تونس: صبيحة يوم الجمعة الموافق لـ 18 نوفمبر 2016، وبحضور رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، ووزير الثقافة التونسي محمد زين العابدين، وسفير فرنسا، والعديد من الشخصيات السياسية والثقافية، افتتح معرض "الأماكن المقدسة للديانات الثلاثة" في المتحف الوطني بباردو، في ضواحي العاصمة التونسية. 

ويضم هذا المعرض المهم العديد من التحف الفنية النادرة التي تبرز بالخصوص التسامح بين الديانات الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، الذي تميزت به مراحل مختلفة من تاريخ بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط. 

ويرمز المعرض المذكور إلى ضرورة تضامن هذه البلدان من أجل التصدي للإرهاب الذي بات يهدد أمنها، وسلامة شعوبها، بل بات يهدد أيضا السلام على المستوى العالمي. وبهذه المناسبة تلا المستشار الثقافي لرئاسة الجمهورية حسان العرفاي نص البيان التونسي للتصدي للإرهاب. 

وجاء في بداية هذا البيان أن تونس بِاسْمِ أرض الضيافة، أرض التسامح والتعدُّد الثقافي والديني، تطلق دعوة تضامن ومساندة وتعاطف وتضامن مع ضحايا الإرهاب، سواء من الذين سقطوا على أرضها أو في أي مكان آخر من المعمورة". لذلك طالب البيان بضرورة إدانة الإرهاب بمختلف أشكاله ومظاهره. ولا بد من اعتبار كل عمل إرهابي جريمة ضد الإنسانية جمعاء.

 

 

وبحسب البيان يتغذّى الإرهاب من إحباطات الشّباب المُهمَّش اقتصاديّا وسياسيّا وثقافيّا واجـتماعيا، ومن غياب الحكم و الرشيد، ومن تفشّي الفساد، وعدم احترام حقوق الإنسان. كما يتغذى من الخلط بين الدّين والسياسة، ومن الدّوغمائية الدينية المفرّخة للتّطرّف، ومن ضعف تربية الضمائر والعقول على مبادئ التّسامح وقبول التنوّع واحترام الآخر المختلف.

ويشير البيان إلى أنّ الجماعات الإرهابية تزور المعتقدات الدّينية وتشوهها تذْكِيةً للكراهية وتَغذِيةً للعنف بين الشّعوب. 

وتستهدف الأسلحة التي تملكها هذه الجمعات القِيمَ الكونية التي تقوم عليها إنسانيتنا المشتركة أكثر من تهديدها لحياتنا. كما تستهدف حقوق الإنسان، والحريّات الأساسية والدّيموقراطية. في الآن نفسه، تُهدّد السّلم والنموّ وسلامة الدول والشّعوب، مقيمة سدّا أمام تطوّرها اجتماعيا واقتصاديّا، ومقوّضة مبدأ التعايُش السلمي على المستوى العالمي. لذلك لا يمكن الفصل بين الأمن وحقوق الإنسان ن وبين السلام والتنمية. فكل واحد منها يغذي الآخر، ويعاضدهن ويمنحه القوة والمناعة. ويرى البيان التونسي أن على السياسات ا، وبخاصّة الثقافية والتربوية، منها، أن تضطلع بدور أساسي بهدف مكافحة الإرهاب، والتصدي لدعاته ومناصريه. 

ويتوجب عليها نشر ثقافة التسامح، وترسيخ قيم السّلم والحريّة والتعدّد والحوار والانفتاح. كما يتوجب عليها مقاومة كافة أشكال التمييز، وتحسيس كلّ مكوّنات المجتمع بضرورة احترام هذه القيم من خلال برامج وأعمال ناجعة وملموسة. كما يرى البيان أنه يمكن القضاء جدّيّا على الإرهاب من دون معالجة أسبابه وأُسُسِهِ الظرفية والهيكلية، ومن دون تطوير سياسات تنموية عادلة، وإدماجيّة، تقضي على الإحساس بالتّهميش الذي ينمّي ويقوي الشعور بالظّلم، والضيم الاجتماعي.

 

 

ويشير البيان إلى إنّ نصف سكّان العالم شبان دون سنّ الثلاثين. ونسبة كبيرة من هؤلاء تعاني، وفي كل مكان، من البطالة وانعدام الآفاق التي عجزت السياسات العامّة عن فتحها. كما فشلت في إدماجها اقتصاديّا، وسياسيّا واجتماعيّا، وثقافيّا. كل هذه العوامل نمّت فيها نزعات التطرّف وهمشتها، وأقصتها لتجد نفسها طعما رخيصا للدّعايات الحاقدة، ولثقافة الموت، وللثورجية التي تطلقها أبواق الإرهاب العالمي.

 

 

لذلك على السياسات العامّة إدماج الشباب في كلّ ميادين الحياة الاجتماعية وتوفير مستقبل يليق بطموحاتهم، ويُطلِق طاقاتهم الإبداعية، ويجعل منهم خطّ الدفاع الأول ضدّ الإرهاب. ولا بدّ من تشبيب الحياة السياسية، وتشريك المرأة فيها بشكل فعّال، والدفع باتجاه تكوين مجتمع تتوفر فيه مقومات الإدماج، والتفتح، والمصالحة مع الذات، وكل العوامل التي تساعد على مقاومة الإرهاب بجدية ونجاعة.

ويقول البيان التونسي إن الآلة الدعائية الإرهابية العالمية تستعمل بمهارة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. لذا لا بدّ من تكوين جبهة تقاومها على نفس الميدان وبنفس الوسائل، لتفكيك خِدَعها وإحباط مساعيها لاستقطاب الشباب وتجنيده. وعلى الدول أن ندرك بأن الشباب المتمكّن من وسائل الاتصال الحديثة هذه هو نصيرها الأساسي في هذه المعركة المصيرية. ويتحتم على المجتمع المدني، وصنّاع الرّأي العام من وسائل إعلام ورجال دين وضحايا الإرهاب، المساهمة في هذه المعركة بصورة فعّالة.

وفي خاتمة البيان جاء إنّ الإرهاب المُعولم خطرٌ عابرٌ للقارّات لا يمكن دحرُهُ إلّا من خلال التّعاون وتوحيد الجهود بين جميع الدّول وفي سائر الميادين التي تتطلبها هذه الحرب. وبما أنه خطر مُحدقٌ بالجميع، فإنه يتعينُ التصدّي له محلّيّا وإقليميّا. ذلك أن السّلم العالمي رهينُ تكاتُفِ المجتمعات والدول والشعوب والنخب.