خاص بـ"إيلاف" من لندن: تتابع "إيلاف" قراءتها كتاب علي النعيمي "من الصحراء: رحلتي من بدوي متنقل الى مركز النفط العالمي"، الذي سرد فيه مذكرات تمثل تأريخًا ذاتيًا لحوادث شكّلت عصره في الساحة النفطية العالمية. وهنا القراءة الرابعة والأخيرة.

إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء»

إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء» (١)
هكذا صرفت أرامكو الوزير علي النعيمي
إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء» (2)
النعيمي رجل التحديات ومعاصر الأزمات
إيلاف تقرأ الكتاب الحدث «من الصحراء» (3)
أراد النعيمي الراحة فعيّنوه وز

مبادرة الغاز
في الفصل الخامس عشر، يقول النعيمي في كتابه: "بعد أقل من عامين من تعييني وزيرًا للبترول في عام 1995، انهارت أسعار النفط. في عام 1997، سألني الأمير بندر سفير السعودية في واشنطن كيف يمكن استعمال النفط لتقوية العلاقة الأميركية السعودية؟ قلت له يجب أن يتحدث مع بيتر بيجور الرئيس التنفيذي لشركة تكساكو آنذاك الذي قال عليكم فتح السعودية أمام الشركات. وكان رأيي أن على الولايات المتحدة أن توافق على السماح لنا بالعمل في مجالات وأنشطة التوزيع والبيع داخل الولايات المتحدة، أي ما يسمى عمليات داون ستريم في أميركا ذاتها. لكن الشركات العالمية تريد الدخول في مشروعات النفط والغاز الأولية السعودية أي عمليات الاكتشاف والانتاج أو ما يسمى آب ستريم".

من وجهة نظر النعيمي، آرامكو السعودية أكثر من قادرة على تطوير مصادر الثروة النفطية واستغلالها، والسعودية ليست بحاجة إلى شركات أميركية ودولية، "إنها مسآلة كبرياء بالنسبة إلينا، فلماذا نسمح لشركات أجنبية أن تجني ارباحًا على حسابنا؟".

يتابع: "اتفقنا أن أي استثمار لشركات دولية يجب أن يكون مرتبطًا ببناء البنية التحتية الحيوية التي تحتاجها الممكلة، وهذا اصبح يعرف بمبادرة الغاز، وتم اختيار 8 شركات للمشاركة في 3 مشروعات أساسية بقيمة 25 مليار دولار. وأخذت اكسون موبيل الدور القيادي في مشروعين".

في نظر النعيمي، هذه الشركات الدولية غير واقعية في مطالبها لدرجة الطمع لأنها تطلب ضمانات بعائد سنوي بين 18 و20 في المئة، "ونحن لا نقدر أن نضمن اكثر من 10 إلى 12 في المئة. وربما كنت الصوت الوحيد على المستوى الوزاري اجادل ضد مطالب الشركات".

حاول السيد لي ريموند رئيس مجلس ادارة إكسون موبيل الأميركية العملاقة استغلال علاقته بوزير الخارجية سعود الفيصل للحصول على شروط أفضل. طلب مني الأمير سعود الفيصل أن اذهب وفريقي التفاوضي إلى كاليفورنيا لمقابلة ريموند. في اللقاء، قلت له: "تريدون الاستفادة بطريقة غير عادلة".

ويختم: "في نهاية المطاف، منحنا الشركات الأجنبية مشروعات اكتشاف الغاز وإنتاجه. وشمل المشروع شركتي شل وتوتال. كما دخلت أرامكو السعودية في مشروعات مشتركة مع لاك اويل الروسية وساينوبيك الصينية وايني الايطالية وريبسول الاسبانية، وجاءنا دعم غير مشروط من ولي العهد الأمير عبدالله".

 


لا يمكنها خفض الإنتاج وحدها
علي النعيمي: طريق أوبك مفروشة بالمصاعب

إن شاء الله
في الفصل السادس عشر، يتحدث النعيمي عن تصادم الثقافات، فيذكر كيف أخذ اليابانيون كلمة إن شاء الله من الملك على انها موافقة رسمية، ما خلق ارتباكًا في صفوف مسؤولي أرامكو والشركة اليابانية. فيبدو أن رئيس الوزراء الياباني آنذاك ميزو أوبوشي تحدث سابقًا مع الملك، وعندما قال له الملك "ان شاء الله" فهمها رئيس الوزراء الياباني انها موافقة رسمية لمنح شركة نيبون أويل حقوق امتيازات في مجال النفط في السعودية.

زار النعيمي واشنطن في أبريل 2001 وعقد اجتماعًا مع ديك تشيني، وزير الدفاع الاسبق والرئيس التنفيذي لشركة هاليبيورتون، وناقشا الحاجة إلى زيادة الانتاج النفطي في ظل انفجار فقاعة الدوت كوم (فقاعة الإنترنت أو تكنولوجيا المعلومات)، وكانت فقاعة اقتصادية امتدت بين 1995 و2000. في هذه الفترة، نمت اسواق البورصة في الدول الصناعية إلى مستويات غير عادية في الصناعات المتعلقة بالإنترنت قبل أن تنهار وتنفجر وتسبب خسارات فادحة للشركات والأفراد المساهمين في تلك الشركات.
يشير النعيمي إلى أن وزير الطاقة الأميركي الأسبق سبينسر ابراهام قال إن السعودية حليف قوي وعضو هام في اوبك، "فعدت إلى السعودية متفائلًا بأن إدارة الرئيس بوش ستكون حليفة جيدة لبلادنا".
وكانت الصاعقة في 11 سبتمبر 2001، والهجمات التي نفذها عناصر من القاعدة، أغلبيتهم من أصل سعودي. هبطت اسعار النفط دون 20 دولارًا ووافق اعضاء أوبك على أن هناك حاجة لتخفيض الانتاج، وكنا مصرين على أن يشارك المنتجون خارج اوبك في هذا التخفيض، فوافقت النرويج والمكسيك وروسيا.
ويروي النعيمي أن ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله زار الرئيس الأميركي بوش في مزرعته في تكساس، فاستقبلته في المطار مجموعة من المسنين الأميركيين من ذوي الشعر الأبيض، في سبعيناتهم وثمانيناتهم. ما أتوا احتجاجًا على الزيارة بل قدموا لولي العهد ورودًا وزهورًا وهدايا. وتبين أنهم موظفون متقاعدون عملوا في شركة آرامكو، الأمر الذي أثلج صدر ولي العهد، وكان مشهدًا يدفئ القلوب.
في عام 2004، تعافى الطلب العالمي وتقلص المعروض فارتفعت اسعار النفط إلى ما فوق 50 دولارًا للبرميل. وفي أول اغسطس 2005، نعت المملكة وفاة الملك فهد الذي كان سلّم مقاليد السلطة لولي عهده قبل سنوات.
وبعد اعصار كاترينا، أغلقت الآبار والمصافي والمنشأت في خليج المكسيك وارتفع سعر النفط إلى 70 دولارًا. ويقول النعيمي أن كل نظريات نضوب النفط او الاستغناء عن النفط اثبتت انها خاطئة.

بمناسبة صدور كتابه الأخير
علي النعيمي في ضيافة معهد تشاتهام هاوس

صعبٌ ومصرّ
في الفصل السابع عشر، يتحدث النعيمي عن حلم بناء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية الذي تحقق بين عامي 2006 و2009. فالملك عبدالله حقق حلمه في تأسيس جامعة مرموقة مميزة، وهذا المشروع مهم ومثير للنعيمي شخصيًا.
هناك جامعات عديدة في السعودية لتلبية حاجة الطالب التعليمية، لكن الملك عبدالله أراد جامعة من طراز "بيت الحكمة" المعاصر. وأخذت ارامكو على عاتقها تشييد الجامعة والبنية التحتية اللازمة. وتمت الاستعانة بمؤسسات بحوث ودراسات ومتقاعدين في مجال التعليم الجامعي وحصلت زيارات إلى جامعات عريقة مثل كامبريدج في بريطانيا وستانفورد وبيركلي في الولايات المتحدة. وبحسب رؤية الملك عبدالله، يجب أن تكون الجامعة مركزًا تعليميًا لاجتذاب الطلبة النابغين والاساتذة المرموقين، اي أن تكون مجتمعًا أكاديميًا رفيع المستوى.
في اكتوبر 2007، بدأت ارامكو السعودية بناء الأساسات للجامعة وأقيم احتفال كبير حضره الملك عبدالله و1500 شخصية هامة ولم يكن من حاجة للانتظار حتى اكمال عمليات البناء العمراني قبل البدء في النشاط الاكاديمي.
وقع الملك توجيهًا لتخصيص 10 مليارات دولار في حساب الجامعة من ايرادات آرامكو وتبين أن هذا المبلغ غير كاف. وذهب النعيمي إلى الملك ليطلب 10 مليارات دولار اضافية، فقال له الملك: "انت رجل صعب شديد الاصرار"، ووافق.
بدأت حملة مكثفة مدروسة لتجنيد اكاديميين وقادة جامعات من مختلف انحاء العالم، وكان تحديًا ضخمًا من النوع الذي يجلب الرضى والسرور.

 


علي النعيمي الخارج من أوبك: كنت مخطئًا
لقطات مثيرة من كتاب «من الصحراء»‎


السعودية تحت الضغط
في الفصل الثامن عشر من الكتاب، يتذكر النعيمي تخصيص ميزانيات ضخمة لبناء مدن جديدة وصناعات ومشروعات مشتركة مع سوميتومو اليابانية وشركة دو كيميكل الأميركية العملاقة للكيماويات في اطار تطوير التصنيع البتروكيماوي وتنويع الاقتصاد، وكذلك مشروعات ضخمة في الجبيل. كانت أسعار النفط مرتفعة، نحو 103.95 دولارات في 3 مارس 2008.
كالعادة، مورست الضغوط الدولية على السعودية لتقوم بعمل ما لتخفيض الأسعار. وزار الرئيس جورج بوش ووزير دفاعه ديك تشيني السعودية في اواسط يناير 2008. ما أثار استغراب النعيمي هو جهل قادة اوروبا وأميركا بميكانيكيات السوق النفطي، وقال إنهم يحتاجون إلى دروس ليعلموا كيف تعمل اسواق النفط على واقع الأرض وليس كما يتحدث المنظرون. يطلبون من السعودية زيادة الانتاج كي تتوقف الأسعار عن الارتفاع، لكنهم ليسوا على استعداد لشراء النفط الاضافي الذي سننتجه.
عندما طلب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق غوردون براون أن تقوم السعودية برفع الانتاج سأله النعيمي هل لديكم استعداد لشراء الكميات الاضافية؟ قال براون لا.
أعلنت السعودية انها سترفع الانتاج بحدود 200 ألف برميل يوميًا إلى 9.7 ملايين برميل، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981.
تغير العالم مع افلاس شركة ليمان الاستثمارية والمالية في 15 سبتمبر 2008. وتبع ذلك هبوط أسعار النفط لأقل من 60 دولارًا للبرميل، ثم أقل من 40 دولارًا في ديسمبر. اوبك أجرت تخفيضات كبيرة، بحدود 4.2 ملايين برميل. انخفض الانتاج السعودي إلى 7.7 ملايين برميل يوميًا، وانتعشت الأسعار 2009 إلى نطاق 40 - 50 دولارًا، والى 60 دولارًا في يونيو 2009.
وتحدث النعيمي عن الطاقة البديلة، وقال إن السعودية تهتم في الطاقة الشمسية وحماية البيئة، "لكنها ليست الحل الكافي الوحيد، وتبقى المخزونات النفطية تحت الأرض الحل على المدى الطويل، ويجب أن تستغل السعودية التقنيات المتقدمة لتخفيف آثار ثاني أكسيد الكربون على البيئة وتستغل السعودية 800 الف طن سنويا من غاز ثاني اكسيد الكربون وغازات اخرى يتم نقلها عبر انابيب من منشأة الحوية الى مرافقها لسوائل الغاز الطبيعي في العثمانية حيث يتم حقن الغاز للمحافظة على الضغط في آبار النفط".
ينهي هذا الفصل بالقول: "ظننت أننا سندخل مرحلة جديدة من الهدوء والتأمل. كم كنت مخطئًا".

علي النعيمي يقول ما لم يستطع قوله سابقًا
شيخ أوبك يتذكر: لا أثق بالروس


تعلمنا الدرس
في الفصل التاسع عشر والأخير من الكتاب، يقول النعيمي إن نجاح الغرب الاقتصادي استند إلى توافر النفط، "لكن، لدينا الآن عنصر جديد وهو الزيت الصخري، فأسعار النفط العالية فوق 100 دولار في 2009 فتحت ابواب الاستثمار في قطاع الزيت الصخري والرملي".
يتابع: "تستمر التوقعات أن السعودية ستقوم بتخفيض الانتاج لدعم الأسعار، وعانت السعودية وضحت الكثير في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته لمساعدة الأسعار، لكن بحلول عام 2014، تعلمنا الدرس. لم نقلق من الزيت الصخري بسبب توقعات بارتفاع الطلب على النفط ولا سيما من آسيا. لكن هذه التوقعات لم تتحقق".
يذكر النعيمي بعض الطرائف في التفاوض مع منتجين خارج اوبك مثل كازخستان وروسيا والمكسيك والنرويج. يسأله احد المرافقين عن فرص نجاح اقناع الاعضاء خارج اوبك بقبول التخفيضات، يقول: "رفعت يدي ورسمت له علامة الصفر". يتذكر: "حصل اجتماع آخر مع روسيا وفنزويلا في فندق بارك حياة فيينا بعيدًا عن اضواء الاعلام، دخلنا الفندق من مصعد خلفي واكتشفنا انه لا يتسع لأكثر من شخصين وهو مخصص لنقل الأمور المطبخية، ومشينا في وسط المطبخ إلى مصعد آخر يأخذنا إلى الطوابق العلوية. ولم يتم التوصل إلى اي اتفاق حيث قدمت كل دولة اعذارًا فنية للتهرب من التزام تخفيض الانتاج، فلملمت أوراقي وجهزت نفسي لمغادرة غرفة الاجتماع ودهش الحضور حيث كانوا يظنون أن السعودية ستقبل التخفيض وحدها وتتحمل عبء تنقيص الانتاج بمفردها. قلت لهم يبدو لي أن لا احد مستعد ليخفض الانتاج لذلك انتهى الاجتماع".
لاحقًا، في الاجتماع الذي اقتصر على اعضاء اوبك، عبّر وزراء البترول عن مواقفهم وعن الحاجة إلى تخفيض الانتاج. سألتهم واحدًا واحدًا: "هل بلدك على استعداد لتخفيض الانتاج؟ وكان الجواب بالنفي من كل واحد مهم".
في الخلاصة، يقول النعيمي: "تبقى السعودية المنتج النفطي الأكثر موثوقية والمصدر الأكثر جدارة بالتعويل عليه لتزويد العالم بالنفط. لكن، ماذا عن المستقبل؟ قلت للصحافيين مرارًا: لو علمت ماذا سيحدث في الغد، لكنت جالسًا في كازينوهات لاس فيغاس أو ماكاو".

 


رحلة من عالم البدو الرحل إلى قلب القرار النفطي العالمي
مقتطفات من كتاب علي النعيمي

 

 

 

حياته حافلة بالانجازات والتحديات
علي النعيمي... من البادية إلى حقول النفط

 

 

 

من بدوي إلى صاحب منصب نفطي عالمي
النعيمي يلخص تجربته في كتاب يصدر في ديسمبر