محمد الحمامصي: أكدت قرينة حاكم الشارقة، الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسسة "القلب الكبير"، رئيسة مؤسسة "نماء" للارتقاء بالمرأة، أن الاستثمار في المستقبل هو استثمار في الإنسان، والاهتمام بكفاءته، وقيمه، وثقافته، وانتمائه للمجموع، ومشاركتهم المبادىء التي تؤسس لعمل الخير، مشيرة إلى أن هذا المفهوم يتسع ليشمل أيضاً رفع المعاناة عن البشر، وتمكينهم، وتحفيز طاقاتهم على الإبداع في العلوم، والمعارف، والفنون، والعمل الاقتصادي والاجتماعي.

وقالت تعليقاً على استضافة إمارة الشارقة للنسخة الثانية لمؤتمر "الاستثمار في المستقبل" يومي الأربعاء والخميس المقبلين 19-20 أكتوبر 2016، إن السنوات العشر الأخيرة بما حملتها من متغيّرات جذرية على صعيد الاقتصاد والاستقرار الدولي والإقليمي، شكلت محطة للتأمل في كيفية الخروج من تداعياتها، وتحديد الأدوات التي يجب استخدامها لإرساء دعائم مستقبل يتلائم مع طموحات وتطلعات الشعوب، ومن هنا بدأ التفكير على مستوى عالمي بالاستثمار بالمستقبل استناداً للتجربة الممتدة التي أفرزت الأزمة المالية، والصراعات الإقليمية، والمزيد من القلق والخوف على مستقبل الأجيال المقبلة، وفي مقدمتهم الفتيات والسيدات.

وأضافت القاسمي: "أدركت دولة الإمارات مبكراً أنه لا يمكن تحقيق التنمية بدون الاستثمار في العنصر البشري، من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار، فتمكين الموارد البشرية، من فتيات وشباب وأطفال، من خلال تعزيز قيم المواطنة والانتماء، وأيضاً حقوق المساواة والتوازن بين الجنسين وحماية ذلك بمنظومة قانونية وتشريعة متطورة تستجيب لمتطلبات التطور والانتقال نحو المستقبل بتكاتف أيدي الرجل والمرأة، هو المدخل لبناء مستقبل تغلب فيه الشراكة على التقسيم، والانسجام على التفكك، والتعاون على الصراع. وكفاءة هذه الموارد هي انعكاس لمدى تطور نظام التعليم وآلياته، ومدى تطور ثقافة المجتمع ونظرته تجاه المرأة".

وأشارت إلى أن الاستثمار في المستقبل، يعني تأسيس كافة الطاقات البشرية بشكل سليم، وتحفيزها على الإبداع وأداء دورها في ترسيخ قيم التنمية المستدامة، وهو ما يتحقق من خلال العمل المشترك مع شركائنا الإقليميين والدوليين لإنهاء حالات الصراع والتفكك الاجتماعي التي سادت دول المنطقة منذ سنوات، ومحاولة تخفيف نتائجها السلبية على النساء والأطفال الذين يشكلون إحدى أهم محركات التنمية والاستثمار في المستقبل. 

وحول دلالات استضافة الشارقة لهذا المؤتمر الدولي المهم، أعربت الشيخة جواهر القاسمي عن ثقتها بأن الشارقة تمتلك تجربة غنية في العمل الإنساني الإقليمي والدولي، في ظل رؤية الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي تركز على الاهتمام بالإنسان والمقومات الحضارية التي جعلت الفرد محور التنمية وأداتها وغايتها، ولذلك فإن المؤتمر يأتي متوافقاً مع مشروع الشارقة الإنساني، والتزامها بالاهتمام بالشعوب التي تعاني ظروفاً استثنائية، والحرص على تحسين حياتهم، ومنحهم الأمل بمستقبل أفضل لهم، وللأجيال القادمة بعدهم. 

وأكدت أن حجم المشاركة الرسمية الكبير في المؤتمر من قبل شخصيات إقليمية ودولية رفيعة المستوى، يؤكد أن الوعي العام بأهمية التأسيس لمستقبل أكثر أمناً واستقراراً أصبح أكثر نضجاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً أن الاستثمار في المستقبل شعار يجمع حوله جميع الأمم، لأن كافة شعوب الأرض تريد مستقبلاً يتسم بالتنمية والاستدامة والعدل، ومجتمعاً يخلو من التمييز والتهميش لأي فئة أو نوع اجتماعي. كما أن هذه المشاركة الواسعة، مؤشر لما حققته دولة الإمارات من منجزات اقتصادية واجتماعية نوعية، ودليل على الثقة الدولية بالنموذج الإماراتي في الاهتمام بالفرد، باعتباره محور التنمية وغايتها وبالموارد البشرية وتمكينها من الشراكة في بناء مستقبل واعد.

وفيما يتعلّق بمحاور المؤتمر، قالت قرينة حاكم الشارقة إن التركيز على قضايا التعليم، والتوظيف، والتمكين، وبناء السلام كمحاور رئيسية للمؤتمر، جاء إيماناً بأن هذه الموضوعات مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن التعامل معها بشكل جزئي، فالمساواة في التعليم والتوظيف والتمكين هي مقدمات بناء السلم الأهلي والاجتماعي، وعوامل رقي الثقافة والهوية الوطنية التي تؤمن بالاختلاف مع الآخر وبحقه في ممارسة ثقافته ومعتقداته على قاعدة الاحترام المتبادل، سواءً كان هذا الاختلاف في إطار النوع الاجتماعي بين الرجل والمرأة أو في إطار الاختلاف القومي والعرقي والديني بين الشعوب.

وأضافت: "الجهل آفة اجتماعية، تُفقد صاحبها وسائل القياس والتقييم وأسس التعامل مع الآخر. والبطالة تسبب اليأس وتغذي العداء تجاه الآخر وتؤثر في وحدة المجتمعات وانسجامها. أما السلام فهو ثمرة العلم والاستقرار الاجتماعي، لهذا تم اختيار هذه المحاور للمؤتمر، لتدور جميعها حول شعار المؤتمر "بناء قدرات النساء والفتيات في الشرق الأوسط". والقضية الأساس في هذه المحاور هي البحث عن سبل المساواة في فرص التعليم من خلال بناء نظام تعليمي يتناسب مع الإمكانيات المالية لكافة الفئات الاجتماعية، ونظام اقتصادي يستوعب الخريجين والكفاءات على قاعدة مقياس واحد وهو الكفاءة والمهارة وليس على قاعدة النوع الاجتماعي". 

ولفتت الشيخة جواهر القاسمي إلى أن الإناث يتفوقن على الذكور من حيث التعليم في العالم العربي، وهو ما تؤكده البيانات الواردة في كافة الدراسات، لكن نسبة توظيف النساء متدنية جداً، نظراً لطبيعة العمل في البلدان التي تعاني معدلات نمو منخفضة، حيث تسود فيها أسواق العمل الجسدي المرهق الذي لا يتناسب مع طبيعة المرأة، وهناك سبب آخر يتمثل في غياب القوانين الخاصة بمراحل الحمل والولادة للمرأة العاملة، وهذه مشكلة تعاني منها المرأة في الدول المتقدمة أو النامية على حد سواء، بالإضافة إلى التفاوت الحاد في الأجور بين الرجل والمرأة.

وأشارت إلى أن المرأة هي المتضرر الأكبر من تراجع مستوى الفكر النيّر والإنساني الذي تجاوز في نظرته تقسيم المجتمع إلى أنواع وفئات متباينة في مكانتها وحقوقها، خصوصاً في ظل الحروب والاضطرابات التي تسود أكثر من بلد عربي، وهو ما يضع المرأة أمام مسؤوليتها في كشف حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمكانتها ودورها الاجتماعي إذا سيطرت الأفكار السلبية على المجتمع، خصوصاً أن هذه الأوضاع المضطربة دمرت البنية التحتية للاقتصاد، وأعاقت النمو في العديد من البلدان، ما زاد من حجم البطالة وقلّص فرص التعليم والحصول على الخدمات الأساسية الضرورية للنساء بوجه خاص. 

وقالت الشيخة جواهر القاسمي: "ميزة المجتمعات العربية أنها تتسم بعائلة متماسكة وممتدة، ونريد لمسيرة تمكين المرأة أن تعزز هذه السمة وأن لا تمسها أو تؤثر عليها سلباً، لذا فإن التمكين للفئات الاجتماعية الأقل حضوراً في المشهد التنموي هو مدخل لتمكين المرأة في المجتمع العربي، أي أن تمكين المرأة بمعزل عن تحقيق قيم العدالة الاجتماعية للفقراء وذوي الدخل المحدود عملية مستحيلة. فالمرأة والرجل اللذان ينتميان لفئة اجتماعية مهمشة وفقيرة يتشاركان ذات المعاناة. وهذا هو مدخل فهمنا لتمكين المرأة في العالم العربي، وهذا هو مدخل تفكيك النظرة التقليدية التي لازمت المرأة العربية". 

وأضافت "عندما نتحدث عن التمكين وبناء القدرات، فنحن نعني أن تتولى الدول مسؤولياتها في رسم سياسات مستقبلية تكون نتائجها تهيئة بيئة تشريعية وبنية اقتصادية ومنظومة تعليمية وثقافية تتناسب مع مستحقات التنمية والتطور التي تنشده تلك الدول. فالمنجزات التي ستتحقق من هذه السياسات تراكمية وتحتاج لوقت طويل، ولذلك لا يوجد تمكين بقرار فوري أو بين ليلة وضحاها. ويجب أن يشمل ذلك تطوير المناهج التعليمية، وتأسيس مراكز تدريب مهني وتقني للنساء، وأن تشمل أيضاً وبشكل أساسي النساء في الأرياف والمناطق النائية التي دوماً تعاني أكثر من غيرها من مركزية سياسات التنمية وتركيزها في المدن الرئيسية".

وختمت قرينة حاكم الشارقة بالتأكيد على أن مؤتمر "الاستثمار في المستقبل"، الذي تعقده مؤسسة "القلب الكبير"، المؤسسة الإنسانية العالمية المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم، التي تتخذ من إمارة الشارقة مقراً لها، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيسهم في تسليط الضوء على أهمية استكمال مسيرة التنمية بالعالم العربي كمقدمة لتوسيع مساحة العمل اللائق الذي يمكّن النساء من الشراكة في الوظائف، بالإضافة إلى مناقشته للإطار القانوني للوظائف فيما يتعلّق بالنساء وبحقهن في إجازات الحمل والولادة والمساواة في الأجور.