دبي: في عام 1950 عندما اصدر المعتمد السياسي البريطاني تقريرًا حول الوضع المالي في دبي وبدء مشاريع البنية التحتية في الإمارة، قال فيه إن الحاجة الأكثر إلحاحاً هي إقامة نوع من الجسر العائم أو الثابت عبر الخور لوصل جانبي المدينة، وهي ذاتها الطريق الحالية التي تدور حول رأس الخور وطولها 20 ميلاً لتدور حول منطقتي بر دبي وديرة وتصل بينهما، وذلك قبل بناء جسور تربط الضفتين.

شرايين المستقبل بدأت منذ 1959

قناة دبي المائية

وقد أجرى الراحل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في ذلك الوقت عدة اتصالات مع شركة "هول واي" حول هذه المسألة، وبأن هناك حاجة إلى طريق عريضة على جانبي الخور لتشكل شرايين للتنمية المستقبلية إذ ما ارتفعت العائدات نتيجة لاستغلال النفط وطرق البازار الحالية "السوق" ضيقة للغاية وغير كافية مطلقًا للاحتياجات الراهنة، موضحًا انه يجب النظر في إمكانية توريد جرافات بحرية صغيرة لتحسين مدخل الخور بما يسمح لأكبر السفن المحلية بالدخول في جميع أحوال المد والجزر.

وفي عام 1959 بدأ مشروع تعميق خور دبي كأول مشروع تاريخي لانطلاق دبي نحو العالمية.

&وذكر التقرير بعض مقتطفات من الوثائق التاريخية حول تاريخ دبي الاقتصادي منذ انطلاقته الأولى، وقد التقى المعتمد السياسي البريطاني بدعوة من الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، كبار تجار دبي في قصر الحاكم في 20 يوليو 1955، وبحث معهم مشكلة جمع المال اللازم لعملية تطوير خور دبي.

كما نوقشت مقترحات الشيخ راشد بتحسين الإدارة في دبي فضلاً عن مقترحات لتمويل هذه التحسينات وكخطوة أولى أعيد تنظيم جمارك دبي وتولى البنك البريطاني للشرق الأوسط في ذلك الوقت نيابة عن الحاكم قبض جميع المستحقات على البضائع المشحونة بموجب بيانات وتتراوح بين 80-90% من المجموع.

الشيخ راشد يقترض 430 ألف روبية لتعميق الخور

اول ميزانية تاريخية لحكومة دبي ومن بينها ميزانية توسيع الخور

وقد ذكر المعتمد السياسي البريطاني بي. ايه. ار. باروز أن قائمة المشتركين في حساب مرفأ دبي قد اكتملت بصورة رسمية في 30 نوفمبر عام 1955 بمبلغ 430 ألف روبية، وقد جمع هذا المبلغ كقرض على 10 سنوات لتعميق خور دبي.

وقد أودع الشيخ راشد لدى البنك البريطاني أمرًا مصرفيًا بدفع مبلغ شهري قدره 40 ألف روبية لتسديد القرض الخاص بخور دبي.&

وفي عام 1958 صدرت ميزانية حكومة دبي المالية التي كانت تحتوي على الانفاق والرواتب وغيرها بمجموع 20 مليونًا و5000 روبية، انفق منها على مشروع تعميق خور دبي مبلغ 480 ألف روبية وبقية النفقات تم توزيعها على قطاعات المجتمع المختلفة من بناء مستودعات ومكاتب جديدة ومحكمة ومستشفى والمطار ومحطة الطاقة الكهربائية والتعليم والشرطة. وقد بلغت تكلفة إنشاء وتطوير قناة دبي المائية التي تم افتتاحها امس نحو مليارين و700 مليون درهم.

فكرة أسطورية

بدأت الفكرة الأسطورية لشق قناة دبي المائية التي كان يحلم بها باني نهضة دبي الحديثة الشيخ محمد بن راشد منذ بداية التسعينيات، وعندما جرى تعيينه كولي لعهد دبي بدأت الثورة العمرانية السياحية تنطلق في دبي، ويمكننا القول إن الأزمة المالية العالمية التي ضربت اقتصادات العالم في عام 2008 قد أثرت بشكل إيجابي على دبي تحديدًا، وغيّرت مسار اقتصاد الإمارة ومشاريعها لتكون إمارة سياحية وتجارية في المقام الأول.

وقد قامت حكومة دبي بإرساء مشروع القناة الذي يمتد على مسافة 12 كيلومترًا لأربع شركات بالإمارة، إذ قامت بإعطاء شركة دبي القابضة مساحة 9 كيلومترات من القناة واعطاء 3 كيلو لكل من شركات ار تي ايه ومراس وميدان.

تغيير البروتوكول التاريخي

وقد انتقد بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي الشهير "تويتر" قيام هيئة الطرق والمواصلات في دبي بافتتاح القناة أمس من الجهة الشمالية من ناحية جميرا، قائلين لماذا لم يتم افتتاحها من الجهة الجنوبية وفق ما كان متبعاً تاريخياً من الجنوب للشمال وليس من الشمال للجنوب، كما كان يتم عبر يخت زعبيل التاريخي الذي كان ينطلق من الجنوب للشمال، حيث بدأ الراحل راشد بن سعيد وحيث أكمل محمد بن راشد؟. وأضافوا انه ليس معنى أن هيئة الطرق والمواصلات ومديرها هم راعون الحفل أن تقوم بتغيير البروتوكول التاريخي لافتتاح خور دبي عند أي تعميق أو توسيع له، مع أن حفل افتتاح القناة كان ناجحًا وابهر العالم .

تحدي المرموم والنخلة&

الشيخ محمد بن راشد والشيخ حمدان بن محمد لدى افتتاح القناة

وقال الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي في جلسة خاصة مع الإعلاميين في شهر رمضان قبل الماضي "نحن دائما نتحدى المستحيل، فعندما قال لنا خبراء البيئة أن منطقة المرموم لا يمكن أن يعيش فيها إنسان ولا حتى الضب أو العقرب اللذان يمكنهما العيش في الجفاف الصحرواي، قررت أن أوجد الحياة هناك كعنوان للتحدي، فبنيت استراحة محاطة بجميع أشجار الفواكه التي كنا نحلم أن تزرع في وطننا عندما كنا نراها في سفرياتنا الخارجية في القرن الماضي، وأصبحت تلك المنطقة مكانًا محببًا إلى قلوبنا وغرسنا فيها ما كنا نحلم به من وجود شتى أشجار الفواكه".

وأضاف "قالوا لنا أيضًا هؤلاء الخبراء إن مشروع جزيرة النخلة لن ينجح، ولن تكون هناك حياة بحرية بيئية محيطة به، لكننا قبلنا التحدي ونجحنا.. والآن أيضا ننجح مع قناة دبي المائية التي قال عنها الخبراء أنها ستضر بالبيئة، ولكنها على العكس أصبحت صديقة للبيئة ونافعة لها".

قناتا دبي والسويس.. الخبراء وفتاوى المتشددين

ويذكرنا تشاؤم الخبراء بإمكانية نجاح مشروعات دبي بالفتاوى التي أطلقها بعض من يطلقون على أنفسهم علماء دين، تحت مسمى الفتاوى المتشددة، التي ظهرت في عصر الخديوي إسماعيل، حيث تعرض الخديوي إسماعيل عند قيامه بحفر قناة السويس لهجمة شرسة من بعض الفتاوى الدينية من أن هذا العمل حرام من باب تغيير الجغرافيا في الأرض.
&