة غرسها رعيل الأوائل في نفوس أبناء الإمارات، مشيرة في هذا الصدد إلى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، "الذي يعد رمزاً شامخاً من رموز العمل الإنساني وكانت له أيادٍ بيضاء عديدة وإسهامات خيرية في مناطق شتى من العالم، مانحاً بذلك دولة الإمارات مكانة رفيعة في مقدمة الدول الراعية للعمل الخيري على الصعيد العالمي."

وأوضحت أن فلسفة الشيخ محمد بن راشد في العطاء تتخطى مجرَّد توفير المأكل والمأوى، ولكنها تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فقد أدرك أن الفقر ما هو إلا عَرَض لداء أكبر وأخطر يكمن في تراجع معدلات التنمية بما لذلك من انعكاسات سلبية جسيمة على فرص التعليم، والتمكين الاجتماعي، والأمن، والأهم من ذلك مفهوم القيادة والحوكمة الرشيدة. وتابعت: "لذا جاءت مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية عند تشكيلها العام الماضي بآمال عريضة للمساهمة في معالجة المحصِّلة النهائية لتلك المشكلات وهي الفقر والحرمان".

وتحدثت بالتفصيل عن المؤسسة بما تشمله تحت لوائها من مبادرات مهمة، تهدف إلى توفير فرص التعليم لنحو 20 مليون طفل واستثمار ما يناهز ملياري درهم في تأسيس مراكز للأبحاث الطبية والمستشفيات في المنطقة، إضافة إلى ضخ 500 مليون درهم في جهد يرمي إلى التوصُّل لحلول جذرية لمشكلة شُح المياه الصالحة للشرب.

ونوهت إلى أن من أهداف هذه المبادرات تدريب الكوادر الشابة لتخريج جيل ذي كفاءة وقادر على إعمال قواعد الحوكمة الرشيدة في مجتمعه، وتأسيس حاضنات يمكن للشباب المبدع والعلماء والباحثين العمل من خلالها للتوصل إلى حلول ناجعة ومتميزة للمشكلات التي تعترض طريق التنمية في المجتمعات.

وقالت إن الطموحات والآمال التي تعمل المؤسسة على إحرازها عظيمة وكبيرة، وهكذا دائماً الأمر مع كل المبادرات التي تحمل توقيع الشيخ محمد بن راشد والتي تتميز جميعها برجاحة الفكر وسداد الرؤية ورفعة القيمة ونبل المقصد.

بسمة الأمل

ونوّهت إلى أن المؤسسة تبني على الإنجازات التي قادها بن راشد في مجال العمل الإنساني، والتي شملت حتى الآن توفير الطعام والماء الصالح للشرب والتعليم والرعاية الصحية ومتطلبات الحياة الأساسية لمجتمعات أقل حظاً في مختلف أنحاء العالم؛ وشمل ذلك علاج نحو 23 مليون مريض لتجنيبهم الإصابة بالعمى، وتقديم العون لنحو مليون ونصف المليون أسرة في 40 دولة، كذلك توفير المياه الصالحة للشرب إلى حوالي 6.5 ملايين شخص.

وقالت: "أسهم الشيخ محمد بن راشد بدور رئيس في ترسيخ مكانة دولة الإمارات في صدارة الدول المانحة للمساعدات التنموية بأكثر من 1.3% من إجمالي ناتجها المحلي قامت بضخها في قنوات العمل الإنساني والمساعدات الخارجية لأكثر من 100 دولة حول العالم، بإجمالي يفوق خمسة مليارات درهم من بلد لا يتعدى تعداد سكانه الثمانية ملايين شخص".

وخلصت الأميرة في مقالها إلى أنه ومع إحياء العالم لمناسبة "يوم الغذاء العالمي"، ربما يكون الوقت قد حان كي نمنح جانباً من اهتمامنا لهؤلاء الجوعى الذين يقارب عددهم المليار شخص، ونفكر في معاناتهم اليومية مع المرض والعطش والجوع، ونمعن النظر في السبل التي يمكننا بها رفع المعاناة عن كاهلهم كي نبدّل عبوس الألم ببسمة أمل ونعيد إليهم من جديد الرغبة في الحياة.

واختتمت بالقول: "إن من يعيش على أرض الإمارات لا يحتاج للنظر بعيداً كي يجد مصدر الإلهام الذي يعينه على تحديد الطريقة التي يمكن أن يشارك بها في صنع عالمٍ جديدٍ يتبدد فيه الخوف من شبح الجوع".