في لقاء خاص مع "ايلاف"، طرح المعارض والاعلامي السوري المستقل علي الحاج حسين عددًا من القضايا الإشكالية، ابتداءً من علاقة المعارضة السورية بالمعارضة الكردية، وانتهاءً بالفيدرالية وشكل الدولة وكيفية الحل الشامل في سوريا، مرورًا بالثورة السورية التي ألقى لوم فشلها على المعارضين أنفسهم ممن تصدروا المشهد السياسي، بسبب ضعفهم وانصياعهم وشهوة السلطة عندهم.

على الرف

رأى الحاج حسين أن علاقة المعارضات السورية بالأكراد تأتي من "منطلق التاريخ والمنطق التاريخي والجغرافي والانساني، وأنه يحق للأكراد أن يقيموا دولتهم المستقلة كغيرهم من بني الانسان، لكن مخرجات سايكس-بيكو أغفلتهم من تقسيم الكبار الفطيرة العثمانية".

وفي ما يخص الحالة السياسية الكردية، اعتبر أن أنظمة ديكتاتورية اجتهدت "لصناعة أحزاب كردية تسير في ركابها، ومحاربة التنظيمات الأخرى باعتبارها انفصالية، كما ورثت الهيئات المعارضة الجديدة موقف المعارضة السورية التقليدية من الشعب الكردي وعاملت ملفه على الدوام كملف ثانوي على الصعيد الوطني، وابقته على رف القضايا الوطنية المهملة. فعومل الكردي معاملة الأخ الصغير، واقتصر التعاطي معه في إطار التعاطي مع أحزاب لا مع ملف قضية شعب شريك في الوطن، ولم تتبنَ حاجاته".

حل فيدرالي

تابع: "يتضح ذلك أكثر حين غفل المعارض السوري التقليدي عن احتضان انتفاضة مارس 2004، فلم يوظفها في صالح المجموع الوطني، واكتفى بتسميتها ’أحداث القامشلي‘، ما وسع الشرخ في الحراك الوطني العام، وعلى الرغم من انخراط الشباب الكردي في الثورة منذ انطلاقتها، فقد أصاب هذا الانخراط انكسارٌ سببه إهمال حقوقه".

ورأى الحاج حسين أنه "لو رغب القيمون على إدارة الأزمات العالمية، ستكون الفيدرالية أو الإدارات الفيدرالية خير حل، وبعد زرع الثقة بين الأطياف ربما تتوحد طوعًا من جديد، كما حدث في الاتحاد الأوروبي الذي ضم الأعداء والخصوم والضعفاء والأقوياء في تجمع واحد هدفه حماية مصالح الجميع. ولعل الكردي صار على يقين بأنه مهما اختلف مقتسمو كردستان فلا مانع من اتفاقهم في ما يخص الملف الكردي".

المعارضة أفشلت الثورة

قال الحاج حسين لـ"إيلاف": "لا بد من الاعتراف بأن السعي المبكر إلى عسكرة الثورة لم يكن قرارًا حكيمًا إن لم نقل مغرضًا، فبشار الأسد كان موغلًا في القتل والتشريد، ناهيك عن إعلام الثورة العفوي خلال التغطيات الميدانية واستعراض بطولات وحذلقة لفظية على الفضائيات لأشخاص يقولون ما يراد لهم أن يقولوا. يُضاف إلى ذلك عزل الضباط المنشقين عن الحراك الميداني وتهميشهم، ثم إطلاق يد المعتاشين على معونات السوسيال في أوروبا، فتقاسموا الغنيمة وتوزعوا المناصب في ما بينهم".

وبحسبه، تبين أن أشخاص المعارضة السورية التي تصدرت المشهد مجرد تجار وباحثين عن وظائف يخشون على مرتباتهم، ويعارضون أي تعديل في هيكلية المؤسسات المعارضة، فماذا لو تم حل القضية السورية بالمجمل، حينذاك سيخسرون الفنادق والتمويل، "ولا بد من القول إن أي تمويل للنظام أو معارضيه هدفه خدمة مصالح الممول وليس السوريين، وبالتالي يقتل النظام ليحفظ مصالح أسياده الذين بفضلهم بقي على الكرسي وأمراء الحرب يقتلون حتى بعضهم تنفيذًا لرغبة أولياء نعمتهم الطارئة، ولاحقًا صار معظمه بيادق في أيد الممولين، وتحولت الثورة إلى مصالح المال السياسي التابع لدول وحكومات بعينها. أما سورية المركزية تحولت إلى دولة فاشلة بامتياز، وكان من الطبيعي أن تصبح مرتعًا لشتى أصناف الارتواق، ومسرحًا مناسبًا لتصفية حسابات دول ومنظمات وقوى مختلفة، تقام فيها مراسم الحروب بالوكالة وحقول رمي لتصريف أسلحة قديمة مخزنة في مستودعات المصانع منذ الحقبة السوفياتية، ومن ثم تجريب فاعلية أصناف حديثة من السلاح النوعي، كما هي الحال في حلب اليوم".

طبّلوا وزمّروا

يرى الحاج حسين أن مستقبل سوريا وصيانتها ما كانا هدف النظام أو الواجهة التي تصدرت مشهد كيانات المعارضة، بل كان هدفهم الاستيلاء على الحكم فحسب، "أي فرّط نظام فاشي ومعارضة فاشلة بسوريا وبشعبها المنكوب، وإعادة صياغة الخارطة السورية تلزمها عصا سحرية بعدما غاب العقل الرشيد".

واعتبر الحاج خسبن أن الموقف الدولي المتفرج على المشهد السوري لم يكن مستغربًا، "حيث استجلب أهل سوريا من موالين ومعارضين كل شذاذ الآفاق من مجرمين وقتلة ومتطرفين محليين ووافدين، كلٌ يسعى إلى القضاء على الآخر، فعلى سبيل المثال، لن يعارض أحد اقتتال القاعدة وحزب الله ومن والاهم من ميليشيات، فمن السهل القضاء عليهما بعد أن يضعف أحدهم الآخر".

أضاف في حديثه لـ "إيلاف": "أما المجموعات التي حاولت المساعدة من خلال مؤتمرات كبرى طبل لها المنتفعون وزمّروا فلا تعدو كونها استعراض كرامات مصطنعة أمام عدسات الكاميرات، وسخرية من جثث ضحايا تسقط يوميًا، بل صارت صبًا للزيت على النار، وتشجيعًا للنفخ في الرماد".

تشويه صورة العمل الوطني

واعتبر الحاج حسين أن أهم أسباب ضعف معارضي نظام الأسد نسختهم أدوات النظام نفسه لمحاربة بعضهم بعضًا، "فسادت الانتقائية والشللية والاقصاء وحتى التخوين، ما شتت قوى المعارضة، وتم عزل الناشط المختلف لئلا يفسد عليهم بازارات مقايضة المواقف، ومن ينتقدهم يصنف عميلًا، أو خارج السرب في أحسن الأحوال، ويُستبعد نهائيًا من المشهد السياسي، وهذه كانت ممارسة القادمين من صفوف مؤسسات النظام ومؤسسات المعارضة التقليدية المزمنة بشكل خاص، وجاء التمويل الخارجي أسفينًا شوّه صورة العمل الوطني حين اشتغلت معايير البازار للمشاركة في التجمعات المعارضة التي تحولت أغلبيتها إلى تجمعات مقاولين ولصوص لا يقلون خطرًا على سوريا من نظام الأسد".

أضاف: "بفعل عنجهية الأسد وجشع من والاه، وعجرفة بعض المعارضين ممن قتلتهم شهوة السلطة، سعى الطرفان إلى الاستقواء بكل قاتل ومأجور زنيم من أقاصي الأرض، تحولت سوريا إلى مستنقع تعوم فيه حيتان البغض والكراهية، واستسهلنا ذبحنا بعضنا باسم الدين والوطن طبعًا".

نجاحها لا يُفيد أحدًا

وأشار الحاج حسين إلى أن نجاح الثورة السورية لا يفيد أحدًا من الدول المستبدة، "وسعى بعض دول المنطقة إلى إجهاضها كيلا تنتقل العدوى إلى ديارهم، وتظاهروا بمساعدة السوريين ودعمهم. وسيظل هؤلاء الأخوة الألداء، يدعمون حالة لا غالب ولا مغلوب لتبقى سوريا مثلًا يشيرون إليه أمام شعوبهم كي لا يثوروا على حكامهم المستبدين".

أضاف: "كان التعطش إلى الربيع العربي حقًا طبيعيًا ورغبة عارمة، لكن تم استغلاله وتوظيفه من مختلف الدوائر والقوى، فكل جانب يوجهه لصالحه، وكان صرخة حق أُريد بها باطل، وما زالت الشعوب تسعى إلى تحقيق طموحاتها، والجميع يتآمر عليها إلى جانب حكامها".

وانتهى أخيرًا إلى القول: "إن الانتقال في سوريا من الثورة إلى الدولة يحتاج إلى رفض شعبي لكامل الطواقم المرتزقة في المعارضة الفاشلة والنظام الفاشي، والسوري اليوم أحوج ما يكون إلى ثورة تنوير قبل التحرير... فأين أسلحة العقلاء والمفكرين لمحاربة جحافل الظلام والاستبداد؟".