يغيب أي دور عربي وازن في قلب هذا التلاحم الدموي للخرائط والدول، فيما يهرول العالم برمته نحو الخطاب الراديكالي والشعبوي. ما بين هذا وذاك، يمشي لبنان بحذرٍ نحو تحصين وضعه الداخلي واستعادة علاقاته الطيبة مع الجميع.

إيلاف من بيروت: قارئ ومحلل ومستشرف بامتياز للاحداث السياسية المحلية والاقليمية والدولية، هو النائب والوزير السابق غازي العريضي الذي كان لـ«إيلاف» حوار خاص معه، حيث كانت جولة أفق في واقع لبنان الذي يتهيّأ لاستقبال حكومة جديدة، بعد انجاز انتخاباته الرئاسية، وفي واقع العالم العربي حيث صراع المحاور على أشده بين القوى الاقليمية، وصولًا إلى العالم الذي استفاق فجأة على وصول دونالد ترامب، الرجل الـ«متهور» الذي يستعد لقيادته.

إليكم نص الحوار:

على المستوى العربي، وفي ما خص العلاقة مع دول الخليج والمملكة العربية السعودية تحديدًا، الى أي مدى ترى ان رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون يستطيع أن يتحرر من قيود تفاهماته مع حزب الله، وبالتالي أن يبادر الى إعادة العلاقات الجيدة والسليمة مع هذه الدول؟ 

هذه مسؤولية مشتركة، نحن جميعًا لنا مصالح اساسية مع الدول العربية، وحتى الانفتاح على الدول الاوروبية والغربية وكل العالم، ففي لبنان لا يستطيع احد ان ينغلق أو ان يغلق لبنان على مسيرة الانفتاح على العالم، نحن بلد لدينا شبكة كبيرة من المصالح، وبالنسبة لدول الخليج، حصل خلل كبير في العلاقة في مرحلة معينة، وكان لنا تقييم دقيق وكلام صريح لهذه المسألة مع أشقائنا في الخليج، وايضًا دور متواضع على الساحة اللبنانية بالدعوة الى اعادة ترتيب الامور، والرئيس عون لديه كل النية للمبادرة في هذا الاتجاه، والأشقاء في الخليج اتخذوا قرارًا كبيرًا بإيفاد الوزير السعودي ثامر السبهان الى بيروت لمتابعة هذا الامر، ومواقفهم الاخيرة ايجابية في ما يخص لبنان، وهم بالتأكيد يعلمون من هو ميشال عون وما هي التفاهمات الملتزم بها. ثم المطروح الآن انه لماذا لا نستفيد من كل امتداداتنا وقوانا وطاقاتنا لمصلحة لبنان، فالخلاف حول سوريا سيبقى قائمًا لسنوات، وكذلك الخلاف حول العراق واليمن، حتى لو انجزت تسويات موضعية أو محلية أو موقتة أو مرحلية، هناك ارتدادات وتداعيات كبيرة، وهذه حرب طويلة في المنطقة، لذلك نحن امام خيارين لا ثالث لهما، اما ان نترك تداعيات كل هذه الحالة تنعكس علينا سلبًا في البلد، أو نذهب الى التخفيف من حدة انعكاساتها من دون اوهام او أحلام، فالخيار العاقل والسليم هو أن نذهب الى سياسة متفق عليها في ما بيننا، كرئيس جمهورية وحكومة وقوى سياسية مجتمعة، فالمسألة ليست فقط عند حزب الله في أن يسهل الامور. وهنا لفت الوزير العريضي الى الكلام التصعيدي والمواقف الحادة بين المملكة العربية السعودية وايران، وقال نحن كنا دائما ندعو الى حوار عربي ايراني.

في ظل الانفراج المتوقع بين لبنان والسعودية، هل تعتقد أنه يمكن الافراج عن الهبة المالية للجيش اللبناني؟

لا بد من دعم الجيش اللبناني، أميركا تعتبر حزب الله ارهابيًا وتدعم الجيش اللبناني، والجيش والاجهزة الامنية قامت بأدوار كبيرة عندما تعاونت مع بعضها البعض، لذلك لا بد من توفير هذه الامكانات لها، ولم نرَ حزب الله ضد هذا التوجه. وفي كل الاحوال الاخوة في المملكة قالوا كلامًا واعدًا بالنسبة لمستقبل العلاقات السعودية اللبنانية والخليجية، وانا واثق بأن هذا الكلام سوف يترجم وسنشهد عودة للهبات وللاستثمار وللسعوديين الى البلد ضمن سياسة عامة معتمدة من قبل المملكة التي لم تبخل يومًا في الوقوف الى جانب لبنان ودعمه سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا وماليًا .

حول الوضع السوري، كيف ترى مآل هذا الصراع، وهل سينتهي الامر بتكريس التقسيم أو حكم الاقليات أو الفدرلة؟ 

سوريا اصبحت ملعبًا وساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية، تركي - كردي، روسي – اميركي، إلخ. روسيا لم تأتِ لحماية النظام في سوريا، روسيا جاءت في سياق الصراع بينها وبين أميركا، منصات الدروع الاميركية المحاصرة لروسيا، الضغوطات والعقوبات عليها، مشكلة اوكرانيا، العلاقات بينها وبين اوروبا، هناك صراع كبير وقد استغل الطرف الروسي هشاشة وتردّد إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما والتزامه امام القيادة الايرانية بعدم المساس بالنظام السوري، وايران حاولت من جهتها حماية النظام مع كل حلفائها، فضلًا عن الجيش السوري وكل الميليشيات والقوى، وكاد هذا النظام ان يسقط، فاستنجدوا بالروس، ولقد لبى الروسي وتدخل، لكن تحت عناوين وبحسابات واهداف ابعد بكثير من الساحة السورية. على الارض في سوريا تتم عملية الفرز الديمغرافي، وكذلك في العراق، هناك اعادة لرسم خرائط الدول من الداخل بما سيمهد مع الوقت الى اعادة رسم حدودها ايضًا مع الخارج، فالمآل اذًا، هو تقسيم وتفتيت المنطقة كلها، خصوصًا في ظل هذه الحرب المذهبية والعرقية المفتوحة بين الجميع وفي كل الاتجاهات.

ثمة قمة عربية ستعقد في الاردن قريبًا، هل تعتقد بأنها قد تؤسس لدور عربي فاعل؟ 

للأسف، لم يعد هناك من شيء جامع بين العرب، اليوم يتقرر مصير المنطقة العربية ككل، لنسمِ أي دولة عربية موجودة في موقع القرار في ما يخص مصير العرب؟ كنا منذ سنوات امام ثلاث دول في الاقليم من حيث التأثير، هي تركيا ايران واسرائيل، تركيا اهتزت في هذه الفترة بعد الانقلاب وتراجع دورها، فأصبحنا امام تأثيرين كبيرين اساسيين هما ايران واسرائيل، فالعرب غير موجودين على طاولة القرار بشكل فاعل، ثمة تشتت وخلاف عربي وقضايا عربية ومن القضايا تتفرع قضايا، من سوريا والعراق الى اليمن والسودان والصومال وليبيا والبحرين وصولًا إلى لبنان وفلسطين، وهذه افضل مرحلة نمر بها بتاريخ المئة سنة الماضية منذ سايكس بيكو الى اليوم هي لمصلحة اسرائيل. فالحروب الدولية وحروب الامم تخاض على ارض العرب، ودمهم مستباح، فالخطوط الجغرافية الجديدة ومناطق النفوذ والسيطرة على المنطقة, ترسم بدماء السوريين والعراقيين واليمنيين، الحدود الداخلية من حكم ذاتي الى الادارة الذاتية الى المناطق السنية الشيعية العلوية كلها ترسم بدماء العرب، ثروات العرب انتهت، فهي اصبحت مرهونة، والتلاعب بأسعار النفط يتم من الخارج، وسياسة التفقير ستزداد اكثر، لذلك سبق وقلت: "تخريب هذا البيت" منذ البداية، وها قد مضى ما يقارب الـ12 سنة، ولا نزال مستمرين.

عولمة الفوضى

مع وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب الى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، هل ترى أنه سيغيّر وجه اميركا بالكامل؟

هذا الرجل هو اول من دعا الى نقل السفارة الاميركية الى القدس، وهو يعتبر ان المستوطنات شرعية.

ولكنه اعلن قبل ايام قليلة انه سيعمل على اقامة سلام عادل بين اسرائيل والفلسطينيين ... ألا تتوقع أن يغيّر في خطابه وتصريحاته السابقة؟ 

بالممارسة، لن يغير ترامب، وستكون اميركا الى جانب اسرائيل بالكامل، انا لا اقول إن حل الدولتين انتهى ولكنه تأخر كثيرًا، وسيدفع الفلسطينيون اثمانًا كبيرة، بحيث لا تستطيع اسرائيل ان تفرض نفسها الى ما شاء الله على الفلسطينيين، ولا يستطيع احد إلغاء حق الفلسطيني على ارضه، فلو استطاعوا منذ الـ48 الى اليوم لما كان استمر هذا الصراع، فالهدف لم يتغير، لا يزال الشعب الفلسطيني شعبًا مناضلًا ومكافحًا وسيبقى، وانا اقول إن هناك ثلاث مشاكل: الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وهو عنصر مساهم في أن يستفيد الآخرون. الوضع العربي المهترىء. ووجود قضايا عدة كما سبق وذكرت وليس القضية الفلسطينية فقط، جعل من هذه القضية في آخر جدول الاهتمامات العربية ولم تعد هي القضية الأم والمركزية، الخبث الاميركي والغربي عمومًا، فها نحن اليوم، لقد مضى مئة سنة على سايكس بيكو، وهذه السنة ندخل في مئوية وعد بلفور، ولذلك فالقراءة لواقع المنطقة هو تعديل سايكس بيكو وتثبيت بلفور، وهذا كله لمصلحة اسرائيل.

وفي ما خص التعامل مع الدول العربية، ولا سيما السعودية في ظل قانون «جاستا»، يقول العريضي إن الضغط سيستمر على العرب بهدف ابتزازهم، وللتذكير هناك تصريح لترامب في مرحلة ماضية عتب فيه على إدارة اوباما بأنها لم تهاجم آبار النفط ولم تسيطر على النفط في الخليج، واسعار النفط ستتهاوى اكثر، فما تبقى من مال لدينا سيأخذونه. وإذا كان عنوان «جاستا» هو العدالة في وجه الإرهاب، فلماذا لا يتخذون إجراءات ضد اسرائيل دولة الإرهاب المنظّم؟ وينبغي التذكير أن أميركا ساهمت في خلق تنظيمات إرهابية تحت عنوان «مواجهة المدّ الشيوعي»، فمن يحاسب إرهابيي أميركا ومن يحاسبها على ذلك؟

اما على مستوى العالم، فالكل يسأل الآن، ماذا سيفعل ترامب، ترامب لن يصنع المعجزات، واميركا ستخترب على يديه، وليس فقط فلسطين والعالم العربي، اميركا نفسها ذاهبة في اتجاه الخراب، ومجيء ترامب سيسرع من ذلك، ومجرد وصوله هو تعبير عن المأزق الاميركي وليس عن الديمقراطية الاميركية، عن القلق والغضب والضياع في المجتمع الاميركي، عن الفوضى التي ستذهب اليها اميركا دون اية مبالغة، وللاسف بحكم موقع ودور اميركا، سيذهب العالم الى مكان آخر، نحن لسنا جزءًا منفصلًا، وستكون هناك تأثيرات علينا، هذا هو العالم، وسأختصرها لكِ بعنوان كتابي الجديد، وهو "عولمة الفوضى".

قوة إقليمية كبيرة

كيف قرأت الاستعراض العسكري لحزب الله في مدينة القصير السورية، وما هي الرسائل التي اراد الحزب توجيهها ولمن؟ 

اريد ان اسأل هنا، هل حزب الله يقاتل في سوريا بشكل سري؟ ثم ان تبني حزب الله لترشيح ميشال عون للرئاسة لا يعني انه قد غيّر من استراتيجيته الاساسية وركائز موقفه السياسي الذي تبنى عليه حركته السياسية، واسقط خطابه السياسي الذي كان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يردده دائمًا باننا سنكون حيث يجب ان نكون. وبغض النظر عن صوابية هذا الموقف وعدم صوابيته، يبدو مشهد القصير مشهدًا من مشاهد هذه السياسة.

هل تعتقد ان حزب الله تعمد توقيت هذا الاستعراض؟

بتقديري الشخصي. هذا الاستعراض هو رسالة موجهة الى الاسرائيلي، لألف سبب وسبب، دون ان اكون مفاجئًا بأن حزب الله اصبح قوة اقليمية كبيرة، وجيشًا نظاميًا بكل ما للكلمة من معنى. وفي القرار السياسي، حزب الله مؤثر، ليس في القرار اللبناني فحسب، وانما في القرار الاقليمي. فهو موجود من لبنان الى سوريا ومن العراق الى ايران وفلسطين.

أليس هناك من رسالة الى العهد الجديد والى ما ورد في خطاب القسم الذي قيل إن حزب الله لم يكن راضيًا عنه تمامًا؟ 

ربما يكون هذا من دواعي التحليلات عند بعض الناس، ولكن في النهاية هناك معادلة سياسية قائمة في البلد، ولنفرض أن حزب الله لم يقم بالاستعراض، هل كان سيقدم هدية للعهد الجديد ويعود من سوريا؟ حزب الله لن يعود من سوريا كرمى لهذا الطرف أو ذاك، فليفهمها الجميع، وهذا الموضوع وضع خارج النقاش تحت عنوان "تحييد البلد عن الصراعات الاقليمية والنأي بالنفس"، ولقد قبل الكثيرون بهذه المعادلة في البيان الوزاري لحكومة رئيس الحكومة اللبنانية السابق نجيب ميقاتي، ومن بعدها في حكومة الرئيس سلام، ثم الذين رفضوا هذا الكلام، عادوا اليه الآن، هناك واقع اكبر منا جميعًا، ثمة لعبة دولية كبيرة في سوريا تحرق الاخضر واليابس امتدادًا الى العراق.

وما رأيك بما يقال حول أن وصول ميشال عون الى سدة الرئاسة هو انتصار لما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة، وأن هناك رجلًا في الظل يدير كل الامور وهو حسن نصر الله؟ 

من حيث الانتماء الى فريق، صحيح هذا انتصار، وقد أتى في ظل مرحلة اقليمية ودولية معينة، فثمة ارجحية لمصلحة فريق على حساب فريق آخر على مستوى المنطقة، ولكن لبنان لا يمكن ان يحكم إلا باحترام التوازنات، وحسن الادارة مفيد لكل الناس، لمن انتصر ولمن يعتبر انه انكسر، فهذا هو لبنان الذي فيه توازنات وتنوع وموزاييك ليس موجودًا في كل المنطقة، واي خطأ في التعاطي مع هذه الطبيعة والمكونات والمعادلة في لبنان تسيء لمن انتصر اذا كان انتصر، ولمن انكسر اكثر اذا كان انكسر، وتجعل البلد في دوامة من الصراع المفتوح .

اما في ما خص وصول عون الى سدة الرئاسة، احببنا ذلك أو لم نحب، نؤيد سياسته أم لا، فإنه يسجل للرجل اكثر من سبع وعشرين سنة من التعب والنضال والاصرار والعناد والمكابرة، فهو استطاع ان يلعب مع الجميع، استخدم كل الوسائل والامكانات، وكان محصنا بقاعدة شعبية، والحق يقال إنه لم يُفرض فرضًا، بل هو الذي فرض نفسه في المعادلة التي أدت الى انتخابه.

وهل تعتبر ان ثورة الارز وحركة 14 آذار قد سقطت؟

للأسف، لهذا الامر اسباب، ولكن اتمنى على كل المعنيين بهذه المسألة ان يدخلوا في مراجعة نقدية هي مفيدة لنا ولأجيال ولفئات كبيرة من الشعب اللبناني اعطت اكثر ما كان متوقعًا لهذا المشروع، ومن حق هؤلاء الناس ان يسألوا لماذا وصلنا الى هنا، وما هي الاسباب الذاتية والموضوعية، واين كانت الرهانات خاطئة، هذا للتاريخ يجب أن يجرى، ثم لنستخلص العبر من كل التجارب التي نمر بها.

هل تُحمّل قوى 14 آذار مسؤولية الوصول الى هذا الوضع؟

لي رأيي الشخصي هنا، فأنا كنت اقول إنه في عزّ قوة 14 آذار توهم البعض بأنهم قد امسكوا بكل مفاصل القرار في لبنان، وبأن ما يسمى مجتمعًا دوليًا هو الى جانبنا، وهذا كان خطأ. جاك شيراك (الرئيس الفرنسي الأسبق) كان الأصدق في التعاطي معنا. فالاميركيون لن يقفوا الى جانبنا، وأميركا تريد تخريب البيت السنيّ في المنطقة بكل ما للكلمة من معنى، وأكبر كذبة هي الشرق الاوسط الجديد والديمقراطية والحريات، لقد كان البعض ينتظر أن تُحلق الطائرات الاميركية فوق الشام (سوريا)، وآخرون ينتظرون بوارج اميركية وأجنبية في البحر، واحيانًا قوات عربية، كانوا يراهنون، ولقد ناموا على حرير الوعود والسياسات الاميركية، في الوقت الذي كانت اميركا تعمل على تخريب البيت السنيّ وليس لاعمار بيت آخر، بل لتكون الفوضى والفتن السنية السنية والسنية الشيعية، وللاسف هذا ما جرى في المنطقة، والمسؤولية تقع على عاتقنا لأننا لم نقرأ هذا الامر، ولم نلتفت اليه .

بلد العجائب

لبنان في هذه الايام يعيش مخاض تأليف حكومة جديدة، وقد حُددت لهذه الحكومة مهمة انجاز الانتخابات وفق قانون انتخابي جديد، هل ترى انه يمكن انجاز هذا القانون في ظل خلاف القوى السياسية الكبير حوله، وبالتالي يمكن ان نشهد انتخابات نيابية في موعدها الطبيعي في لبنان؟

يجب ان تجري الانتخابات النيابية في لبنان قبل موعد الاستحقاق الدستوري للانتخابات في يونيو، وهذا الاستحقاق يجب أن يحترم، اذ يكفي هذا التمديد لولاية كاملة للمجلس النيابي «فهذا امر معيب في الحياة السياسية اللبنانية». وأكد العريضي انه باستحالة الوصول الى قانون انتخاب وفي ظل الصراع السياسي والشغور الرئاسي «كان لا بد من هذا الضرر تحت عنوان (الضرورة) لكن لا يمكن لهذا الضرر أن يستمر، خصوصًا واننا اجرينا العام الماضي انتخابات بلدية ثم اجرينا انتخابات رئاسية، وبالتالي لم يعد ثمة مبرر لأي تمديد سياسي للمجلس النيابي كما حصل، فالتمديد السابق كان تمديدًا سياسيًا ولم يكن تمديدًا تقنيًا كما كان يحلو للبعض أن يقول».

ويرى العريضي انه يترتب على الحكومة الجديدة أكثر من واجب. ويوضح: «من دون الافراط في التفاؤل أو المبالغة في التوقعات، صحيح ان الدور الاساسي لهذه الحكومة، وبحكم عمرها الدستوري، هو اجراء الانتخابات وبالتالي انجاز قانون انتخاب، غير انها وبعد سنتين ونصف من الشغور يجب ان ترسي أسس وملامح خط بياني ما في التعاطي مع قضايا وهموم اللبنانيين ضمن حدود الامكانات اللبنانية المتوفرة، بمعنى ان تكون الادارة بخدمة الناس وان تتم محاربة الفساد، وان تعالج ازمات الكهرباء والمياه الطرقات والنفايات، فلقد اصبح حلم اللبنانيين هو اخراجهم من هذا المستنقع الذي غرقوا فيه وهو النفايات»، واصفًا الوضع الراهن في لبنان بـ «الفضيحة التي لا مثيل لها في تاريخه»، لافتا إلى أن وضع حلول لكل المشاكل يحتاج الى وقت، لا يتسع لها عمر الخمسة اشهر او الستة أشهر للحكومة، «ورغم ذلك يجب ارساء أسس حلول لها».

وفي موضوع الانتخابات النيابية المرتقب اجراؤها في يونيو المقبل، يقول العريضي إن البلاد أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاتفاق خلال فترة قصيرة «على قانون جديد للانتخابات يكون بطبيعة الحال قائمًا على قاعدة المختلط بين الأكثري والنسبي، وهو قانون جديد في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية، وستكون القوى السياسية في هذه الحالة بحاجة الى وقت لتمرين نفسها وانصارها ومؤيديها والناس على هذه الانتخابات، وبالتالي نكون امام "ضرورة ايجابية" وليست ضررًا لتمديد تقني للانتخابات، مدتها ثلاثة الى اربعة اشهر لا اكثر ولا اقل، بحيث تجري عندها في سبتمبر». أما الحل الثاني برأي العريضي هو ألا يتفق الأفرقاء في لبنان على قانون للانتخابات، فتكون الانتخابات النيابية وفق القانون الحالي (اي القانون الانتخابي الذي أقر في العام ١٩٦٠ وأضيفت إليه بعض التعديلات في اتفاق الدوحة، وتقام بموجبه الانتخابات على اساس الدوائر الأضيق). ويتساءل العريضي: «لثلاث سنوات ونصف لم نتفق كقوى سياسية على قانون انتخابات، فهل سنتفق خلال شهرين ونصف أو ثلاثة اشهر ونصف؟ لبنان هو بلد العجائب والغرائب والمفاجآت، يحصل فيه كل شيء، ويبتلع فيه كل شيء».

ماذا عن البيان الوزاري، هل ستعتمد الصيغة التي اخذت بها حكومة الرئيس تمام سلام، ام سيواجه مخاضًا عسيرًا؟

على الطريقة اللبنانية، تعتمد المفاصل الاساسية لبيان حكومة الرئيس سلام، وتدمج مع عناوين خطاب القسم للرئيس ميشال عون.

وحول ابصار الحكومة النور خلال الساعات المقبلة، قال لا استطيع ان اتوقع، فلقد اعتدنا في تشكيل الحكومات انه احيانًا ولسبب ما وفي لحظة اخيرة ممكن ان تحصل التعديلات والتغييرات، لكن في النهاية، الحكومة لم تعد مسألة وقت طويل، فهي اخذت مسارها، والاتصالات مكثفة والمفترض في اسرع وقت ممكن أن تصدر التشكيلة .

وعن وقائع وسيناريوهات عملية التأليف الحكومي، يشير العريضي الى طريقة تعاطي معيبة، ولكن ليس مع الطائفة الدرزية فقط، ويذّكر بأن هذه الطائفة هي من الطوائف الاساسية المكونة للكيان اللبناني، وفي ظل نظام الامتيازات القديم والمارونية السياسية، مر رجال كبار من هذه الطائفة وتبوّأوا مواقع اساسية مهمة في البلد، من وزارة الدفاع الى وزارة الداخلية الى التربية والاتصالات وغيرها، ولم يكن هناك من تمييز، ولكن مع الاسف بعد الطائف تم تكريس بدعة ظلمت فيها بعض الطوائف من جهة، كما ظلمت الطوائف التي باسمها حصرت الوزارات التي تسمى سيادية، بمعنى انه تُخاض المعارك من اجل ان تكون طائفة ما في وزارة ما، فنأتي بوزراء يسيئون الى الطائفة والى الوزارة والسيادة، لانهم ليسوا أسياد أنفسهم في الوزارة، فكيف نتحدث عن وزارة سيادية ومن يديرها ليس سيدًا، وسأل: لماذا هذه الطريقة بالتعاطي؟ ألا تحفظ سيادة لبنان وسيادة الوزارات الا اذا كانت محصورة بهذه الطائفة أو تلك؟ أليس ثمة في الطوائف الاخرى من هم ايضًا مؤتمنون وقادرون وفاعلون وسياديون؟