ولد جانيس ماكديفيد بلا أطراف، لكن هذا لم يمنعه من الدراسة في الجامعة وقيادة السيارة والسفر في رحلات حول العالم.

برلين: يعرف جانيس ماكديفيد ان كثيرين يشعرون بالتوتر حين يلتقونه لأول مرة ويقول انه يساعدهم على الاسترخاء. وهو في مثل هذه المواقف يبذل مجهوداً اضافياً لكي يبدو طبيعياً واثقاً بنفسه.

احياناً ينسى من معه انه بلا أطراف فيطلبون منه ان يمسك معطفهم للحظة. يقول ماكديفيد: "ان هذا أفضل شيء يمكن ان يحدث لي" لأنه حينذاك يعرف انه استطاع مرة اخرى أن يمنع إعاقته من الهيمنة على حياته.

أضاف ماكديفيد في مقابلة مع مجلة شبيغل الالمانية انه كان دائماً يريد ان يصبح شرطياً على دراجة نارية ثم رأى نفسه ذات صباح في المرآة وانهار حلمه. وكان ماكديفيد في الثامنة من العمر حين ادرك فجأة انه معاق. وقال ان ذلك كان "صدمة".

لا أحذية!

في سن المراهقة كان ماكديفيد يخجل من طريقته في صعود درجات السلم قفزاً على نهاية جذعه السلفى وكان يتجنب الخروج من البيت دون كرسي متحرك. ولكنه عرف في النهاية ان خجله قيد آخر على حركته شأنه شأن أمزجته العكرة حين تنتابه.

وقال ماكديفيد انه كان ينفعل بسبب اشياء كثيرة ولكن انفعاله لم يكن يجديه نفعاً. وهو عادة يحتفظ بهدوئه حين يمر به اشخاص يتسارعون الى ركوب المصعد في محطة القطار متسببين في تأخره عن اللحاق بالقطار. وحين يغضب ماكديفيد فانه يغضب في بيته حيث لا يراه أحد.

يسكن ماكديفيد في شقة مصممة لمساعدة المعاقين في مدينة بوخوم غرب المانيا. وفي برلين حيث يحب ان يقضي الكثير من وقته يسكن مع اصدقاء في عمارة سكنية بُنيت قبل الحرب. ويحرص اصدقاؤه على إبقاء الباب موارباً لأنه يلاقي صعوبة في الوصول الى المقبض بجذعه ورأسه فقط.

ينظر ماكديفيد الى أحذية اصدقائه ويقول ضاحكاً انه مسرور لأنه لا يحتاج الى احذية لأنه كان سيمتلك آلافًا منها.

حياة صعبة

الفكاهة تساعد ماكديفيد على قضاء يومه. هو يقول: "أنا أضحك على نفسي وهذا من أهم المهارات التي أملكها". ولكن الحياة اليومية تبقى صعبة رغم ذلك.

ماكديفيد لا يستطيع الخروج كما يشاء. وإذا اراد التنقل في برلين بحافلة أو قطار فانه يختار عددا من الطرق البديلة في حال وجود مصعد معطل في احدى المحطات التي عليه ان يغير قطاره فيها. وإذا اراد ان يأكل خارج البيت فانه يتصل مسبقاً للتأكد من عدم وجود موانع أو حواجز في المطعم تحول دون دخوله.

يقول ماكديفيد: "اتمنى احيانا ان تكون الأمور أبسط" وان يتمكن على سبيل المثال من ركوب الترام في المطر دون ان تتزحلق عجلات كرسيه المتحرك على الأرض المبللة.

ماكديفيد لا يدع الآخرين الذين ينظرون اليه باستغراب أن يُشعروه بوضعه الخاص وهو يقول انه يتجاهل كل ما يمكن ان ينال من ثقته بنفسه. وهذه استراتيجية تعين عليه ان يتعلمها بنفسه مع استراتيجيات أخرى تساعده في حياته. ويمسك ماكديفيد حافة كأس العصير بشفتيه ويرفعه بمساعدة الطرف الصغير المتبقي من ذراعه اليمني ويبقيه متوازناً اثناء شرب العصير.

ماكديفيد يأكل بلا ملعقة أو شوكة أو سكين مستخدماً شفتيه. وهو يكتب بفمه ماسكاً القلم بين أضراسه على الجانب الأيمن لأنه لا يستطيع ان يكتب بجانبه الأيسر. وحين يرتدي قميصه يرفعه بعصا خشبية بطول الذراع التي لا يملكها ثم يُنزله على رأسه. 

أربعة آباء

توصل ماكديفيد الى هذه الطرق كلها بمفرده. وفي حفلات عيد الميلاد للاطفال كان ماكديفيد عادة هو البطل بكرسيه المتحرك الانيق وايضا الشاذ الذي عليه ان يجيب عن اسئلة الأطفال بشأن اطرافه المفقودة.

لدى ماكديفيد اربعة آباء، والداه البيولوجيان في هامبورغ ووالداه في بوخوم اللذان عُهدت بهما رعايته حين كان صغيرا. ويقول ماكديفيد ان والديه في بوخوم "ساعداني مساعدة هائلة بعدم مساعدتي" ودفعه الى الاعتماد على نفسه وابتكار طرق تعينه على قضاء يومه.

يستطيع ماكديفيد قيادة السيارة باستخدام مركبة معدلة خصيصاً لهذا الغرض وهو سائح لا يكل من السفر. وزار حتى الآن البرازيل وفيتنام وبورما ورافق اصدقاء في رحلة الى كوبا لقضاء اجازته الأخيرة. وهو مصمم على اكتشاف بلد جديد كل عام.

ولكن هناك اشياء لا يستطيع ماكديفيد ان يفعلها مثل فتح باب أو أخذ شيء ما من الرف في متجر. وهو لا يستطيع الاستحمام بمفرده. ولا يستطيع ان يخرج الى الشارع دون ان يثير انتباه الآخرين اليه.

يحتاج المساعدة

ورغم رفضه الاعتماد على آخرين فانه يضطر احياناً الى طلب المساعدة وهذا يزعجه كثيرا. وهو احيانا لا يتسوق لأن مزاجه لا يسمح له ان يطلب من عاملة المتجر ان تساعده باخراج محفظة النقود من جيبه حين يدفع ثمن مشترياته. ويصادف ان اشخاصاً يساعدونه دون ان يسألوا ان كان يحتاج الى مساعدتهم. وهذا امر يغيظه.

يدرس ماكديفيد الاقتصاد في جامعة فيتن ـ هيردكة في منطقة الرور غرب المانيا. وهو يلقي محاضرات تشجيعية في انحاء العالم وسيقوم بجولة لترويج كتابه الجديد. ويريد ماكديفيد ان يثبت ان اي شخص يستطيع ان يعيش حياة منتجة وان ذوي الاعاقات مثله، في الغالب، لا يشعرون انها تعيقهم إذا لم يقف احد في طريقهم.

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف عن مجلة "شبيغل". الأصلية منشورة على الرابط التالي:

http://www.spiegel.de/international/tomorrow/janis-mcdavid-born-without-arms-and-legs-a-1123155.html

.