إيلاف من برلين: تعتبر منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض شلل الأطفال من أهم نجاحاتها الصحية في العقود الأخيرة، إذ انخفض عدد الإصابات به على المستوى العالمي من 350 ألفًا قبل نحو 20 سنة إلى 27 إصابة في عام 2016.

وسبق للمنظمة العالمية أن أعلنت بفرح نجاحها في القضاء على شلل الأطفال بنسبة 99 في المئة، وأعلنت برنامجها الطموح عن تقليل عدد الإصابات في العام 2017 إلى الصفر، لكنها تنظر الآن بقلق إلى عودة الإصابات في المناطق التي يسيطر عليها المتطرفون في بقاع العالم المبتلية، في نيجيريا وافغانستان وباكستان والعراق وسورية.

قال ميشل زافران، رئيس حملة مكافحة شلل الأطفال في منظمة الصحة العالمية، إن افريقيا اعتبرت خالية من هذا المرض منذ سنوات، "ونتفاجأ الآن بأربع إصابات في المناطق التي تسيطر عليها منظمة بوكو حرام في نيجريا منذ أغسطس الماضي". واعتبر زافران عودة المرض إلى نيجيريا جرس انذار للعالم.

وحصل هذا على الرغم من أن المنظمة والمتعاونين معها عملوا على تلقيح 10 ملايين طفل في نيجيريا ضد شلل الأطفال في حملة شملت منطقة بورون والمناطق القريبة منها التي تقع تحت سيطرة بوكو حرام. وتخطط المنظمة لتلقيح 41 مليون طفل في نيجيريا وتشاد والكاميرون والنيجر. وخصصت المنظمة 116 مليون دولار لهذه الحملة.

طفل واحد يكفي

حذرت منظمة الصحة العالمية من أن إصابة طفل واحد بالمرض يمكن أن يكفي لانتشاره من جديد. وتقدر المنظمة أيضًا أن انتشار فيروس شلل الأطفال في منطقة واحدة يمكن أن يؤدي إلى 200 ألف إصابة جديدة خلال عشر سنوات لاحقة.

ويعتبر شلل الأطفال من أكثر الأمراض المعدية سرعة في الانتشار، وينتقل من خلال البراز، ويؤدي في حالة من كل 200 حالة بين الأطفال الصغار إلى الشلل، ويؤدي إلى موت 10 في المئة من المشلولين بسببه مع تقدم الحالة. ومعروف في الصحة العامة والطب عدم وجود شفاء من المرض، وأن التلقيح ضده هو أفضل طريقة للوقاية منه.

خرافات طالبان ووحشية بوكوحرام

هناك اختلاف في أسباب انتشار مرض شلل الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها المتشددون. ففي المناطق التي يسيطر عليها طالبان، يروج المتشددون أن الغرب يحاول اصابة أطفال المسلمين بالعقم من خلال اللقاح، وان العاملين في المنظمات&الإنسانية جواسيس يرسلهم الأعداء.

في المناطق التي يسيطر عليها بوكوحرام، والتي يعيش فيها مئات الآلاف من الناس، انهار النظام الصحي تمامًا، ويجد معظم العاملين في الصحة صعوبة وخطورة في دخول هذه المناطق.

تقدر الأمم المتحدة وجود 4,4 ملايين مهددين بالجوع والأمراض في المناطق التي تنشط فيها بوكو حرام، ويقول بعض العاملين في المنظمة أن الوضع هناك يهدد بكارثة. وتحذر المنظمة من انهيار برنامج تلقيح الأطفال تمامًا، الأمر الذي يعرض الأطفال لمختلف الأمراض الخطيرة، لا شلل الأطفال فحسب.

توسع القتال في افغانستان

سجلت المنظمة 8 إصابات جديدة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو طالبان في أفغانستان حتى نهاية سبتمبر الماضي، بحسب معطيات نجيب الله صافي من فرع افغانستان في المنظمة الدولية. كان عدد الإصابات في هذه المناطق في العام الماضي 20 إصابة، لكن هذا لا يعني أن عدد الإصابات بشلل الأطفال قد انخفض وإنما أن الإحصائيات تعذرت بسبب توسع الحرب وعجز العاملين الصحيين عن بلوغ مناطق القتال. ومن المتوقع أن تزداد الإصابات بحكم امتداد القتال وتوسع رقعة طالبان في بعض المناطق.

وفي مقاطعة قندس الأفغانية، عجزت المنظمة الدولية والمنظمات الصحية عن تلقيح الأطفال منذ ستة اشهر، ولا تتوافر معطيات حول انتشار الأمرض هناك. وهناك في الأقل 2000 طفل في المناطق التي يسيطر عليها طالبان لم يتم تلقيحهم. وفي الهند، بحسب تقدير نجيب الله صافي، التي اعلنت نظافتها من شلل الأطفال في 2011، يتساءل الناس، بعد أن شاهدوا عواقب المرض، كيف يمكن لأحد أن يمتنع عن تلقيح طفله ضد شلل الأطفال؟

لا معطيات

إن عدم الحديث عن عودة شلل الأطفال إلى المناطق التي يسيطر عليها داعش مثل الموصل في العراق والرقة في سوريا لا يعني أن المرض بقي نائمًا، لكن المنظمة الدولية لا تمتلك معطيات وإحصائيات عن الوضع.

وربما أن الحملة الوطنية ضد شلل الأطفال في سوريا التي تشنها وزارة الصحة السورية في دمشق حاليًا، تكشف الخشية من خطر انتشار هذا المرض. واعلنت الوزارة تلقيح 175 ألف طفل تحت الخامسة ضد المرض، مع تعذر الوصول إلى المناطق الأخرى.

وفي العراق، ومع تقدم المعارك في محافظة الموصل التي يسيطر عليها داعش، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من تعرض أكثر من نصف مليون طفل وأسرهم لمخاطر جمة خلال الأسابيع المقبلة أثناء العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل الواقعة في شمال العراق.

رعاية خاصة

وقال بيتر هوكننز، ممثل منظمة اليونيسف في العراق، إن أطفال الموصل عانوا بشكل كبير خلال العامين الماضيين، ومن المحتمل أن يتم تهجير الآلاف منهم قسريًا أو أن يحاصروا بين خطوط القتال أو أن يقعوا في خط النار.

وكانت &يونيسف قد جهزت مياه الشرب ومرافق الاستحمام والمراحيض ورزم النظافة الصحية التي تكفي لخدمة أكثر من 150 ألف شخص بشكل فوري، إضافة إلى إعداد خطط لإمدادات إضافية لتغطية حاجة أكثر من 350 ألف نسمة خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وشكلت يونيسف فرقًا متنقلة استعدادًا لتوفير الرعاية الخاصة للأطفال الذين يعانون من الصدمات النفسية والبدنية الحرجة.