بيروت: تخوض قوات سوريا الديموقراطية معركة لطرد تنظيم الدولة الاسلامية من الرقة، يقول محللون انها ستكون طويلة وصعبة مع شراسة "الجهاديين" في الدفاع عن معقلهم، وتضارب المصالح بين حلفاء واشنطن على الارض.

واعلن قياديون في التحالف الدولي وقوات سوريا الديموقراطية، التي تضم فصائل عربية وكردية اطلقت حملة "غضب الفرات" لطرد الجهاديين من معقلهم الابرز في سوريا، ان المعركة لن تكون سهلة وسريعة.

وأقر وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر الاحد بعد ساعات على اطلاق معركة الرقة "كما حدث في الموصل (العراق) فإن القتال لن يكون سهلا، وامامنا عمل صعب".

وفي تصريحات على الموقع الالكتروني لوزارة الدفاع الاميركية، يوضح قائد الجيوش الاميركية الجنرال جوزف دنفورد "قلنا دائما ان مرحلة عزل الرقة ستحتاج اشهرا".

ورجح المتحدث العسكري باسم قوات سوريا الديموقراطية طلال سلو بدوره لوكالة فرانس برس الاحد ان "المعركة لن تكون سهلة(..) كون تنظيم داعش سيعمد للدفاع عن معقله الرئيسي في سوريا، لادراكه ان سيطرتنا على الرقة تعني نهايته في سوريا".

ومني التنظيم المتطرف الذي تبنى تنفيذ اعتداءات دامية حول العالم حصدت مئات القتلى، بخسائر ميدانية بارزة في الاشهر الاخيرة. لكنه يواجه اليوم مع تصديه لهجومين يستهدفان ابرز معاقله في سوريا والعراق، اللحظات الاكثر حرجا منذ اعلانه "الخلافة" في مناطق سيطرته في البلدين صيف العام 2014.

وبعد خسارته مناطق عدة على الحدود التركية التي كان يستخدمها لعبور المقاتلين والسلاح، يستعد التنظيم اليوم لمعركة مصيرية حاسمة دفاعا عن الرقة التي يسيطر عليها منذ العام 2014.

وترجح تقديرات غربية وجود اكثر من عشرة آلاف من المقاتلين الجهاديين الاجانب مع افراد عائلاتهم في مدينة الرقة التي تشتبه اجهزة الاستخبارات الغربية بانها المكان الذي يخطط فيه التنظيم لتنفيذ هجمات خارجية.

"حتى آخر رمق"

ويقول الباحث المتخصص في الشؤون "الجهادية" رومان كاييه لوكالة فرانس برس "في الرقة، لا يملك الجزء الاكبر من المقاتلين الاجانب خيارا غير المواجهة حتى النهاية لان امكانية اجلاء النساء والاطفال معدومة او ضئيلة".

ويضيف "الرقة هي المدينة التي يوجد فيها العدد الاكبر من الجهاديين الاجانب في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية"، متوقعا انطلاقا من ذلك ان "يقاتلوا على الارجح حتى آخر رمق".

وتمكنت قوات سوريا الديموقراطية من التقدم لكيلومترات عدة منذ الاحد لكن الجهاديين يتصدون لهم باستخدام سلاحهم المفضل، السيارات المفخخة.

ويواجه التحالف الدولي بقيادة واشنطن، يشن منذ صيف 2014 ضربات جوية ضد الجهاديين في سوريا والعراق، تحديا عسكريا يتمثل بتزامن معارك الرقة والموصل، رغم اشارة مسؤولين وبينهم كارتر الى اهمية هذا التزامن.

وكان مسؤول عسكري اميركي كبير اعلن نهاية الشهر الماضي انه "سيكون من الصعب للتحالف اليوم تنسيق وتنظيم العمليات بين المعركتين وتوزيع وسائله الجوية بفاعلية" بين البلدين.

ولا تبدو معركة الرقة كذلك على المستوى الدبلوماسي سهلة مع ضلوع اطراف سورية ودولية متضاربة المصالح في النزاع.

"خليط من القوى"

وأقر المبعوث الخاص لقوات التحالف الدولي بريت ماكغورك الاحد في عمان بأن "ظروف العمل في سوريا معقدة" مع وجود "خليط من القوى في الميدان والعديد من تلك القوى لا تلتقي وجها لوجه لكنها تشترك في كون عدوها واحدا ولا يزال مميتا".

ورغم ان فصائل عربية عدة منضوية في صفوف قوات سوريا الديموقراطية التي تأسست منتصف اكتوبر 2015، الا ان وحدات حماية الشعب الكردية تشكل عمودها الفقري.

وتضم هذه الفصائل 30 الف مقاتل ثلثاهما من الاكراد.

وتعد واشنطن المقاتلين الاكراد بمثابة القوة الاكثر فاعلية في التصدي للجهاديين في سوريا بعدما كبدتهم خسائر عدة وهي تمدهم بالدعم العسكري واللوجيستي وتوفر الغطاء الجوي لعملياتهم. 

ويثير هذا التحالف الاميركي الكردي مخاوف انقرة التي تخشى إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها.

واوضح الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير اوغلو ان "الاكراد وافقوا على القيام بهذه العملية لحماية الاراضي التي يسيطرون عليها" من جهة، ولكي "يظهروا للعالم انهم القوة الرئيسية القادرة على الحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية".

واعلنت قوات سوريا الديموقراطية انها عقدت "اتفاقا" مع التحالف الدولي، يقضي باستبعاد اي دور لتركيا في معركة الرقة. 
لكن مسؤولين اميركيين اعلنوا انهم سيناقشون تباعا مع حلفائهم وبينهم تركيا، المراحل اللاحقة من الهجوم.

ولا تبدو المعارضة السورية المدعومة من انقرة راضية من جهتها عن الهجوم. ويقول رئيس الدائرة الاعلامية في "الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية"، ابرز تشكيلات المعارضة، احمد رمضان لوكالة فرانس برس "نعتبر أن عملية تحرير الرقة من تنظيم داعش يجب أن تكون في ظل الجيش السوري الحر وبدعم من تركيا وقوات التحالف العربي والدولي".

تحصين المواقع

في قرية ابو علاج التي تشكل خطوط الجبهة الخلفية في معركة الرقة، يستخدم عناصر من قوات سوريا الديموقراطية جرافات لحفر الخنادق ويعمل آخرون على اقامة سواتر ترابية لحماية قرى سيطروا عليها من السيارات المفخخة.

وغداة طرد تنظيم الدولة الاسلامية من هذه القرية الصغيرة ذات الشوارع الرملية والمنازل الطينية المدمرة، ينهمك مقاتلون في صفوف قوات سوريا الديموقراطية في تحصين مواقعهم الجديدة.

وتعمل جرافات صفراء اللون على حفر الخنادق في محيط القرية في حين يتولى مقاتلون اقامة سواتر ترابية. 

ويشرح احد مقاتلي قوات سوريا الديموقراطية لوكالة فرانس برس "نقوم بحفر الخنادق في المناطق التي تتقدم فيها قواتنا منعا لتسلل عناصر داعش بسيارتهم المفخخة". 

ومنذ بدء عملية الرقة مساء السبت، حققت قوات سوريا الديموقراطية التي تضم فصائل عربية وكردية تقدما على حساب الجهاديين بغطاء جوي من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وتقدمت قوات سوريا الديموقراطية، وفق جيهان شيخ احمد المتحدثة باسم حملة "غضب الفرات" 12 كلم من محور بلدة سلوك (80 كلم شمال الرقة) و11 كلم من محور بلدة عين عيسى (50 كلم شمال الرقة).

وتبعد ابوعلاج عدة كيلومترات جنوب بلدة عين عيسى.

واعتاد تنظيم الدولة الاسلامية على اللجوء الى استراتيجية السيارات المفخخة والالغام لاعاقة تقدم خصومه بدلا من خوض معارك مباشرة.

ويشرح المتحدث باسم قوات سوريا الديموقراطية طلال سلو لفرانس برس "جميعنا يعرف الاسلوب الذي يتبعه تنظيم داعش الارهابي، لذلك من المؤكد ان تكون هناك حفر خنادق بشكل مستمر لتحصين الاماكن التي يتم تحريرها".

ويضيف "بعد كل عملية تحرير للقرى والمزارع، تتخذ قواتنا اجراءات احترازية من ضمنها حفر الخنادق تجنبا لاستهدافها من قبل السيارات المفخخة".

وفي غضون 24 ساعة، احصت حملة "غضب الفرات" ارسال الجهاديين سبع عربات مفخخة على الاقل من دون ان تبلغ اهدافها. 

استراحة مقاتل

وفيما تخلو قرية ابو علاج من السكان، تمر عربات قوات سوريا الديموقراطية مسرعة في شوارعها الترابية وعلى متنها مقاتلون باتجاه مناطق الاشتباكات. 

وتشكل القرية استراحة للمقاتلين العائدين منهكين من الجبهة والغبار يغطي ثيابهم ووجوههم. يجلس اثنان منهم على الارض يسندان ظهرهما الى حائط منزل قديم والى جانبهما بندقية. 

ويتجول مقاتلون آخرون بين الركام، بعضهم يضع على رأسه شالا كرديا تقليديا ملونا وآخرون يلفون وجوههم بشالات سوداء او بنية اللون.

وعلى مقربة منهم، يقف احد المقاتلين على تلة صغيرة من الانقاض، يحمل بندقيته ويراقب عن بعد اعمدة الدخان المتصاعدة من مكان غير بعيد.

وفي اجواء القرية، تحلق ومن دون توقف طائرات التحالف الدولي التي تعمل على رصد تحركات الجهاديين وسياراتهم المفخخة تمهيدا لاستهدافها.

وبعدما تقصف طائرة هدفا لتنظيم الدولة الاسلامية، تتصاعد اعمدة من الدخان الاسود من الممكن رؤيتها بوضوح من القرية التي تصل اليها اصداء الاشتباكات بين الطرفين.

يضع ابو يزن (38 عاما)، قائد لواء ثوار تل ابيض المشاركة في هجوم الرقة، على رأسه كوفية بيضاء وسوداء اللون تقيه حرارة الشمس. 

يقف بلباسه العسكري فوق انقاض احد المنازل المدمرة، ويقول لفرانس برس "نظفنا هذه المنطقة البارحة، وفي هذه القرية كانت هناك سيارات مفخخة لداعش حاولت الهجوم علينا قبل ان تنفجر، واخرى حاولت التقدم نحونا الا ان الطائرات استهدفتها وفجرتها".

وتابع بحماس "خلال ايام ان شاء الله سنقطع الطريق الى الرقة".

وفي عربة عسكرية، يتنقل المقاتل في صفوف قوات سوريا الديموقراطية فاضل ابو ريم (40 عاما)، مشيرا بيده الى المناطق التي طرد التنظيم المتطرف منها مؤخرا. 

ويضيف ان "محور جبهتنا من عين عيسى باتجاه تل السمن (26 كلم شمال الرقة) هذا هو خط جبهتنا في حملة غضب الفرات لتحرير محافظة الرقة".