« إيلاف » من الرياض:&بإعفاء الدكتور إبراهيم العساف من منصبة كوزير للمالية، تكون بذلك قد انتهت حقبة الوزراء المخضرمين والذين عاصروا عدة ملوك للمملكة العربية السعودية، واحتفظوا& بمناصبهم رغم سلسلة التغيرات الوزارية التي كانت تجري بين الحين والأخر، منذ اعتلاء الملك سلمان بن عبد العزيز العرش في يناير 2015، حيث صدر أمس الاثنين قرار ملكي قضى بإعفاء العساف من منصبه كوزير للمالية، والذي كان قد شغله منذ 1 يناير 1995.

ويعتبر العساف وزير المالية "الثاني عشر" في تاريخ وزارة المالية منذ إنشائها في العام 1932، حيث كانت ثاني وزارة تنشأ بعد وزارة الخارجية في المملكة، وكانت مسئولة عن تأمين الواردات والمصروفات والمرجع&لعموم الماليات في المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها، وكان أول وزير للمالية هو الشيخ عبد الله بن سليمان الحمدان، والذي شغل المنصب حتى العام 1954&ليعتبر أكثر وزير شغل المنصب بمدة بلغت 22 سنة ، فيما يأتي ثانيا إبراهيم العساف بـمدة بلغت 20 عاما و 9 أشهر.

الرجل الصامت، أو رجل الظل أو البعيد عن الإعلام، هذه بعض من الألقاب التي نالها الدكتور ابراهيم العساف&خلال فترة عملة وزيرا، في خضم ما مر به من أحداث طيلة عمله، لكن الظروف الاقتصادية التي تمر بها السعودية حاليا، دفعته لينتقل من خانة الرجل الصامت إلى خانة الواجهة والمواجهة، حيث كان المسئول الأول - بوصفة وزيرا للمالية- لسلسلة الإجراءات الإصلاحية والتقشفات التي أقرتها الحكومة مؤخرا، وهو ما جعله في هدفا&رئيسيا للكثير من انتقادات المواطنين بالسعودية.

ابراهيم العساف ممثل السعودية في المؤسسات المالية الدولية

أوبك وسوق النفط الدولية

ولد إبراهيم بن عبدالعزيز عبدالله العساف&بمحافظة عين الجواء بمنطقة القصيم عام 1949،&وهو متزوج وله أربعة أبناء،&تلقى تعليمه بالرياض وتخرج من جامعة الملك سعود حيث حصل على شهادة الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1968، بعد تخرجه عمل معيدا ومحاضرا لمادة "مبادئ الاقتصاد" بكلية الملك عبد العزيز الحربية، والتي تعتبر أول كلية عسكرية سعودية، حيث تمنح الكلية درجة البكالوريوس في العلوم العسكرية في تخصصات متعددة، ويُعين خريجوها ضباطا في أحـد فروع القـوات البرية.

أثناء عمل العساف في كلية الملك عبد العزيز الحربية غادر إلى ولاية كولورادو الأميركية، حيث درس الماجستير في الاقتصاد في جامعة دنفر، وكان موضوع أطروحته "أوبك وسوق النفط الدولية" ثم عاد إلى الرياض حيث تم تعيينه رئيسا لقسم العلوم الإدارية بذات الكلية، قبل أن يغادرها مرة أخرى إلى أمريكا& لدراسة الدكتوراه في الاقتصاد بجامعة ولاية كولوراد&، وكان موضوع أطروحة الدكتوراه&"دراسة كمية عن الأثر الاقتصادي للعمالة الأجنبية في المملكة العربية السعودية".

الوزير العساف ساهم في خطة ميزانة الدولة لعشرين سنة

بدأ صعود نجم العساف&عام 1986&عندما تولى منصب المدير التنفيذي المناوب للسعودية في صندوق النقد الدولي، وهى المهمة التي جعلته على اتصال مباشر مع&الملك الراحل& فهد بن عبد العزيز،&رئيس مجلس الوزراء السعودي آنذاك،&ثم تولى العساف بعدها عده مناصب اقتصادية حيوية تًوجت بتعيينه نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في 1995، وهو المنصب الذي مثل نقلة نوعية& لمسيرة العساف المهنية، وكان بمثابة خطوة تمهيدية لتسلمه زمام وزارة المالية، نظرا لأهمية مؤسسة النقد باعتبارها تقوم بمهام البنك المركزي للدولة وتدير جميع القطاعات المصرفية والمالية.

في الأول من يناير من العام 1996، صدر مرسوم ملكي ممهور باسم الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، قضى بتعيين الدكتور إبراهيم العساف وزيرا للمالية، خلفا للدكتور عبد العزيز الخويطر، والذي كان وزيرا للمالية بالوكالة حيث شغل المنصب لأربعة أشهر فقط، ومذاك ذلك الوقت ظل إبراهيم العساف وزيرا للمالية، ليصبح واحدا من مجموعة نادرة من المسؤولين السعوديين الذين حضوا على مدى 20 عاما&بدعم وثقة ثلاثة ملوك وأولياء العهد الذين عاصروهم، وهي ميزة جعلته سليل مجالس الوزراء السعوديين بامتياز،&واحد ابرز رجال الحكومة السعودية الأقوياء.

العساف مثل السعودية في العديد من المؤتمرات

خبراته إستثنائية

يقول مراقبون إن خبرات العساف الاستثنائية في التعامل مع الأزمات المالية، هي التي جعلته على سدة الوزارة طيلة هذه السنوات، حيث أدار العساف حقيبة الوزارة في عدة مراحل حساسة مرت بها المملكة خلال 20 سنة تخللتها الكثير من التقلبات الاقتصادية والإجراءات لاسيما مع موجة ارتفاع أسعار النفط منذ بداية الألفية وارتفاع مصاريف ومداخيل &الدولة ومن ثم موجة انخفاض الأسعار، فمع بداية تسلم العساف حقيبته الوزارية عام 1996&دخلت أسعار النفط في انخفاض استمر أكثر من سنتين، لكنه استطاع أن يدير دفة الاقتصاد&من خلال& تطوير أنظمة الرقابة المالية&للصرف بما يساهم في ترشيد الإنفاق الحكومي ويعزز المحافظة على المال العام.

في عام 1997،&استعادت أسعار النفط عافيتها إلا أن هذا التعافي لم يدم طويلاً، إذ ارتبطت بالأزمة الآسيوية أواخر عام 1998، وهو ما أجبر وزارة& المالية على تنفيذ عدد من الإجراءات الاقتصادية الجديدة،&وفي العام 2008& نجح العساف في قيادة دفة الوزارة في التصدي لتداعيات أعمق أزمة مالية ضربت العالم، وهي الأزمة المالية العالمية، حيث انتهج& سياسة مالية نقدية ساهمت&في الاستقرار في سوق المعاملات بين البنوك، عبر تخفيض الاحتياطي الإلزامي وخفض سعر الفائدة على أدوات السياسة النقدية وتوفير السيولة، وهي إجراءات استطاع الجهاز المصرفي بموجبها تجاوز الأزمة.

استطاع العساف خلال وزارته أن يقيم علاقات متينة مع العديد من المؤسسات المالية الدولية،&إذ بوصفه وزيرا للمالية كان ممثلا للسعودية في العديد من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية وفي مجموعة العشرين، وفي اللجان والمجالس الإقليمية والدولية مما لها علاقة بالشؤون المالية،&فضلا عن قيامه بمهمة متابعة التعاون المالي والإنمائي الثنائي والإقليمي والدولي وتطويره، كما كان يترأس مجالس إدارات عدة صناديق استثمارية وتنموية عامة، مثل صندوق الاستثمارات العامة وصندوق معاشات التقاعد والصندوق السعودي للتنمية وصندوق التنمية العقارية.

العساف قاد العديد من المباردات الاقتصادية بالسعودية

تنفيذ مشاريع ضخمة

ومع ثبات أسعار النفط واستقرار الأوضاع المالية،&دخلت وزراه المالية السعودية في تنفيذ&حزمة مشاريع ضخمة في البنية التحتية، وارتفع الناتج المحلي من 1.2 ترليون ريال في 2005 إلى 2.8 ترليون ريال في 2014.

أنفقت الحكومة بشكل سخي على الكثير من القطاعات التنموية، وهو ما صاحبه اهتمام وزارة المالية بوضع سياسات مالية عامة وخطط لدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي ولاستدامة موارد الحكومة وكفاءة استغلالها ومتابعة تنفيذها، ومع بداية& العام 2015& كان العساف جزء من القرارات الترشيدية الأخيرة التي تضمنت تخفيض الرواتب والامتيازات، وما رافقها من إجراءات لتخفيض عجز الموازنة جراء انخفاض أسعار النفط.

الدكتور إبراهيم العساف 67 عاما ، الرجل طويل القامة، صاحب الشارب الأبيض الكثً، كان حتى أمس الاثنين، الحارس المالي الأمين، لأسرار اكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وقد ظل على مدى عقدين مشاركا عن كثب في معظم قضايا المملكة المالية والاقتصادية، و قد ربط مراقبون قرار إعفائه بتوجهات إعادة الهيكلة الشاملة التي& تتطلب ضخ دماء شابة في المفاصل الرئيسة& للدولة، ورغم إعفائه إلا انه لا يزال قريبا من مجلس الوزراء،&حيث تم تعينه وزير دولة، فيما تباينت آراء السعوديين على تويتر بشأن خبر إعفائه&ما بين منتقد لأدائه وشاكر له على ما قدمه أثناء خدمته الوزارية.

العساف اثناء حصولة على الدكتوارة

&