إيلاف من مراكش: ينتظر أن يمر يوم السبت، بمراكش، حافلاً، على أكثر من صعيد. ففي قرية "باب إيغلي" ستتواصل فعاليات مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، في يومها السادس، والتي تتواصل إلى غاية 18 نوفمبر الجاري، بحضور أكثر من 30 ألف مشارك، من نحو 196 دولة، فيما ينتظر أن تجري، بداية من الساعة الثامنة بالتوقيت المغربي، مباراة في كرة القدم بين منتخبي المغرب وكوت ديفوار، في إطار الإقصائيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم بروسيا، بشبابيك مغلقة، بحضور أكثر من 40 ألف متفرج.
وبين الملعب الكبير لمراكش وقرية مؤتمر (كوب 22)، تواصل مراكش جذبها للآلاف من الزوار والسياح، من كل العالم، ممن تغص بهم شوارع محمد السادس وجليز وساحة جامع الفنا، بشكل خاص، رابطين نهار المدينة بليلها.

جانب من النقاش بمؤتمر مراكش

وفيما تبقى مباراة المغرب وكوت ديفوار مجرد لقاء رياضي يحتمل الهزيمة والانتصار أو التعادل، على أمل التأهل إلى نهائيات كأس العالم بروسيا، المقررة في 2018، من دون أن يعني ذلك نهاية العالم، بالنسبة للخاسر، مادام أن الرياضة تقوم، في مضمونها النبيل، على التنافس الشريف وتقبل النتيجة كيفما كانت، من دون تعصب، فإن لقاء مراكش، حول المناخ، يضع أمام البشرية خياراً واحداً يتمثل في الانتصار، لا أكثر ولا أقل، عبر أجرأة وتفعيل "اتفاق باريس"، وذلك حتى تتجاوز الإنسانية "كارثة مناخية محققة"، على حد وصف كل من باتريسيا سبينوزا، الأمينة التنفيذية للاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية، وصلاح الدين مزوار، رئيس مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، في دورته الثانية والعشرين.

عربات مجرورة .. في مراكش

جانب من أشغال مؤتمر المناخ بمراكش

كل شيء في مراكش ينقل لمؤتمر المناخ ويعبر عنه. فالمدينة، التي تتأنق باستمرار، آخذة بعين الاعتبار توجهها السياحي، وجدت في هذا الحدث العالمي فرصة لمزيد من التأنق والتجمل: تركيز للأضواء، رواج اقتصادي، ومجالات خضراء تأتي لتنضاف إلى عشرات الحدائق والمساحات الخضراء، فيما تسترعي العربات المجرورة الانتباه، كما لو أنها وجدت في مؤتمر المناخ فرصة للثأر والتشفي في وسائل النقل الحديثة التي أغرقت العالم في ضجيجها ودخانها، فيما تنقل (العربات المجرورة) دعوة للتخلي عن السيارات الخاصة وسيارات الأجرة، الصغيرة والكبيرة، وحافلات النقل العمومي، بشكل يخفف من تداعيات التغيرات المناخية.

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها

لأن الإنسان هو أصل المشاكل، كما أنه، للمفارقة، "حلال" المشاكل، أيضاً، فقد حرص المسؤولون بمراكش، وهم يهيئون مزيداً من الحدائق والمساحات الخضراء، بمختلف أرجاء المدينة، على أن يرافقوا كل شجرة أو نبتة يتم غرسها، بغرس لوحات تحسيسية، تدعو الناس إلى الاعتناء بالمجال الأخضر، ومن ذلك أن نقرأ في لوحات رفعت داخل عدد من المساحات الخضراء: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها"، أو "ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"، أو "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، أو "إن الله جميل يحب الجمال"، أو "لا تسرفوا في الماء ولو كنتم على نهر جار"، أو "ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين".

رئيس جديد في واشنطن .. "صدمة" في مراكش

مشاركون في مؤتمر المناخ بمراكش

خيم فوز دونالد ترامب في الرئاسيات الأميركية على أشغال رابع أيام مؤتمر المناخ بمراكش. بدا الأمر، بالنسبة لكثير من المشاركين، في مؤتمر أريد له أنه يكون للفعل وأجرة "اتفاق باريس"، كما لو أنهم يصيحون في واد، وهم يستحضرون مواقف الرجل، إبان الحملة الانتخابية، والتي تعهد فيها بإعادة النظر في التزامات بلاده بخصوص "اتفاقية باريس"، إذا ما فاز في الانتخابات الرئاسية؛ بل وصف المخاوف والأرقام المتعلقة بالتغيرات المناخية بـ"الخدعة". لذلك، سارع مزوار، عشية نفس اليوم، إلى تهنئة ترامب، مع تضمين ذلك، تشديداً على أن "قضية تغير المناخ تهم المحافظة على سبل البقاء وعلى كرامتنا وعلى الكوكب الوحيد الذي نعيش فيه جميعاً"، قبل أن يختم كلامه، بالقول: "نحن مقتنعون أن جميع الأطراف سيحترمون التزاماتهم وسيمضون في نفس الاتجاه في إطار هذا الجهد الجماعي والمطرد".

في قرية مؤتمر المناخ

ينظم (كوب 22) في قرية المؤتمر بـ"باب إيغلي"، التي أعدت لاستقبال نحو 30 ألف مشارك، من نحو 196 دولة. وهي تتشكل من منطقتين: "المنطقة الزرقاء" و"المنطقة الخضراء".

عربات مجرورة .. وجدت في قمة المناخ بمراكش تأكيداً لأهميتها

وفيما تحتضن "المنطقة الزرقاء" الجانب الرسمي لأشغال المؤتمر، تشكل "المنطقة الخضراء" فضاء لتبادل الآراء بين الفاعلين غير الحكوميين، المعنيين بمحاربة آثار التغيرات المناخية، في وقت اكتست فيه المدينة الحمراء حلة تليق بحدث يبدو مصيرياً، بالنسبة للكون والبشرية، على حد سواء.

وتحتضن "المنطقة الزرقاء"، التي تديرها الأمم المتحدة، الاجتماعات الرسمية والمفاوضات؛ وجرت أشغال تهيئتها في احترام صارم للبروتوكول الأممي. فيما أعدت "المنطقة الخضراء" لاستقبال ممثلي المقاولات المغربية والعالمية، علاوة على المؤسسات المغربية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.

وأخذاً بعين الاعتبار الجانب الكمي والنوعي للمشاركين في المؤتمر، فقد تم توفير جملة من التسهيلات والخدمات، من أجل ظروف عمل أكثر راحة.



مبادرات أفريقية لمواجهة التغيرات المناخية

ريني هيغويتا، الحارس السابق لمنتخب كولومبيا لكرة القدم، داخل قرية مؤتمر المناخ بمراكش

شكل المؤتمر فرصة أمام عدد من الدول الأفريقية لعرض مجهوداتها في مجال المناخ، حيث جهز الرواق الأفريقي بشاشات عملاقة تعرض مقاطع فيديو لقضايا مناخية ذات صلة بالصحاري والمحيطات والغابات بالقارة، مع تنظيم ندوات، بمشاركة خبراء أفارقة، لمناقشة قضايا تتعلق بالمناخ والتنمية وتبادل الخبرات. وفي هذا السياق، شاركت كل من تونس وإثيوبيا، مثلاً، في تنظيم لقاء مع ممثلين ألمان، لإبراز دور الشراكة ثلاثية الأطراف في تحقيق تحول نحو اقتصاد منخفض الكربون بهدف تعزيز الجهود الرامية لمواجهة آثار التغيرات المناخية. كما قامت السنغال بإبراز جهودها في مجال محاربة التصحر وتعزيز دور أفريقيا الأخضر، فيما ينتظر أن يشهد الرواق الأفريقي أنشطة أخرى، تتعلق بتمويل المشاريع المناخية وتخفيض الانبعاثات الصادرة عن الطيران المدني.

وتكتسي القارة الأفريقية أهمية خاصة خلال مؤتمر مراكش، وهو ما عبر عنه كل من سيغولين رويال، رئيسة (كوب 21)، وصلاح الدين مزوار، رئيس المؤتمر الحالي، خلال الجلسة الافتتاحية، حيث ركزت رويال كلامها على القارة السمراء، فقالت عنها إنها "أكثر المناطق معاناة بفعل التغيرات البيئية التي تحصد في كل سنة العديد من الوفيات"، مشددة على أن "ارتفاع سكان أفريقيا إلى مليارين، في 2050، يجعل من المستعجل اتخاذ إجراءات ملموسة للحد من مخاطر التغيرات المناخية"، فيما اعتبر مزوار تنظيم (كوب 22) بأرض إفريقية "ترجمة لانخراط قارة بأكملها للمساهمة في المجهود العالمي من أجل المناخ، وتأكيد على عزمها على تحديد مصيرها بنفسها للتقليص من هشاشتها وتعزيز قدراتها على التحمل".

تعبئة في "المنطقة الخضراء"

ابتكارات وحلول في "المنطقة الخضراء" بقرية مؤتمر المناخ بمراكش

تمت برمجة مجموعة من الأنشطة الموازية، بـ"المنطقة الخضراء"، تشمل معارض، ندوات وفضاءات لاستعراض مختلف المبادرات التحسيسية، غايتها فسح المجال أمام المشاركين للتعريف بتجاربهم وتقاسمها، وتعزيز وإطلاق المبادرات الرامية لحماية المناخ.

وتعبأت أزيد من ثلاثة آلاف هيئة مختلفة، تتوزعها منظمات غير حكومية وجمعيات وجامعات وجماعات محلية ومراكز بحث وهيئات عمومية ومقاولات، من أجل المناخ، لاستقبال 30 ألف مشارك بفضاء "المجتمع المدني" وفضاء "ابتكارات وحلول"، داخل "المنطقة الخضراء".

فن .. للتحسيس بالتغيرات المناخية

يركز فضاء "المجتمع المدني" على النقاش والحوار، حيث يلتقي فيه المجتمع المدني، الأكاديميون والجماعات المحلية( البلدية) ، بغية إتاحة الفرص أمامهم للتعريف بمبادراتهم المتعلقة بالتغيرات المناخية وعواقبها. فعلى سبيل المثال، يكون الزائر مع معرض "صورة من أجل كوكبي"، الذي تنظمه وزارة الثقافة المغربية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، بمشاركة 23 فناناً، بينهم 15 فناناً مصوراً، و8 مصورين هواة، يقدمون أعمالاً فنية في موضوع انعكاسات التغيرات المناخية على الإنسان والبيئة".

زراعة عضوية .. لمواجهة التغيرات المناخية

جانب من النقاش في مؤتمر المناخ

نظمت فيدرالية مهنيي الزراعة العضوية بالمغرب حلقية نقاش، تم خلالها تسليط الضوء على دور الزراعة العضوية في الحد من التغيرات المناخية. وخلال هذا النشاط، الذي احتضنه "فضاء المجتمع المدني" بـ"المنطقة الخضراء"، تطرق رئيس الفدرالية العالمية لحركات الزراعة العضوية، أندري ليو، إلى ضرورة الإسراع في النهوض بالزراعة العضوية من أجل المساهمة في التصدي للتغيرات المناخية. واستعرض، في هذا الصدد، مجموعة من مزايا تقنيات الزراعة العضوية التي "تمكن من التصدي للتغيرات المناخية عن طريق تخزين غاز ثاني أكسيد الكاربون في الأرض وتحوله إلى مادة عضوية،" مضيفاً أنه "باستطاعة الزراعة العضوية تخزين حوالي 3،5 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في الهكتار الواحد سنوياً".

وفي السياق ذاته، دعا رئيس فيدرالية مهنيي الزراعة العضوية بالمغرب الحكومة المغربية إلى تشجيع الزراعة العضوية وأخذها بعين الاعتبار عند صياغة البرامج الرامية لمواجهة آثار التغيرات المناخية.

ابتكارات وحلول .. في "المنطقة الخضراء"

يقترح فضاء "ابتكارات وحلول" مبادرات من فاعلين في القطاع العمومي، إلى جانب بعض الجامعات ومراكز البحث والمقاولات، بهدف تحسيس الجمهور العريض بالإشكاليات المناخية والتدابير المتخذة للتخفيف من حدة الاحتباس الحراري، حيث نكون مع 140 مقاولة عارضة، قدِمت من مختلف دول العالم للمشاركة والتعريف بأعمالها.

ويتم التطرق، داخل "المنطقة الخضراء"، كل يوم، لموضوع مختلف، على غرار مواضيع الشباب، الغابات، الولوج للماء، الزراعة، وغيرها.

نجوم كرة قدم سابقون .. في الموعد

قام وفد من نجوم كرة القدم العالمية، يقوده أبيدي بيلي، اللاعب الغاني الشهير، بزيارة لقرية المؤتمر، حيث عبروا عن دعمهم غير المشروط لقضية المناخ ومحاربة التغيرات المناخية.

وفي تصريح عن قضية المناخ، أكد اللاعب الغاني أن للرياضيين دور مهم في التحسيس حول قضايا نبيلة، مثل محاربة آثار التغيرات المناخية. أما ريني هيغويتا، الحارس السابق لمنتخب كولومبيا، فأبرز، من جانبه، أهمية التحام واتحاد البشرية ككل للعمل ضد آفة التغيرات المناخية التي تمس جميع بلدان العالم.