إبتسام الحلبي من بيروت: مع فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أصبحت المفاوضات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيداً من قبل، حتى أنّها قد تؤدّي إلى ازدياد الصعوبات في وجه الأعمال الألمانية. إذاً ثمة احتمال كبير في مواجهة "بركسيت صعب".

صورة تحمل قوة رمزية على موقع تويتر الأسبوع الماضي، نشرها نايجل فاراج، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورئيس حزب الاستقلال الشعبوي البريطاني، حيث ظهر فيها راسماً على وجهه ابتسامة عريضة إلى جانب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أمام باب مطليّ بالذهب داخل برج ترامب.
&
منذ فوز ترامب في الانتخابات، ازداد أمل أشخاص من أمثال فاراج بأن تتمكّن بريطانيا من تنشيط علاقتها الخاصة مع أميركا في أعقاب قرار البلاد إدارة ظهرها للاتحاد الأوروبي البيروقراطي.

وبالنسبة إلى الشركات الأوروبية، هذه أخبار غير سارّة. فانتصار ترامب أنشأ متغيراً آخر في المراهنة على البركسيت: القارة بمعظمها قلقة من أن بريطانيا قد تلجأ بشكل متزايد إلى الولايات المتحدة بدلاً من إبقاء اقتصادها مفتوحاً لأوروبا قدر الإمكان.

بالإضافة إلى ذلك، إذا طبّق ترامب سياسة الحماية التي ذكرها في حملته الانتخابية، ستواجه الشركات في ألمانيا وأماكن أخرى في أوروبا تهديدًا مزدوجًا: إذ سيكون عليها القلق حيال صادراتها إلى الولايات المتحدة وكذلك إلى المملكة المتحدة.&

في الواقع، إنّ انتخاب ترامب عمّق الشرخ بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا العظمى، فبرزت بوضوح الخلافات التي كانت في السابق مرئية فحسب. وخوفًا من الناخبين والشعبويين، تتجه بريطانيا والاتحاد الأوروبي أكثر من أي وقت مضى نحو مفاوضات صعبة بشأن البركسيت. &فقد تفشّى خوف واسع النطاق داخل الاتحاد الأوروبي من استمرار القوى الوطنية في اكتساب القوة وخروج أعضاء إضافيين من الاتحاد الأوروبي. ويأمل البعض في أوروبا أن يكون البركسيت بمثابة رادع.

وفي هذا السياق، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في باريس مؤخرًا: "لا بد من وجود تهديد، لا بد من وجود خطر، لا بد من وجود ثمن" مقابل مغادرة الاتحاد الأوروبي.
&
غاية في الدراماتيكية&

وفي هذه الأثناء، أصبح من الصعب على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي متابعة المكالمات التي تتلقاها من اللوبي المالي في لندن وكبار رجال الأعمال الآخرين لتقديم تنازلات إلى الاتحاد الأوروبي ومتابعة الخروج منه بطريقة أكثر ليونة.

في النهاية، مثّلت كل من الانتخابات الاميركية واستفتاء البركسيت في جزء منها، تصويتاً ضد النخبة المالية وممثليها في البيت الأبيض و10 داوننغ ستريت.

والبركسيت بمثابة عملية بتر: فالاتحاد الأوروبي يفقد أحد أقوى أعضائه اقتصادياً، ومجموعة الدول الكبرى السبع G7 تخسر عضواً من صفوفها الحصرية.

صرّح &رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز في بروكسل يوم الاربعاء قائلاً: "هذا أمر دراماتيكي للغاية بالنسبة إلينا". وفي الوقت نفسه، يقوم البريطانيون بقطع علاقاتهم مع أهم شريك تجاري لهم: نظراً لأنّ 45% من صادراتهم تذهب إلى الاتحاد الأوروبي.

ومنذ الاستفتاء، انخفض الجنيه الاسترليني بنسبة 11% كما أنّ صندوق النقد الدولي وكذلك عدداً من الخبراء الاقتصاديين توقّعوا انخفاضاً في نمو كل من المملكة المتحدة وباقي دول الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة. وصحيح أنّ النمو الاقتصادي البريطاني بدا مستقرًا بشكل مفاجئ مؤخراً، غير أنّ آثار سموم البركسيت لا تظهر إلا على المدى الطويل.&

وتجدر الملاحظة أنّ الجدول الزمني لمفاوضات البركسيت يصبح أوضح رويداً رويداً. وما إن تطلق بريطانيا المادة 50 بشكل رسمي، علماً أنّها تنوي القيام بذلك في شهر مارس، حتى تبدأ فترة التفاوض التي ستستغرق عامين. عندها فقط ستبدأ العلاقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي بالتبلور. وفي هذه الأجواء، تواجه شركات من الجهتين أبغض وضع بالنسبة إليها: سنوات ضبابية.

علاقات جديدة مع جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي&

وبحسب الكسندر بورش، كبير الاقتصاديين في شركة ديلويت للتدقيق والاستشارات ، "فالسيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن بعد خروجها، ستبني المملكة المتحدة علاقة مع الاتحاد الأوروبي شبيهة بحالة عضويتها في منظمة التجارة العالمية. وعندما يتعلق الأمر بالقطاع المالي، الذي لا يخضع لاتفاقية التجارة العالمية، فمن المحتمل أن تحتاج المملكة المتحدة إلى التفاوض بشأن علاقات ثنائية جديدة مع جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي."

ولكن في بروكسل، قليلة هي العلامات التي تشير إلى اقتراب المفاوضات التاريخية. فمنذ الصدمة الأولى، والبيروقراطية الأوروبية تقترب من البركسيت وكأنّها تنشئ مبادئ توجيهية جديدة لتصميم إيكولوجي: فقد قام المجلس والمفوضية والبرلمان بتشكيل مجموعات عاملة، حيث يعمل حالياً أكثر من 20 لجنة في البرلمان الأوروبي على استبيانٍ حول المواضيع المهمة في المفاوضات المقبلة.

ويقود ميشال بارنييه، وزير الخارجية الفرنسي السابق، فريق عمل المفوضية الأوروبية. وهو يقوم حاليًا بجولة على العواصم الأوروبية لتحسّس ما تتوقعه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من مفاوضات البركسيت. وستكون النتيجة كتيّب معايير للمحادثات، ثم ستبدأ المفاوضات الحقيقية فى مايو القادم أو يونيو.

تجدر الإشارة إلى أنّ توقعات الدول الأعضاء غير متناسقة: ففي حين تسعى فرنسا خلف موقف تفاوضي قاسٍ، تبدي البلدان الصغيرة مثل مالطا، قلقاً حول التعاون في مجال البحوث الجامعية مع البريطانيين.

يبدو أنّ في لندن أيضاً توقعات مختلفة بشأن الطريق الذي ستسلكه للخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويمارس وزير الخارجية بوريس جونسون ضغطاً على الشركاء الأوروبيين لتوفير وصول بريطانيا الحر إلى السوق المشتركة، حتى بعد البركسيت. وفي هذا الإطار، صرّح وزير التنمية الاقتصادية الايطالي كارلو كاليندا على تلفزيون بلومبرغ أن جونسون يسعى لرسم صورة واضحة للسلبيات المتربصّة في حال لم تعد بريطانيا جزءاً من السوق المشتركة، لافتاً إلى أنّ جونسون قال له: "ستبيع كمية أقل من نبيذ بروسيكو" فأجابه الإيطالي: "وأنت ستبيع كمية أقل من السمك والبطاطا، وبينما تتراجع مبيعات بروسيكو في بلد واحد، ستنخفض مبيعات السمك والبطاطا في 27 بلدًا."

ولكن حتى قبل فوز ترامب في الانتخابات، لم تكن بطاقات المملكة المتحدة في الرهان التفاوضي القادم سيئة. فقد كان قادة المفاوضات الأوروبية&قلقين من محاولة البريطانيين منع بعض القضايا مثل التعاون الوثيق حول السياسة الدفاعية من أجل الحصول على صفقة بركسيت أفضل.

وفي حين يشارك السياسيون من الجانبين في مناوشات وقائية غير مركزة، يحاول مجتمع الأعمال إنقاذ ما يبدو في الحقيقة غير قابل للإنقاذ.

ويقول مايلز سيليك، رئيس جماعة ضغط TheCityUK، التي تمثل مصالح القطاع المالي في لندن: "نحن نسعى إلى إنشاء علاقة مع سوق الاتحاد الأوروبي المشتركة تكون أقرب ما يمكن إلى العضوية الحالية".

أما غونتر دنكل، الذي كان رئيساً لاتحاد المصارف العامة (VÖB) في ألمانيا حتى وقت قريب، فيدعو الاتحاد الأوروبي إلى إلزام البريطانيين: "نحن بحاجة إلى معالجة الحريات الأربع الأساسية - السلع والخدمات والعمل ورأس المال - بطرق مختلفة، وإلا فلن نتمكّن من الحفاظ على وحدة أوروبا".

أمام البنوك مساران

غير أنّ لا أحد في بروكسل يريد اعتماد إعادة تصميم كهذا. فرغبة تيريزا ماي بالاستمرار في توفير السلع، وخاصة الخدمات المالية إلى الاتحاد الأوروبي بدون أي حواجز مع الحد من هجرة العمال لن تكون قابلة للتنفيذ. فإذا أرادت تواجداً أقل للأجانب الأوروبيين في المملكة المتحدة، لن تتمكّن بريطانيا من البقاء في السوق المشتركة. لهذا السبب، يستعدّ القطاع المالي، وبالتحديد التكتلات المالية التي تستخدم لندن كبوابة إلى السوق الأوروبية المشتركة، لمواجهة أسوأ السيناريوهات.

ووفقاً للمستشارين، سبق أن قرر عدد كبير من المؤسسات المالية الأجنبية نقل قواعد عمله في الاتحاد الأوروبي بعيدًا عن لندن، خوفاً من أن يتسبّب البركسيت بخسارة الشركات التابعة في لندن ما يسمى "جوازات سفر الاتحاد الأوروبي،"، أي الحق في بيع المنتجات والخدمات في الاتحاد الأوروبي من داخل لندن. والسؤال الوحيد المتبقي هو إلى أين سيتمّ نقلها.

وللبقاء في بر الأمان، تطرح المصارف الأجنبية فكرتين، الأكثر تطرفاً بينهما تقتضي بالتخلي عن الشركات التابعة الموجودة في لندن، والقيام بجميع الأعمال المستقبلية في الاتحاد الأوروبي عن طريق إنشاء شركة تابعة جديدة في دول الاتحاد المتبقية.

ويبدو أنّ بنك VTB الروسي اختار هذا المسار: فقد أعلن أنّه يخطّط لتنفيذ عملياته التجارية الأوروبية من فرانكفورت وفيينا وباريس في المستقبل.

ولكن معظم البنوك يميل نحو الحفاظ على لندن باعتبارها شركة قابضة متوسطة، وإنشاء شركات فرعية أخرى في الاتحاد الأوروبي، وذلك للاحتفاظ بحق الوصول إلى السوق المشتركة. فمثلاً، يفكّر البنك الاستثماري غولدمان ساكس، &في وضع مكتبه الأوروبي الرئيسي في فرانكفورت. وكذلك تخطط مصارف متعددة لإبقاء حجم فروعها المتمركزة في الاتحاد الأوروبي صغيراً قدر الإمكان، على الرغم من أن أجهزة التنظيم في الاتحاد الأوروبي لا توافق على شركات وهمية.

ووفقًا لتوماس ستيفن، وزير الدولة الألماني لشؤون المالية ، فإن الترحيل الأولي سيجري في الربيع المقبل. ويضيف أنّ ممثلي المؤسسات المالية المتمركزة في لندن قاموا بزيارات متكررة الى وزارة المالية الألمانية في برلين، لمعرفة نوع الفوائد التي قد يحصلون عليها في حال اتخاذ خطوة معينة.

وتجدر الملاحظة أنّه إذا جاء الرئيس التنفيذي لبنك ما شخصياً، فغالباً ما يستقبله وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبله ويتحدث إليه بنفسه، في محاولة للإثناء على الفوائد المقدمة من فرانكفورت. وعندما كان شويبله في اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن في أوائل أكتوبر، بحث عنه رؤساء أربعة بنوك أميركية لمناقشة نقل فروعهم من لندن.

نتائج البركسيت على ألمانيا

ويشير شويبله إلى جودة البنية التحتية في فرانكفورت، وكذلك التكلفة المعيشية المعقولة فيها مقارنة مع لندن أو باريس وقربها من البنك المركزي الأوروبي المسؤول عن الإشراف على البنوك الأوروبية، غير أنّه، خلافاً لفرنسا، ليس مهتمًا في تقديم تخفيضات ضريبية للمؤسسات المالية.

ولكن، حتى لو كان من الممكن أن تستفيد فرانكفورت من البركسيت، فرحيل بريطانيا من السوق المشتركة قد يولّد خسارة في ألمانيا، فالتجارة عبر الحدود ستتلقى صفعة مفاجئة مع الرسوم الجديدة.

هذا بمثابة سيناريو الرعب بالنسبة إلى قطاع المستحضرات الصيدلانية على وجه الخصوص، ووفقًا لدراسة أجراها مركز الأبحاث الاقتصادية الأوروبية في ميونيخ، " فهذا القطاع هو الأكثر تضررًا حتى الآن ". وإذا قام البريطانيون بفرض تعريفات جمركية، قد تصبح صادرات المنتجات الكيميائية إلى بريطانيا أغلى بـ 200 مليون يورو تقريباً.

ومن المتوقع أيضاً أن تواجه صناعة السيارات بعض المشكلات أيضاً لدى الطرفين. ونقلاً عن صحيفة فاينانشال تايمز، فإنّ ماتياس فيسمان، رئيس الرابطة الألمانية لصناعة السيارات قد صرّح قائلاً: "إذا كان البركسيت صعباً، سنرى تحولاً نحو وسط وجنوب شرق أوروبا".

الأميركيون بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من البريطانيين

قد تطال المعاناة مصدّري السيارات الألمانية أيضًا. في العام الماضي، قدمت شركات صناعة السيارات الألمانية 810000 سيارة إلى المملكة المتحدة، ثالث أكبر مشترٍ للسيارات الألمانية، علماً أنّها تتضمّن العشرات من مرافق الإنتاج التي تتكامل مع شبكة الاتحاد الأوروبي. والآن، كل ذلك في خطر.

غير أنّ قطاع صناعة السيارات يبيّن أيضا أنّ المفاوضين في البركسيت يفهمون لغة جماعات الضغط عندما تكون الوظائف في خطر. فمثلاً، حصل كارلوس غصن، رئيس شركتي رينو ونيسان، على موعد في وقت قصير في داوننغ ستريت عندما صدر قرار بشأن ما إذا كان ينبغي على الشركة مواصلة بناء سيارات قاشقاي الرباعية الدفع في المملكة المتحدة. وأكّدت له رئيسة الوزراء ماي ألا داعي للخوف من أي عواقب سلبية من البركسيت.

وبناء على ذلك، أعلنت شركة نيسان على الفور أن بناء سيارات قاشقاي الجديدة سيستمرّ في المملكة المتحدة.&
ولكن، حتى ماي تجهل ما اذا كانت قادرة على تنفيذ وعدها. والآن، تريد المفوضية الأوروبية أن تعرف ما هي الاتفاقات الملموسة التي عقدتها رئيسة الوزراء مع شركة نيسان. فإذا وعدتها بتقديم مساعدة مالية، فاتفاقها هذا قد يؤدي إلى اتخاذ الاتحاد الأوروبي مجموعة من إجراءات التنافس على إعانات غير مشروعة لأنّ بريطانيا تغادر.

أما التقارب المكتشف حديثا بين ترامب وماي، لن يكون قادراً على مساعدة بريطانيا في الخروج من المأزق الذي تواجهه حاليًا، خاصة وأن القواعد الأساسية للحساب لا تزال سارية. وبحسب بورش، الخبير الاستراتيجي في ديلويت، "فالاتحاد الأوروبي أكثر أهمية من الولايات المتحدة كشريك تجاري للمملكة المتحدة".

ويحتاج الأميركيون إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من بريطانيا كسوق لصادراتهم. ونتيجة لذلك، هم حريصون على تجنب تعطيل سلسلة التوريد الخاصة بهم إلى القارة الأوروبية.

ويشير تقرير حديث أصدرته غرفة التجارة الأميركية إلى أن نتائج مفاوضات البركسيت سيكون لها تأثير كبير على الاستثمارات الأميركية في بريطانيا، التي تبلغ قيمتها وفقاً للتقرير 590 مليار دولار، وينتج منها نحو 1.2 مليون وظيفة في بريطانيا. ويتوقع التقرير مستقبلاً مظلماً لبريطانيا: فإذا لم تحافظ المملكة المتحدة على المستوى الحالي في الوصول إلى السوق الأوروبية، سترتفع تكلفة ممارسة الأعمال في الاتحاد الأوروبي - و"من المرجح أن يتحمل العمال البريطانيون والمستهلكون هذه التكاليف ".

الوثيقة بأكملها مليئة بتحذيرات للمتواجدين في بريطانيا، الذين قد يحلمون بتحالف وثيق مع الولايات المتحدة، لاسيما أن المراكز المالية في لندن ونيويورك تتنافس بشراسة. ولفهم ما يعنيه ذلك، يحتاج البريطانيون إلى تذكّر الشعار الذي ساعد ترامب على الفوز في الانتخابات: "أميركا أولاً."&

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلاً عن "شبيغل". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:

http://www.spiegel.de/international/europe/brexit-negotiations-face-new-hurdle-after-trump-election-a-1122025.html