يقاطع النباتيون اللحوم بأصنافها كافة من منطلق إنساني قبل النواحي الصحية، ولكن ماذا سيكون غذاؤهم بعدما توصلت دراسة إلى أن النباتات تشعر بالخطر قبل التهامها فتقاوم وتدافع عن نفسها قبل أن تقع فريسة البشر أو الحيوان.

إيلاف من برلين: يفزعنا فيلم"ذي هابيننغ" (إخراج م.نايت شالامان وتمثيل مارك وولبيرغ) بالنباتات الأرضية التي تشعر بنفسها مهددة بالانقراض، وكيف تبدأ بإطلاق الروائح السامة التي تدفع المسيئين إلى البيئة (البشر) إلى الانتحار جماعيًا. 

ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، وتوقف النباتات حربها المضادة فجأة، ويعتبر العلماء أن ما فعلته النباتات كان مجرد إنذار أخير، لأن النباتات تحس وتدافع عن نفسها.

لا يتجه النباتيون عادة إلى الأغذية النباتية، لأهداف تتعلق بطول العمر والصحة فقط، وإنما من منطلقات إنسانية تتعلق بقساوة ذبح الحيوانات والتهامها أيضًا. 

ويعرف العلم منذ عقود بأن النباتات لا تخلو من ذكاء، وأنها تعرف كيف تحور نفسها في مواجهة مختلف الظروف، بل إنها تعرف كيف تتصل ببعضها، وأن تنذر النباتات الأخرى عند مواجهة حالة خطر. لكن نتائج دراسة علمية أميركية جديدة لن يستسيغ طعمها ملايين النباتيين بالتأكيد، تقول إن النباتات تحسّ وتقاوم عند التهامها. 

قدرات بصرية
في الشهر الماضي توصل العلماء الألمان، من معهد ماركس بلانك، إلى أن جذور النباتات قادرة على الرؤية في الظلام، مهما كان عمقها في التربة. 

وكشف العلماء عن آلية حصول هذه العملية عن طريق مرسلات للضوء في البراعم ترسل النور إلى مستقبلات في أعمق نهايات الجذور. 

ظهر أن النور الآتي من فوق الأرض إلى تحت الأرض يحفّز أيضًا عمليات حيوية كيميائية تؤدي إلى نمو النبتة في الظلام. وهكذا تعين هذه العملية النبتة على التأقلم مع الشروط الضوئية والبيئية المحيطة بها. وهكذا تمكن العلم للمرة الأولى من إثبات أن الضوء يصل إلى الجذور، وأن نمو النباتات يعتمد إلى حد ما على هذه الحقيقة أيضًا. 

حسّ دفاعي
ذكر العلماء الأميركيون من جامعة ميسوري أنهم أجروا دراسة تثبت بأن النباتات تحس عند محاولة التهامها، وأنها تطلق سلسلة آليات دفاعية تحاول فيها وقف عملية التهامها. 

ولأن النبتة التي أجريت عليها التجارب تشبه ما نلتهمه من مخضرات، مثل البروكولي والكرنب، يعتقد العلماء بأن النباتات الأخيرة تحس وتدافع عن نفسها أيضًا.

أجريت الدراسة على نبتةArabidopsis thalianaالتي تستخدم بكثرة في التجارب النباتية المختبرية بسبب انتمائها للفصيلة الكرنبية. ومعروف ان هذه النبتة كانت أول نبتة ينجح العلماء في فك شفرتها الجينية، ويحملون معلومات تفصيلية جداً عن حياتها ونشطاتها البيولوجية.

تفسِّر الذبذبات القادمة نحوها
للتأكد من نظريتهم حول الميكانيزم الدفاعي للنبتة بالضد من ملتهميها، سجل علماء ميسوري الذبذبات الصوتية التي تنطلق عن اليسروع (يرقانة الفراشة) أثناء التهامه للنبتة، باعتبار أن النباتات تسمع وتحسّ بالاهتزازات. كما سجلوا الذبذبات الصوتية التي تتعرّض لها النباتات عادة مثل الضجيج والريح ...إلخ.

عرض العلماء نبتة Arabidopsisthaliana لهذه الأصوات، وكتبوا النتائج في مجلة "مودرن فارمر". لم تتأثر النبتة عندما تعرّضت إلى أصوات الريح والموسيقى والأصوات الطبيعية الأخرى، لكنه اتضح تحت المجهر أن النبتة، حينما تسمع أصوات الحيوانات والبشر الذين سيلتهمونها، تطلق نوعًا من زيوت الخردل، الواطئة السمية، وترسلها إلى الأوراق، بهدف ردع المفترس عن التهامها.

وقالت الباحثة هايدي أبيل، من معهد الأبحاث النباتية في جامعة ميسوري، إن دراسات سابقة كتبت عن استجابة النباتات للموسيقى، وكيف تزداد نموًا وإنتاجًا عند سماع الموسيقى الهادئة. 

وأكدت أبيل أن الدراسة تثبت أن النباتات لا تتأثر بالأصوات الطبيعية، لكن الترددات الناتجة من التهامها من قبل يرقانة فراشة، تطلق ميكانيزم دفاع يكشف بأن النبتة تحسّ وتدافع عن نفسها قبل التهامها، سواء كان ذلك من قبل يسروع أو ماعز أو بشر.

تمامًا كالحيوانات
تعليقًا على نتائج الدراسة الأميركية حول ميكانيزم الدفاع النباتي ضد المفترسين، قال البروفيسور ديتر فولكمان، من جامعة بون الألمانية، إنه لا فرق بين الحيوانات والنباتات. وأضاف فولكمان، الذي يتخصص في الأنظمة الحسية للنباتات، إن النباتات لا أعصاب لديها مثل البشر والحيوانات، لكن هناك بنى وآليات تعينها في الحس.

تحدث عن تجارب أجراها على نبتة الذرة تكشف أنها تستقبل إشارات كهربائية بالغة الصغر، أو ضوئية، تفسر على أساسها ما ستواجهه. 

وأضاف إن كل شيء في النبتة يجري ببطء، كما في عرض لقطة من الفيلم بالبطيء، لكن النبتة تحس. وقاس فولكمان إشارات بيولوجية تطلقها نبتة الذرة تنتقل داخل أغصانها وأوراقها بسرعة سنتمتر واحد في الثانية عند استقبالها محفّزا ما. وتجري عملية نقل الأحاسيس عبر أعصاب البشر أسرع من النباتات 10 آلاف مرة، لكن هذا لا يعني أنها لا تجري في النباتات.