إيلاف من لندن وبيروت: في يوم الأربعاء 16 نوفمبر الجاري، ألقى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني خطابًا في بعشيقة، التي حررتها البيشمركة من داعش، أكد فيه البقاء في الأراضي التي يحررها الأكراد. إلا أن رئاسة كردستان عادت بعد يومين وأعلنت في بيان توضيحي التزام بارزاني أي اتفاق مبرم مع الحكومة المركزية في بغداد حول هذا الموضوع.

لكن، في زيارة أخيرة إلى بغداد، قال بارزاني: "اتّفقنا مع أميركا على عدم انسحابنا من المناطق الكردستانية، فهذه المناطق حُرّرت بدماء 11500 شهيد وجريح من البيشمركة، ومن غير الممكن بعد كل هذه التضحيات أن نقبل بالتعامل المباشر للمركز مع المحافظات".

وفي حال لم يتم التوصل إلى حل مع بغداد حول استقلال كردستان، اعتبر رئيس إقليم كردستان أنّ الاستفتاء سيكون الحل. 

الاستفتاء

إن كان طرح بارزاني مسألة الاستفتاء، فقد سألت "إيلاف"، في سياق استفتائها الأسبوعي، قرّاءها: "بعد تصريحات بارزاني حول استقلال إقليم كردستان، هل سترى الدولة الكردية النور قريبًا؟". أتت أغلبية الإجابات سلبية، إذ من إجمالي 6682 مشاركًا، صوت 5432 بـ "كلا"، بنسبة 81 في المئة، بينما أجاب 1250 مشاركًا بـ "نعم"، بنسبة صغرى بلغت 19 في المئة. فهل الأمل في إقامة الأكراد دولتهم المستقلة ضعيف إلى هذه الدرجة؟

يقول الباحث الأميركي كريستين كاريل في جريدة نيويورك تايمز إن الأكراد يقتربون من إنشاء دولتهم، ما سيحدث تحولات في الشرق الأوسط، متسائلًا: هل سيساند الرئيس الأميركي الجديد وجود هذه الدولة على الخارطة؟

فإن كانت الولايات المتحدة تبحث فعليًا في إقامة دولة كردية، فلا بد بحسب مراقبين أن يتم ذلك في ضوء أمور عدة، أهمها الاستفتاء الذي تحدث عنه بارزاني. يقول هؤلاء المراقبون إن المادة 140 من الدستور العراقي تنص على إعطاء المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وحكومة بغداد الحق في تقرير مصيرها عن طريق استفتاء شعبي، ومنها كركوك ومدن في ديالى ونينوى وصلاح الدين، وقد أوقفت الحكومات العراقية حتى الآن العمل بهذه المادة الدستورية، من دون أن يستبعدوا اتفاقًا كرديًا أميركيًا على مصير هذه المناطق في مرحلة ما بعد الموصل. وبالتالي، الأمر منوط باتفاق مع بغداد لإعادة العمل بهذه المادة الدستورية.

حرب سورية

لكن ليس هذا الأمر كله، فللدولة الكردية العتيدة علاقة بمآل الحرب في سوريا، إذ يبدو أن ثمة تقاطعاً بين النظام ومعارضيه على إهمال المسألة الكردية. فالمعارض السوري المستقل علي الحاج حسين أبلغ «إيلاف» أنه يحق للأكراد أن يقيموا دولتهم المستقلة كغيرهم من بني الانسان، مخالفًا الرأي السائد في أوساط المعارضة السورية، ومعتبرًا أن المعارضة السورية الجديدة ورثت موقف المعارضة السورية التقليدية من الشعب الكردي، وعاملت ملفه على الدوام كملف ثانوي على الصعيد الوطني، وابقته على رف القضايا الوطنية المهملة، «فعومل الكردي معاملة الأخ الصغير، واقتصر التعاطي معه في إطار التعاطي مع أحزاب لا مع ملف قضية شعب شريك في الوطن، ولم تتبنَّ حاجاته».

ويعود الحاج حسين إلى إغفال المعارض السوري التقليدي احتضان انتفاضة مارس 2004، فلم يوظفها في صالح المجموع الوطني واكتفى بتسميتها "أحداث القامشلي"، ما وسع الشرخ في الحراك الوطني العام، وعلى الرغم من انخراط الشباب الكردي في الثورة منذ انطلاقتها، مقترحًا الفيدرالية حلًا للمسألة.

أما النظام السوري فيلعب بالأكراد ورقة في حربه على شعبه لقمع الثورة. والأكراد يعلمون أن النظام السوري لن يوافق على اقتطاع ما له من أرض، خصوصًا الآن، لتكون جزءًا من دولة كردية، إلا إذا كان في ذلك خلاصه، وهذا مرهون فعليًا بأي حل سيعتمد للأزمة السورية الدامية.

تقرير استشرافي

يعتمد بارزاني على علاقاته الوطيدة بالأميركيين ليحقق حلم الأكراد بالدولة المستقلة. وبالمناسبة، عُرض في الكونغرس في عام 2005 تقرير "استشرافي" أعده مركز للدراسات في واشنطن يقول إن أميركا يمكنها تشجيع قيام دولة مستقلة للأكراد في العراق تمهيدًا لقيام كردستان الكبرى، ساردًا التحولات الإستراتيجية في المنطقة في حال قيام هذه الدولة، ومنها ضمان وجود دولة صديقة وحليفة للولايات المتحدة والغرب وإسرائيل، وتطوير واستثمار مشاعر الملايين من الأكراد المتعاطفين مع الولايات المتحدة في منطقة إستراتيجية، ولا سيما أن الولايات المتحدة تواجه كراهية متنامية عند الشعوب العربية.

ويرى التقرير أن تشكيل الدولة الكردية المقترحة ستتوسع مستقبلًا لتضم مناطق الأكراد في إيران وتركيا وسوريا، بهدف إيجاد حليف إستراتيجي لإسرائيل يمكن أن يشكل لها عمقًا سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، فالأكراد لا يتحسسون من الانفتاح على إسرائيل بفعل تاريخ قديم من العلاقات ومن الدعم السياسي والعسكري للأكراد منذ عهد الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني، إلى جانب تشكيل قوة إستراتيجية عسكرية واقتصادية لها القدرة على إيجاد توازن إقليمي حقيقي مع إيران والدول العربية والعراق أو ما يتبقى منه في حال أفرزت الديمقراطية فيه تيارًا سياسيًا متطرفًا.

معوقات الحلم

يبدو هذا الكلام إستشرافيًا فعلًا، إذ صدر قبل 6 أعوام من موجة الربيع العربي والحرب في سوريا التي أسست لما يسمى "تنظيم الدولة الاسلامية"، وللفوضى العارمة التي يمكن أن تكون "خلاقة" بالفعل بالنسبة إلى الأكراد لتحقيق حلمهم. لكن الدول لا تنشأ على الأحلام، بل على أسس صلبة تدعم استمراريتها.

يقول خبراء إن ثمة معوقات عديدة تقف في وجه انتقال الأكراد من مرحلة الكيان المستقل نوعًا ما إلى مرحلة الدولة المستقلة، أولها مشكلة الجغرافيا، إذ يحيون في سلاسل مستمرة من الجبال والمرتفعات معقدة تعيق بناء دولة كردية موحدة، بل تعيق توحيد الأكراد أنفسهم، وثانيها الانشقاقات الكردية التي لا تنتهي، فأكراد تركيا يوالون حزب العمال الكردستاني اليساري الذي عاد إلى العمل المسلح بعد استراحة محارب، وثالثها المانع الإقليمي، وخصوصًا التركي، فأنقرة دخلت الأراضي السورية أساسًا لتوقف تقدم الأكراد في الدرجة الأولى، وتبعدهم عن أراضيها، ولن تقبل بدولة كردية على حدودها، ولو برعاية أميركية. أما أهم هذه المعوقات اقتصادي، فمواردها الطبيعية قليلة، ووجود النفط وحده لا يكفي من دون مسرب إلى البحر لتصديره، خصوصًا أن الدولة الكردية ستكون محاطة بدول تعاديها. 

* شارك في إعداد التقرير: بهية مارديني من لندن ومروان شلالا من بيروت