علي النعيمي شاب في الحادية والثمانين، يبتسم، يراوغ كي لا يجيب عن أسئلة تتناول أسعار النفط، يقدم مذكراته في كتاب «من الصحراء»، ويفشي للشباب سر نجاحه الكبير: «كثير من العمل.. قليل من الحظ».

إيلاف من الرياض: اعتاد علي النعيمي، شيخ النفط السعودي، أن يجلس دائمًا في حضرة جمع غفير من الناس، يتلهفون لاستراق ولو كلمة واحدة منه. في الغالب، كان هذا الجمع يتألف من صحافيين، يرمونه دائمًا بأسئلة عن رأيه في ما ستؤول إليه أسعار النفط، وهو السؤال الذي لم يرق له يومًا أن يجيب عنه.

هكذا صرفت أرامكو الوزير علي النعيمي

&

إنبوكس

لكن، اليوم، في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية (تشاتهام هاوس)، وبعدما خلع عنه عباءة أوبك ووزارة الطاقة السعودية، ها هو يجلس بسعة صدر وبروح مرحة أمام جمع غفير من الخبراء والاقتصاديين والسياسيين، إضافة إلى الصحافيين من كل أنحاء العالم، مؤلفًا يتحدث عن كتاب دس فيه مذكراته منذ كان راعي أغنام في الصحراء وحتى صار راعي سياسات النفط في العالم.

دقّ علي النعيمي باب ثمانينياته، لكنه ما توقف عن رياضته اليومية، وهذا ربما منحه نفسه الطويل في السياسة كما في النقاش، فسعى جاهدًا كي لا يخرج عن حدود كتابه وما فيه من مذكرات ونصائح للشباب الطموح، وكي يبعد الحاضرين عن سوق النفط و"أوبك"، ومتى سأله أحدهم عن رؤيته للمستقبل النفطي، ابتسم وقال: "لم أذكر هذا في كتابي".&

&

علي النعيمي يقول ما لم يستطع قوله سابقًا
شيخ أوبك يتذكر: لا أثق بالروس


الأكثر حضورًا في هذا الكتاب هو توجيهه الشباب الطموح نحو العمل الدؤوب بجهد كبير وبابتسامة عريضة. فبحسبه، لم يختلف عمله ولا طموحه حين كان في الثانية عشرة ساعيًا في أرامكو ينقل الأوراق بين مكاتبها عن طموحه وعمله حين تبوأ إدارة أرامكو التنفيذية. قال متندرًا: "كنت أنقل الأوراق من مكتب إلى آخر، وبعد أن أصبحت رئٔيس أرامكو صرت أنقلها من إنبوكس بريدي الإلكتروني إلى الآوت بوكس".
وأفشى للحاضرين أمامه في قاعة تشاتهام هاوس سرّ نجاحه في انتقاله من قريته الصحراوية "الراكة" إلى عالم الطاقة علمًا من أبرز أعلامه، فقال: "إنه الكثير من العمل الدؤوب والمتواصل، والقليل من الحظ".

أنا الشاب الكهل
لا مفر من سؤاله عن قلق يمكن أن يتملكه من الحال اليوم. يقول: "لا لست قلقًا أبدًا. فالقلق يسبب لي قرحة في المعدة، لذلك أنا أهتم فحسب، فالاهتمام يدفع إلى الاجتهاد في العمل".
تذكر علي النعيمي تخطيطه لتأسيس جامعة الملك للعلوم والتقنية، فزار مع فريق عمله جامعات العالم لاستلهام تجاربها، وتحديدًا ثلاث جامعات أبدت اهتمامها بمشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ولم تبخل عليه بالإرشاد: إمبريال كوليدج في بريطانيا، وجامعة هارفارد ومعهد ماساشوستس في الولايات المتحدة. وكشف إنه بدأ مع المشرفين على الجامعة يوزعون المنح الدراسية قبل اكتمال بناء الجامعة، "كي نجذب أفضل الأساتذة والطلاب من كل العالم".&

بين كثيرين، ذكر النعيمي رجلين من الذين ساعدوا في تأسيس الجامعة، فرانك بريس مستشار سابق للرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، وفرانك روز. وقال: "كانا متفانيين في العطاء، ويمثلان قدوة في العمل الشاق على الرغم من تقدمهما في السن، إذ تجاوزا منتصف ثمانينياتهما". وإذ تطرق إلى مسألة العمر والجهد المتواصل، قال مبتسمًا: "أنا في الحادية والثمانين، وأرى نفسي شابًا مقارنة بهما".

رحلة من عالم البدو الرحل إلى قلب القرار النفطي العالمي
مقتطفات من كتاب علي النعيمي


إلى جانب على النعيمي، جلس عبد الله العطية، وزير الطاقة والكهرباء والماء القطري سابقًا ونائب رئيس مجلس وزراء دولة قطر حاليًا، فقال: "طُلب مني يومًا أن أعطي رأي بالنعيمي، وأتذكر أنني أجبت قائلًا: هذا رجل نادر، لا يوجد كثير من أمثاله في العالم".
ردّ النعيمي راويًا حادثًا طريفًا جمعه بالعطية في أحد مؤتمرات دافوس، وقال: "سأل صحافي الوزير العطية عن سبب اجتماع أوبك ليوم واحد، بينما كانت الدول الأعضاء تجتمع أسابيع، فرد عليه بكل بساطة لأنني وعلي النعيمي اليوم في أوبك‘".&

&

حياته حافلة بالانجازات والتحديات
علي النعيمي... من البادية إلى حقول النفط

غادر بصمت
انتهى اللقاء، فوقع علي النعيمي كتابه الجديد «من الصحراء: رحلتي من البدو الرحل إلى قلب النفط العالمي» لكل فرد من الموجودين في القاعة، ثم غادرها بصمت يضجّ بالنفوذ، تاركًا كل ما فعله في حياته في أوبك لحكم التاريخ.

والكتاب هذا صادر عن دار "بورتفوليو بنغوين" للنشر في لندن، يتذكر فيه علي النعيمي حياته مرحلةً مهنية بعد أخرى، من طفل ينقل الرسائل بين مكاتب أرامكو إلى رئيس تنفيذي لأكبر شركة نفطية في العالم، إلى وزير للبترول والمعادن في السعودية.

في الكتاب، يقدم علي النعيمي نظرة نادرة إلى خبايا سياسة النفط وتوجهاتها، أي ما خفي حتى عن الخبير النفطي&والصحافي المطلع، وكواليس قرارات الطاقة في سوقها المتقلب. كما يرسم علي النعيمي صورة شبه متكاملة لتطورات مهمة في المنطقة والعالم عاصرها أو شارك في صنعها أو معالجتها، ولو ابتعدت عن النفط.​

&

من بدوي إلى صاحب منصب نفطي عالمي
النعيمي يلخص تجربته في كتاب يصدر في ديسمبر

&