إيلاف&من&الرباط:&مع كل حادث كبير تشهده البلاد، سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، تنطلق موجة من الردود والتفاعلات معه، غير أن ما يسلط عليه الضوء عادة، هو المواقف التي تعلنها الشخصيات العامة والمسؤولين الحكوميين وقادة الأحزاب السياسية.

في سياق ذلك ، خلف حادث وفاة بائع السمك محسن فكري، الذي قضى الجمعة الماضية طحنا داخل شاحنة لتدوير النفايات بمدينة الحسيمة، موجة غضب واسعة في صفوف سكان مدن الريف والشمال، امتدت شرارتها لتشمل العديد من المدن المغربية، التي خرج الآلاف للاحتجاج فيها ضد هذا الحادث المأساوي.

وبما أن الحدث المفجع كان غير عادي على الإطلاق، فانه أثار موجة من الردود المتباينة، والتي خلفت نتائج عكسية على صورة الفاعلين الذين خرجوا عن "الإجماع الشعبي" المتضامن والمندد بحادث وفاة بائع السمك بالحسيمة.

ابن كيران تحت القصف

مباشرة بعد انتشار خبر وفاة محسن فكري، سارع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في التعبير عن مشاعر الغضب التي اجتاحتهم إزاء الحادث، وبادروا لإطلاق حملات للتضامن مع الضحية والدعوة للمشاركة في وقفات ومسيرات في مختلف المدن، في أشبه ما يكون بما شهده المغرب من حراك اجتماعي إبان أحداث الربيع العربي سنة 2011، الأمر الذي دفع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة المعين، عبد الإله ابن كيران، للخروج بتوجيه لأعضاء حزبه والمتعاطفين معه دعاهم فيه إلى عدم تلبية دعوات المشاركة في المسيرات الاحتجاجية التي نظمت الأحد الماضي.

موقف ابن كيران، الذي يجد له ما يبرره انطلاقا من موقع المسؤولية التي يتحملها والوضعية التي تعيشها البلاد، وخوفه من استثمار خصومه لها وإحداث الفتنة والبلبلة، الى جانب أسباب اخرى ،لم تشفع له أمام الغضب الجامح الذي عم المغاربة، حيث تعرض لسيل من الانتقادات من طرف النشطاء، الذين اتهموه ب" المبالغة" &في الانبطاح ، وعدم الالتفات إلى قضايا أبناء الشعب "المقهورين والمطحونين من طرف رجال السلطات".

وعاب منتقدو رئيس الحكومة عليه تمييزه في التعامل مع المواطنين المغاربة، ومحاباة أتباعه وأعضاء حزبه، مسجلين أنه عندما تعلق الأمر بوفاة الطالب عبد الرحيم حسناوي، عضو منظمة التجديد الطلابي، القريبة من حزبه وحركة التوحيد والإصلاح سنة 2014 على يد عناصر محسوبة على الطلبة اليساريين (فصيل البرنامج المرحلي) في جامعة مولاي إسماعيل في مدينة مكناس، استقل ابن كيران طائرة خاصة لحضور تشييع جنازته بإقليم الرشيدية، فيما لم يقم بأي خطوة تجاه ضحية الحسيمة، رغم أن والده من مؤسسي حزب العدالة والتنمية في المدينة.

موقف ابن كيران، مرة أخرى جر عليه انتقادات حتى من طرف شباب حزبه، الذين عبروا عن تمردهم على توجيه أمينهم العام، وشاركوا بكثافة في الوقفات التي شهدتها المدن المغربية، تضامنا مع بائع السمك، معتبرين أن مشاركتهم يمليها الواجب الإنساني والوطني، رافضين توجيه ابن كيران.

عبد الاله ابن كيران&

&

العماري.. أكبر الغائبين

في لائحة الضحايا والمتضررين من وفاة محسن فكري، يأتي بدرجة أقل، إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس جهة طنجة -تطوان- الحسيمة، الذي رغم المواقف التي أعلنها حزبه ومطالبته بفتح تحقيق ومحاسبة المتورطين في الحادث، فانه لم يسلم من الانتقاد والتقريع من طرف النشطاء، خصوصا وأنه ابن المنطقة، وظل دائما يردد في خرجاته الإعلامية بأنه ملتزم بالدفاع عن قضايا أبناء الريف.

وسخر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من الغياب غير المفهوم للعماري ، عن الساحة بعد حادث طحن محسن فكري في الحسيمة، معتبرين أن الرجل "جار البحث عليه"، فيما ذهب آخرون إلى كيل "التهم للرجل وحزبه بالوقوف وراء إشعال الاحتجاجات بمدن الريف ومحاولة ابتزاز الدولة"، معتبرين&أن غياب العماري عن الساحة المشتعلة، يمثل انسحابا وخوفا من الميدان والردود الغاضبة، التي يمكن أن يتعرض لها أمين عام حزب الأصالة والمعاصرة في الحسيمة، خاصة وأن حزبه هو الذي يسير بلديتها، كما أشار آخرون، إلى أن العماري "تاجر بقضية الريف وأبنائه واستغلها للوصول إلى ما وصل إليه ولم يكن في يوم من الأيام يدافع عنهم".

الياس العماري&

&

المخزن والدولة

حادث الحسيمة الأليم، زاد في ترسيخ صورة الدولة "الظالمة" لدى المجتمع المغربي ومكوناته، إذ ردد المحتجون الغاضبون في المدن التي شهدت وقفات احتجاجية شعارات منددة بسياسة "الحكرة" و"الطحن" الذي تمارسه أجهزة الدولة و"المخزن"( السلطة المركزية ) &في حق المواطنين.

واعتبرت المسيرات الاحتجاجية ما حدث في الحسيمة، استمرارا لفساد الإدارة وتغولها على المواطنين، مذكرين بالعديد من الضحايا الذين سقطوا ضحايا لهذه الممارسات الخارجة عن القانون، الأمر الذي دفع العاهل المغربي الملك محمد السادس للمطالبة بإصلاحها في خطاب افتتاح البرلمان اخيرا .كما قفز اسم وزير الداخلية، محمد حصاد، إلى الواجهة في غمرة الاحتجاجات، حيث حمله الكثير من المحتجين مسؤولية حادث الحسيمة، فيما طالب المشاركون في المسيرة الاحتجاجية بالرباط، بإقالته من مسؤولياته.

النائبة خديجة الزياني&

&

هفوة برلمانية .. " الأوباش"&

وعكس غالبية زملائها البرلمانيين الذين عبروا عن تضامنهم مع بائع السمك في الحسيمة ، خرجت النائبة البرلمانية عن حزب الاتحاد الدستوري، خديجة الزياني، بشكل غريب ، لتصب الزيت على النار، عندما اعتبرت أن المحتجين الذين رفعوا العلم الإسباني في احتجاجات بائع السمك بالحسيمة "أوباش".

موقف الزياني، الذي عبرت عنه في تدوينة على حسابها الشخصي في موقع فيسبوك، جاء فيه أن "العاهل الراحل الملك الحسن الثاني كان صادقا عندما وصف أمثال هؤلاء بالأوباش"، وأضافت في التعليق&ذاته "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"، الأمر الذي خلف موجة من التعليقات والردود المنتقدة لها، إلى درجة أنها اضطرت لسحب التدوينة ونشر اعتذار في الصفحة ذاتها.

وكان الملك الحسن الثاني قد وصف سكان مناطق الريف خلال اضطرابات سياسية واجتماعية عرفتها المنطقة عام 1984ب" الأوباش" .

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل دفع حزب الاتحاد الدستوري إلى إصدار بيان رسمي تبرأ فيه من تدوينة النائبة البرلمانية المنتمية له ، معبرا عن رفضه لها، واعتبر أن التدوينة "خطيرة ولا تترجم من قريب ولا من بعيد موقف الاتحاد الدستوري ولا فريقه النيابي".بل ان الحزب قرر تجميد عضوية النائبة الزياني من جميع هياكل الحزب .

وكان الحزب الذي يقوده محمد ساجد، قد أدان مثل هذه التعليقات الـ"غير مسؤولة"، مؤكدا أنه سيجري بحثا حول "حقيقة هذا التعليق ودوافعه، قبل أن يطبق المساطر( الإجراءات ) الداخلية المنصوص عليها في النظامين الأساسي والداخلي للحزب ، ويتخذ ما يلزمه من إجراء على ضوء نتائجها".

وطالب العديد من النشطاء في مواقع التواصل بعزل النائبة خديجة الزياني من البرلمان بسبب التدوينة المثيرة للجدل، حيث اتهموها بمحاولة زرع "الفتنة عبر حديثها العنصري عن مكون من مكونات الأمة المغربية"، كما اعتبروها "تحريضا صريحا على العنصرية والتمييز".