إيلاف من برلين: اشترى صحافيو برنامج «ماركت»، الذي تقدمه القناة الثالثة (قناة الشمال) في التلفزيون الألماني من هامبورغ، سندويشات شاورما تركية من معظم المطاعم التركية في المدينة وارسلوها إلى الفحص في المختبرات العلمية للأغذية.

وتنص مواصفات «دونر كباب»، أو الشاورما التركية، التي تحددها وزارة الصحة الألمانية على أن يحتوي السندويش على 45 غرامًا من البروتين و77 غرامًا من النشويات و22 غرامًا من الشحوم، وبحد أدنى من السعرات الحرارية لا يقل عن 610 كيلو سعرة، (مع السلطة).

ويتألف سيخ الـ«دونر» من لحم العجل أو الخروف أو من كليهما، على أن لا تتجاوز نسبة الشحم فيه 20 في المئة، ولا يتجاوز اللحم المفروم فيه نسبة 60 في المئة. فهل يطابق سندويش دونر كباب الألماني هذه المواصفات؟&

ويقول برنامج «ماركت» إن «دونر كباب» في هامبورغ ليس دونر كباب بل شيء آخر، وذلك ينطبق بلا شك على عموم ألمانيا، حيث يتناول الألمان 400 مليون سندويش منها سنويًا. وثبت أن محتويات دونر كباب لا تتطابق أبدًا مع مواصفات وزارة الصحة في "كتاب الخطوط العامة للأغذية" الموضوع لحماية المستهلك. ومن المؤكد أن هذه الحال تنطبق على محلات الوجبات السريعة التي تستخدم أسياخ دونر الجاهزة والمجمدة التي توزعها الشركات، في حين أن قلة قليلة من هذه المحلات تصنع أسياخها بنفسها.

وكان البروفيسور فاروق شين، الرئيس السابق لمركز الدراسات التركية في ألمانيا، أصدر كتابًا حول دونر كباب بعنوان "دونر: البضاعة السائدة في السوق الألمانية". وأشار شين في الكتاب إلى وجود 64 شركة لانتاج الدونر في ألمانيا توزع منتوجها على أكثر من 15 ألف محل. ويعترف فاروق شين في الكتاب أن 50 في المئة من المنتجين فقط يحملون شهادة أوروبية تشهد أن منتوجهم يتطابق مع الموصفات الصحة الأوروبية.

شاورما أم نقانق؟

كشف البرنامج عن عدم تطابق محتويات الشاورما مع المواصفات المكتوبة عليه في اربع حالات من خمس كانت تخص العينات التي أخذت من أسياخ لحم العجل. وكشف المختبر، المختص بالأغذية، أن سيخ لحم العجل يحتوي على الكثير من لحم الديك الرومي (ربما لأنه أرخص من لحم العجل والخروف) ومادة الغلوتامات المعروفة بضررها بالصحة، والكثير من «الهريسة» والمقصود بالهريسة هنا هريسة اللحم المفروم مع الجلد والشحم والعظام والشرايين والأعصاب والدم... إلخ. وتكون بالتالي، بحسب رأي البرنامج، أقرب إلى النقانق منها إلى مواصفات دونر كباب.

ارتفعت نسبة هذه «الهريسة» في إحدى العينات إلى 70 في المئة، واصبحت بالتالي نقانق وليست دونر كباب، بحسب رأي فولكمار هاينكه، الكيمياوي المتخصص بمحتويات الأغذية. وأضاف أن كل هذه المحتويات، بضمنها لحم الديك الرومي، غير شرعية وتتناقض مع التعليمات الصحية. ومن الضروري كتابة المحتويات الحقيقية على اللحم، وربما أعادة تسميته من دونر كباب إلى مجرد «سيخ اللحم الدوار».

وقاحة مشوية!

ظهر أيضًا، بحسب قناعة البرنامج، أن شركات إنتاج أسياخ دونر كباب تكتب المحتويات أحيانًا بشكل ينطبق مع الحقيقة، إلا أن باعة الدونر لا يواجهون الجمهور بالحقيقة. واستخدم برنامج «ماركت» صاحب محل شهير لبيع الشاورما التركية في هامبورغ، وهو كورال ايلتشي، كي يخبر المشاهدين عن رأيه بطعم عينات سندويتشات دونر الجاهزة. وصف الرجل المتخصص أحداها بأنها «ليست لحمًا» وأخرى على أنها «نقانق» والثالثة على أنها «وقاحة مشوية».

في ضوء التحقيقات التي أجراها برنامج «ماركت»، قررت السلطات الصحية في هامبورغ فتح التحقيق مع بعض المطاعم التركية بتهمة التلاعب والغش والإساءة إلى صحة المواطنين، إذ ثبت من فحوصات المختبر أن 90 في المئة من عينات السندويشات لا تطابق المواصفات وناقصة. ويمكن أن ترتفع العقوبات ضد أصحاب المحلات إلى الغرامات المالية وإغلاق المحلات وربما السجن.

منتهية الصلاحية

في سنة 2007، تم الكشف عن فضيحة اللحم الفاسد صدفة أثناء معاينة إحدى صاحبات مطاعم دونر لتاريخ صلاحية سيخ الدونر الذي استلمته. فقد اكتشفت المرأة في بافاريا وجود ورقة جديدة تغطي ورقة قديمة تشير إلى أنتهاء صلاحية سيخ اللحم المجمد منذ أكثر من سنة.&

وأسفرت التحقيقات وحملة المداهمات التي نفذتها السلطات الصحية البافارية عن أطنان من اللحم منتهي الصلاحية في ثلاجات شركات اللحوم في ميونخ وبرلين وهانوفر وكولون وغيرها. ولم تشمل الفضيحة لحوم أسياخ دونر فقط بالطبع، لأنه تم الكشف عن أطنان لحم الخنزير الفاسدة، إلا أن انتحار أحد منتجي أسياخ دونر الفاسدة عزز التهمة الموجهة إلى المافيا التركية بالوقوف وراء فضيحة اللحم الفاسد.

وكشفت الفحوصات الطبية آنذاك أن اللحم ليس خطرًا على الحياة، إلا أنه تجاوز فترة صلاحيته للأكل منذ فترة. وتحول دونر في هذه الحالة إلى مادة بلا طعم، بلا فائدة ومسببة للإسهال والاضطرابات المعدية البسيطة. واتضح لرجال التحقيق أن شركات اللحم أعادت تغليف الأسياخ بغلاف جديد ووضعت عليه تاريخًا جديدًا يطمئن المستهلك إلى صلاحية اللحم للأكل. وداهمت السلطات الصحية الألمانية مطاعم العاصمة برلين في نوفمبر الماضي، وأخذت عينات من لحوم أثبتت الفحوصات الطبية أنها منتهية الصلاحية في 22 حالة من17 مطعمًا للدونر.

دبي تنذر مطاعمها

وكانت بلدية دبي مطلع نوفمبر الجاري قد أنذرت قرابة 254 من أصل 572 بأن مصيرهم سيكون الاغلاق ان لم يمتثلوا للشروط الصحية التي حددتها.&

وقال سلطان الطاهر، رئيس قسم التفتيش الغذائي في بلدية دبي: «وجدنا خلال حملاتنا التفتيشية الروتينية على المؤسسات ان بعضها لا يمتلك مساحة كافية لإعداد هذه الوجبة، ولا المساحة المخصصة لحفظ المتبلات المستخدمة مثل المايونيز، وصلصة الثوم، او الطحينة، وغيرها، في الثلاجات، بالتالي تبقى قرب الحرارة مما يعرضها للتلف نظرا لتكاثر البكتيريا الناتج عن ارتفاع الحرارة، وهو ما ينذر بإمكانية حدوث تسمم».

ومنعت هذه المؤسسات الغذائية من تقديم الشاورما، وأمهلتها بلدية دبي ستة اشهر لتطبيق الشروط الغذائية والصحية الواجب توافرها في المؤسسة الراغبة في تقديم وجبة الشاورما، كي تتيح لها فرصة كاملة للعمل على تحسين وضع مواقع التحضير والمساحات المتوافرة، بحيث تتناسب والاشتراطات.

الدونر التركي

الجدير بالذكر أن كتاب «الدونر: البضاعة السائدة في السوق الألمانية»، الذي نشره مركز الدراسات التركية، يشير إلى أن محلات بيع الدونر تحقق في ألمانيا دخلًا قدره 2 مليار يورو سنويًا من بيع 408 اطنان منه يوميًا. ويعود انتشار الدونر كباب إلى العمال الأتراك المهاجرين الأوائل الذين وصلوا ألمانيا مطلع السبعينيات في القرن الماضي، أي بعد وصول اليونانيين في الستينيات مع نفس السندوتش المصنوع من لحم الخنزير «الغيروس»، لدعم المعجزة الاقتصادية الألمانية.&

ما عاد ممكنًا الحديث عن «دونر تركي»، لأن الدونر المصنوع في ألمانيا أصبح له مذاقه الخاص الذي يفضله الأوربيون، ولهذا فقد انقلبت الحالة، وبعد أن كان الأتراك يصدرون أسياخ اللحم من تركيا إلى ألمانيا في الثمانينات، صار الأتراك اليوم يستوردون «الدونر الألماني» من ألمانيا ليبيعوه للأوروبيين في المدن السياحية التركية الممتدة على سواحل البحر الأبيض المتوسط.

شهية طيبة!​