قال عراقيون إن برلمان بلادهم قد خرق الدستور بقراره المفاجئ والقاضي بإغلاق محال بيع المشروبات الكحولية "بشكل نهائي"، وفرض غرامات على المخالفين، تصل إلى 25 مليون دينار، فضلًا عن منعه تصنيعها واستيرادها وتصديرها.

إيلاف من بغداد: أثار قرار مجلس النواب العراقي حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة، أثار استغراب المواطنين العراقيين على اختلاف توجهاتهم، مؤكدين أن القرار يخالف ما جاء في الدستور العراقي، ويتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادى الديمقراطية، فيما أشار البعض إلى أن القرار يحوّل مدينة بغداد إلى "قندهار"، وأنه مقدمة صريحة لإعلان العراق "دولة إسلامية"!.

وأكد البعض أن القرار لا يتعلق بالخمور بقدر ما يتعلق بالحرية الشخصية، وأيضًا بازدهار خط المخدرات والحبوب المخدرة والمهلوسة، الممتد من أفغانستان مرورًا بإيران وصولًا إلى العراق، موضحين أن القرار سيجهل عملية تهريب الخمور التي تزدهر، مثلما ستتحول البيوت إلى بارات، مشيرين إلى تجربة سابقة للنظام السابق، أدت إلى هذه النتائج السيئة.

الطعن لدى الاتحادية بقرار الحظر&
وصوّت مجلس النواب، أمس السبت، على إغلاق بيع المشروبات الكحولية "بشكل نهائي"، وفرض غرامات على المخالفين تصل إلى 25 مليون دينار. وقال النائب جوزيف صليوا إن "مجلس النواب صوّت على إغلاق محال بيع المشروبات الكحولية بشكل نهائي". وأضاف أن "المجلس صوّت أيضًا على فرض غرامات من 10 إلى 25 مليون دينار على المخالفين".

إلى ذلك فقد كشف رئيس كتلة الرافدين يونادم كنا أن قانون واردات البلديات، الذي أقرّه البرلمان، تضمن فقرة تحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة، مهددًا بالطعن في الفقرة، لأنها "غير دستورية وتتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية".

وقال: "كنا في مؤتمر صحافي عقد في مبنى البرلمان، وإذ صوّت مجلس النواب على قانون واردات البلديات الذي أدرج في اللحظات الأخيرة على جدول الأعمال لإقراره إضافة مادة جديدة تحضر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بأنواعها كافة".

أضاف: أن "هذه الفقرة من القانون تتناقض ومضامين المادة الدستورية الثانية التي تمنع أي تشريعات تتناقض مع الحقوق والحريات الفردية ومبادئ الديمقراطية، وتضمن حرية الأديان المسيحية والأيزيدية والصابئة والمندائية، وإننا نسجل تحفظنا على هذه الفقرة، التي تعكس صورة سلبية للبلاد، وتضر بمصالح شرائحها الاجتماعية، ونحتفظ بحقنا في الطعن في المحكمة الاتحادية".

البرلمان يحنث باليمين
من جهته، أكد الناشط المدني مصطفى ناصر أن أعضاء مجلس النواب يحنثون بالقسم. وقال: "تنص المادة 48 من الدستور على أن يؤدي النواب اليمين الدستورية أمام المجلس قبل أن يباشر عمله بالصيغة (أقسم بالله العظيم أن أؤدّي مهامي ومسؤولياتي القانونية بتفانٍ وإخلاص... وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة...)".

أضاف: "اليوم مجلس النواب شرع قانون يمنع بيع وتداول المشروبات الكحولية، وبذلك يقصي الحريات الخاصة للمواطنين، ولا سيما الأقليات من المسيحيين والصابئة وغيرهم. كما خالف البرلمان اليوم المادة 2 من الدستور التي تنص على عدم جواز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة، كالمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين. وهذه المادة بحد ذاتها كفيلة بطعن القانون الذي صوّت عليه السادة النواب".&

لمصلحة انتعاش تجارة المخدرات
أما المهندس إبراهيم البهرزي فقال: "لأنني أكيد من جهالة غالبية أعضاء مجلس النواب بالتاريخ، فضلًا عن أن أكثر من غالبيتهم هم ممن يجهلون تاريخ بلادهم تحديدًا. أحب أن أقول إن أول كأس من البيرة شربه الإنسان في الكون كان إنتاجًا عراقيًا، وإنه ومنذ زمن السيد الرئيس كلكامش كانت الحانات موجودة في العراق، وإن معالي الآنسة سيدوري كانت تغني للشاربين، وتقدم الكؤوس إلى الزبائن، وإنه في ظل كل الأنظمة الوثنية والدينية التي حكمت العراق منذ فجر التاريخ حتى هذه الساعة فإنكم السلطة الوحيدة التي تحرم تحريمًا باتًا تعاطي الخندريس".

أضاف: "إنكم &أيها البرلمانيون بهذا القرار إنما تفتحون الباب مشرعًا لإنعاش تجارة المخدرات كبديل (ويبدو أن هذا مقصدكم من القرار). وربما تكون هناك رشاوى مقدمة من كبار تجار المخدرات، الذين تعرفونهم جيدًا، فبعضكم شركاء لهم، رشاوى قدمت إلى البعض منكم لأجل إقرار هذا القرار، وإنكم تعلمون مدى عناد العراقيين واتباعهم قاعدة كل ممنوع مرغوب".&

تابع: "إنكم تعلمون أن صناعة الخندريس ليست معقدة، وأنكم لا تملكون القوة القادرة على منع تصنيعه وتداوله سرًا، وإنكم بذلك تفتحون المجال واسعًا لتداوله في السوق السوداء. وتخسرون البلاد قيمة الضرائب المتحصلة عن ذلك، وإنكم لا تمنعون ما حرم الله حبًا بالله، لأن الكثير من محرمات الله الأشد تحريمًا من شرب الخمر إنما تمارسونها بلا خوف من الله، وإن الله سبحانه وتعالى سيحرم المؤمنين منكم من الموعودين بالجنة (وكلكم ما شاء الله منهم) سيحرمهم من شرب الخمر من أنهارها، كما حرمتم العراقيين الشرب من حانات الدنيا".

كارثة مقبلة
أما الكاتب فلاح المشعل فأكد أن "الكارثة مقبلة". وقال: "قانون مجلس النواب العراقي اليوم بإغلاق نهائي لمحال بيع الخمور يعد بكوارث اجتماعية مقبلة، حيث سيفتح الأبواب واسعة لانتشار الحشيشة بدلًا منه، وكما هي الحال في إيران".

محل لبيع المشروبات الروحية في بغداد

أضاف: "نعم هي محاولة أخرى لإسقاط ما يحدث في المجتمع الإيراني على المجتمع العراقي، وإذا ما عرفنا بأن انتشار الحشيش في الأوساط الإيرانية يمثل آفة مرضية وتفككًا أسريًا وويلات اجتماعية وخسائر تعد بمليارات الدولارات سنويًا للدولة الإيرانية، فإن هذا التشريع يعد إنتقامًا من المجتمع العراقي وتطبيعه إيرانيًا".

وتابع: "الدستور العراقي أقر بالحقوق والتنوع الديني والمذهبي، وثانيًا المادة 3 بالدستور تنص على عدم تشريع أي قانون يتعارض مع الديمقراطية، وثالثًا منع الخمر سيدفع الشاربين إلى الحشيشة، كما في إيران، وهذا فيه ضرر كبير، يستفيد منه رجال الدين فقط".

&نفاق اجتماعي
هذا ووصف الناشط المدني مهدي عباس القرار بالـ"تافه"، واضاف أنه "تم استغلال معركة الموصل لتمرير هذا القرار. نحن بالدستور دولة مدنية، وليست دينية، وهذا القرار تعدٍ على الحريات الشخصية".

وأوضح أن 90% من البرلمانيين يشربون، فما هذا النفاق الاجتماعي!، بماذا يختلفون عن داعش، التي صادرت كل الحريات الشخصية، الجوامع والحسينيات هي من خرّج المتطرفين، وليس (البارات)، مئات الآلاف من العراقيين ذهبوا ضحية التطرف الديني، وليس الخمر".

دوافع معروفة
في حين يرى المواطن رعد ستار أن "المشكلة ليست فقط بيع الخمور، وإنما القانون يشمل أيضًا تصنيعها واستيرادها وتصديرها، ومن البديهي شربها وتداولها في الوقت الذي تنتشر فيه تجارة المخدرات وحبوب الهلوسة وحتى حبوب المهدئات للأمراض النفسية، التي تباع على الأرصفة".&

أضاف: "يتباكون على الدستور العراقي، وهم يدوسون عليه بالأقدام كل يوم، وهم يدركون أن المجتمع العراقي مجتمع متعدد، وفيه أديان وقوميات وملل ونحل لا تحرّم هذه المشروبات، فلماذا يصرّون على فرض "داعشيتهم" بالقانون، ومن تحت قبة البرلمان، ثم من ناحيه دينية، ألم يحرم الله في قرآنه أشياء أخرى، إما لكونها نجسة أو إثمًا أو رجسًا من عمل الشيطان، إذًا لماذا لا يحرّمون الربى والزنا وأكل مال اليتيم، والأهم أن يحرموا بقوانين الطائفية والمحاصصة والسرقات والتزوير والاستيلاء على أموال الغير وسرقة المال العام والاعتداء على الحريات العامة والخاصة، أليست هذه جرائم يحرّمها الشرع والقانون، ثم هل إن الإنسان المؤمن بهذا الضعف ونزع الإرادة، بحيث إنه لا يستطيع منع نفسه من أن يشاهد الخمر ولا يشربه... قانون معيب، ودوافعه معروفة".&

تعليقات فايسبوكية&
ما أن أعلن عن القرار حتى اكتظت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من التعليقات التي تسخر وتستهزئ من القرار، وتصف نواب البرلمان الذين صوّتوا على القرار بالنفاق.

- الكاتب حامد المالكي قال: "هل سمعتم بانتحاري طلع من بار؟ أو سيارة تفخخت في مخازن الشرب؟، وهل سمعتم أن&ثملاً&دعا إلى قطع رأس إنسان ثانٍ حتى يدخل الجنة؟". أضاف "البرلمان العراقي يمنع بيع الخمور... ياليتكم تصدرون قانونًا لتجريم الطائفية، البلد أحوج إلى قرارات كتلك".

- قيس حسن رأى أن "حظر المشروبات في هذا التوقيت، وعبر زجّه كقرار في قانون البلديات، وليس في نسخة منفردة، هو فعل قام به برلمانيون عباقرة، هم بالأساس تجار مخدرات". أضاف "المملكة العراقية الإسلامية تكتمل اليوم".

- مصطفى سعدون أكد أنه "لستُ من متناولي المشروبات الكحولية، ولا تُحدد هذه الحرية الشخصية علاقتي بالآخر، لكن أن نترك كل مساوئ الحياة التي صُنعت بأيدي من يُسيطر على البلاد، ونتجه لتقييد حرية شخصية، ليس فيها أي ضرر على المجتمع، فهذا ما يؤكد دعشنة البرلمان وتفشي وباء التفكير المتطرف في أعلى سلطة تشريعية عراقية".

- علي حسن قال إن "العقل البرلماني العراقي يحتاج مراجعة ونقدًا... الكثير من إجراءاته تدخل في سياق اللاعقل، واللاتداول..
- شوقي كريم حسن كتب "بقرار منع بيع واستيراد الخمور أثبت البرلمان العراقي أننا دولة دينية لا علاقة لها بالحرية رغم تحدث الدستور علنًا عن الحريات الشخصية وعدم المساس بها".
&