أبو ظبي:&في حضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس فرانسوا هولاند، رئيس الجمهورية الفرنسية، اختتمت فعاليات أعمال المؤتمر الدولي "الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر"، الذي استضافته أبوظبي على مدار يومين، بـ"إعلان أبوظبي"، تضمن الإعلان عن تأسيس صندوق عالمي لحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر في فترات النزاع المسلح.&

وكان جدول أعمال اليوم الختامي للمؤتمر بدأ بجلستي النقاش الأخيرتين الرابعة والخامسة، حيث تمحورت الرابعة حول تأسيس صندوق عالمي بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، واستضافت مارية ويستر مان، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة أندرو دبليو ميلون، ود.ماركوس هيلجيرت مدير متحف بيرغامون في برلين، وغولن أتاوي نيوتن المستشار العام للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، وترأسها سيف سعيد غباش المدير العام لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وأدارها جوشوا ديفيد، رئيس الصندوق العالمي للآثار.

وأكد غباش في بداية الجلسة أهمية المرحلة الحالية التي تفرض على الإمارات التدخل بشكل عاجل وفعّال لحماية التراث المعرض للتدمير أو السرقة، لما للتراث من دور هام في حفظ الذاكرة البشرية، فهو يعتبر الثروة الحقيقية الإنسانية. وأضاف: "إن المبادرة المشتركة التي تقودها دولة الإمارات، وفرنسا، لن تستكمل فقط المشاريع القائمة حاليًا، بل ستكون داعمة لها من خلال تشكيل تعاون دولي، وإشراك الحكومات، والمؤسسات، والقطاع الخاص بهدف اتخاذ خطوات عملية، والتواصل لنتائج ملموسة، ولذلك تضمنت تأسيس صندوق بتمويل عالمي لحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر، سيعمل على تأمين مصادر التمويل، والاستفادة منها كموارد لتنفيذ خطط التدخل العاجل، والسريع للآثار المهددة بفعل النزاعات المسلحة، والمخاطر باختلاف أنواعها.

تعاون

وقال جوشوا ديفيد رئيس الصندوق العالمي للآثار: "تعد عملية تمويل الصناديق غير الربحية إحدى العمليات الهامة التي تتطلب تنسيقًا مشتركًا بين مختلف الجهات، وعملاً على توفير المبالغ المطلوبة للتوصل للهدف المنشود، ونحن في الصندق العالمي للآثار نتعاون بشكل مستمر مع المجلس الدولي للآثار، ومختلف الجهات لرصد مبالغ التمويل المطلوبة للأنشطة ذات العلاقة بحفظ الآثار".

وتابع: "كانت لدينا ميزانية تصل إلى 50 مليون دولار، وفي الولايات المتحدة الأميركية هناك تجربة ناجحة في استخدام التقنيات ذات العلاقة بالترميم، والتوثيق كما حدث في عام 2002، وبشكل عام فإن حفظ الآثار، ونجاح أي صندوق يتطلب الشراكة مع مختلف شرائح المجتمع، وضمان أداء كل طرف بدوره المنوط به بالشكل الذي يحقق نجاح العملية.

ومن جهتها.. أشارت مارية ويستر مان إلى وجود البرنامج المشترك بين بعض القطاعات في الولايات المتحدة، وهولندا، والتي تقوم على برامج تعنى بتطوير القيادات في المجال التاريخي، والثقافي، كما تم العمل مع وزارة الثقافة في الهند عبر اجتماعات أسبوعية لتنسيق الحفاظ على الآثار.

وشددت ويسترمان على أن مفهوم تمويل الآثار هو الالتزام بعملية الدفع المادي، إضافة إلى التدريب، وتقديم العون المستمر الذي يساعد في تحقيق الأهداف العامة، مضيفة أن العمل الجماعي يمثل عائقا في بعض الأحيان، ولكن بوجود الإرادة السياسية، والعمل المشترك سيتجاوز العالم تحدياته.

واختتمت كلمتها بالتأكيد على أن مبادرة دولة الإمارات، وفرنسا بتنظيم المؤتمر، والإعلان عن جملة من المقترحات، والتوصيات، تؤكد عزمهما على المضي قدمًا في مسار حفظ التراث، مشيدة بالجهود التي تقدم من قبل الدولتين، وحرصهما على إنجاز الأهداف المطروحة.

مبادرة إماراتية فرنسية

ومن ناحيته.. أكد د.ماركوس هيلجيرت مدير متحف بيرغامون في برلين أن المبادرة المشتركة الإماراتية الفرنسية تهدف إلى حماية الآثار في مواقع النزاعات، وستساهم في حماية الآثار من مختلف الظروف التي تشمل الجماعات الإرهابية، والتحديات الأخرى ذات العلاقة المجتمعية من مثل الجهل، والفقر، ونقص التعليم، وهو ما يتطلب الشراكات بين القطاعات كافة، وتوضيح أهمية الآثار للسكان المحليين، والاستثمار في تعليمهم.

واقترح هيلجبيرت تخصيص جزء من الصندوق الدولي الجديد، وموارده للتأثير الإيجابي على السلوكيات العامة، عبر تدريب، وتعليم الكوادر البشرية التي تعيش في المناطق المتواجدة بالقرب من الآثار. واستعرضت غولن نيوتن المستشار العام للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، تجربة الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز، والسل، والملاريا، والذي تم تأسيسه عام 2012 بـ 12 موظفًا، ولكن الجهود المستمرة، واعتراف العالم بقانونيته أدى إلى حصوله على عدد من مصادر التمويل من الحكومات المختلفة، وجهات القطاع الخاص التي ساهمت في استمراريته.

وأضافت "عقدنا خلال سبتمبر الماضي المؤتمر الخامس لإنعاش الموارد، وجمعنا خلال أعماله 30 مليون دولار، كما حصد الصندوق المركز الأول في مجالات الكفاءة، والفعالية وفقًا لتقييم الشركاء، وبالتالي من المهم على أي صندوق يتم استحداثه أن يحدد الأولويات، ويعمل على رفع مستويات الوعي.

وعقدت جلسة النقاش الخامسة والأخيرة في المؤتمر برئاسة لورانس إنجل، رئيس المكتبة الوطنية في فرنسا، وبإدارة فرانس ديماراي، اللجنة الدولية للدرع الأزرق. وتناولت فكرة إنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة، والتي تحدث فيها رينو بوشيل، رئيس قسم حماية الممتلكات الثقافية في المكتب الفيدرالي للحماية المدنية في سويسرا، جان إيف مارين، مدير متاحف الفن والتاريخ في جنيف، وصاحب الغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك بابل للكلدان الكاثوليك.

وأكد المشاركون في الجلسة الخامسة التي جاءت بعنوان "إنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة" إلى أهمية تقديم حلول تعزز الاهتمام للمواقع التراثية وتوفير بيئة من الثقة بين دول المهددة ودول العالم والأطراف المعنية لحماية التراث المهدد من خلال الصراعات التي نشهدها في بعض من الدول، مؤكدين أن فكرة الشبكة الدولية للملاذات الآمنة ستكون عبارة عن مؤسسات عالمية متحدة مختصة بحماية التراث وإعادة ترميمه، ما يبني الثقة المؤسسي التراثي بين دول العالم.

واكدت لورانس انجل رئيس المكتبة الوطنية في فرنسا دور المكتبة الوطنية في فرنسا الذي سيكون له دور فعال في توثيق وحماية التراث المهدد والعمل في دعم الصندوق الدولي الذي يساهم في تعزيز الشبكة الدولية للملذات.

حماية التراث

وأشارت فرانس ديماراي إلى أهمية الدعم المادي للمواثيق الدولية لحماية التراث لإنقاذ الآثار الدولية في حالة الطوارئ وفي ظل التهديدات التي تتطرأ على الآثار، مؤكدة أن تصاعد النزاع الديني والعنصري في مختلف مناطق العالم يوضح الحاجة الماسة لاتخاذ الإجراءات اللازمة والتشريعات الدولية للحفاظ على ىالإرث الوطني.

وقال صاحب الغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساسكو: إن عملية السلب التي تمت للآثار في العراق، وما قامت به الأيدي الإرهابية أكبر دليل على أن منطقة العراق بالخصوص تحتاج إلى دعم مادي ومعاهدات دولية للحفاظ على التراث المهدد والمسلوب.

وأكد رينو بوشيل رئيس قسم حماية الممتلكات الثقافية في المكتب الفيدرالي للحماية المدنية في سويسرا أن قانون الشبكة الدولية للملاذات الآمنة تتطلب بعض الثقافة التوعوية لهذا القوانين وتقديم وسائل جديدة في حالة الطوارئ والكوارث، منوها إلى أن الشبكة تعد اداة جديدة في سويسرا وخارجها، وأن فكرة الملاذات الامنة هي تفعيل يتطلب المساعدات الدولية.

ويهدف الصندوق العالمي الذي تم الإعلان عنه إلى جمع 100 مليون دولار لتمويل عمليات التدخل العاجل لانقاذ المعالم التراثية، ومكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار والتحف الفنية الثقافية، إضافة إلى ترميم الممتلكات التراثية والثقافية التي تعرضت للتلف.

وبالتزامن مع الإعلان عن إنشاء هذا الصندوق العالمي، تبنى المشاركون في المؤتمر وثيقة "إعلان أبوظبي"، التي تعد إقراراً ملزماً لجميع الأطراف الموقعة عليها، لتقديم الدعم المالي للصندوق العالمي لحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر في فترات النزاع المسلح.

واستقبلت أبوظبي وفوداً رسمية عالمية مشاركة في المؤتمر تمثل أكثر من 40 دولة، والذي نظمته حكومتا كلّ من دولة الإمارات وجمهورية فرنسا، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة "اليونسكو" وحضره قادة وزعماء عدد من بلدان العالم وممثلين عن جهات ومؤسسات حكومية وخاصة من المجتمع الدولي، من المعنيين بقضايا الحفاظ على التراث العالمي.

وتم خلال جلسات وحلقات النقاش التي تخللها المؤتمر، تحديد الأهداف العملية والمستدامة للحفاظ على الموارد الثقافية القابلة وغير القابلة للنقل بصورة فعالة في مناطق الصراعات المسلحة، فضلاً عن إطلاق شبكة عالمية من الملاذات الآمنة المؤقتة لحفظ الممتلكات الثقافية، وفقاً للقوانين والتشريعات الدولية، وبناء على طلب من الجهات المعنية.

وسيقام مؤتمر آخر لمتابعة ما تحقق من نتائج في عام 2017، لتقييم مدى تطبيق المبادرة التي تم إطلاقها في أبوظبي، والمشاريع الأولى التي تم تمويلها من قبل الصندوق.

نص إعلان أبوظبي
يعد التراث الثقافي العالمي الركيزة الأساسية لبناء مستقبلنا المشترك، كونه المرآة التي تعكس مراحل تطور التاريخ الإنساني، والحار الأمين لذاكرتنا الجماعية، والشاهد الصادق على المسيرة الإبداعية للحضارات البشرية.
واليوم، تؤثر النزاعات المسلحة والإرهاب في جميع قارات العالم على ملايين الرجال والنساء دون أن يسلم منها تراثهم الذي يمتد لعدة قرون. ويهاجم المتطرفون، عمداً في معظم الأحيان، ثقافات الدول والشعوب، ويسعون إلى تخريب وتدمير التراث الذي يخصنا جميعا.
إن تهديد التراث ومهاجمته وتدميره ونهبه تشكل استراتيجية تهدف إلى إضعاف الأسس المتينة التي تحافظ على هوية الشعوب وتاريخها والبيئة التي يعيشون فيها. ومن دون هذا التراث، ستُمحى ذاكرة شعوب الأرض ويتعرض مستقبلهم للخطر.
يمثّل التراث، بكل ما يتميز به من تنوع، مصدرا للثروة الجماعية التي تشجع على الحوار؛ فهو وسيلة لمد جسور التواصل بين الحضارات، وتعزيز روح التسامح والاحترام بين شعوبها. ويشكل تدميره تهديداً السلام، من خلال عمليات الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية التي تبرز في كثير من الأحيان في أوقات الأزمات.
وبصفتنا رؤساء دول ورؤساء حكومات وممثليهم ومنظمات دولية ومؤسسات خاصة، فإننا نجتمع اليوم في أبوظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، للتأكيد على عزمنا المشترك لحماية التراث الثقافي المهدد بالخطر لجميع الشعوب من خلال تدميره والاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية. ولذلك قررنا توحيد قوتنا وجهودنا والتحرك بشكل جماعي.
إننا نشيد بالدعوة التي وجهتها المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ونعبر عن دعمنا للاتتلاف العالمي "متحدون مع التراث" الذي تم إطلاقه لحماية تراثنا المشترك من الدمار والاتجار غير المشروع. ونرحب بـ "استراتيجية سبل تعزيز أنشطة اليونسكو في مجال حماية الثقافة وتشجيع التعددية الثقافية في حالات النزاع المسلح"
نحن بحاجة إلى كفالة وضمان احترام القيم العالمية بما يتماشى مع اتفاقيات لاهاي الدولية في أعوام 1899و 1907و 1954 وبروتوكولي لاهاي الأخيرين في عامي 1954و1999، الأمر الذي يستلزم منا حماية الحياة البشرية والممتلكات الثقافية في أوقات النزاعات المسلحة. ويجب تنفيذ هذه العملية بالتعاون الوثيق مع منظمة اليونسكو التي تسعى منذ
عام 1954سعياً دؤوباً لحماية التراث ومكافحة الاتجار غير المشروع وتعزيز الثقافة باعتبارها أداة للتقريب بين الشعوب وتعزيز الحوار.

حشد الجهود
وانطلاقاً من العمل بروح عالمية، ومبادئ اتفاقيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو،) فإننا نلتزم بالمضي قدماً لتحقيق هدفين على المدى الطويل لضمان حشد جهود المجتمع الدولي لحماية التراث:
ـ& إنشاء صندوق دولي لحماية التراث الثقافي المعرض للخطر في أوقات النزاع المسلح. سيساعد الصندوق في تمويل العمليات الوقاتية والطارتة ومكافحة الاتجار غير المشروع في القطع الأثرية الثقافية والمساهمة في ترميم الممتلكات الثقافية التي لحقت بها الأضرار.
ـ& إنشاء شبكة دولية من الملاذات الآمنة لحماية الممتلكات الثقافية المعرضة لخطر النزاع المسلح أو الإرهاب على أراضيها، أو في بلد مجاور إذا كان تأمينها على المستوى الوطني غير ممكن، أو في بلد آخر كملاذ أخير، وذلك وفقاً للقانون الدولي وبناءً على طلب من الحكومات المعنية، مع الأخذ&في الاعتبار الخصوصيات والسياقات الوطنية والإقليمية للممتلكات الثقافية المطلوب حمايتها.
وفي هذا المؤتمر، فإننا نلتزم، بصفتنا رؤساء دول ورؤساء حكومات وممثليهم ومنظمات دولية ومؤسسات خاصة، بتوحيد جهودنا من أجل التراث بما يدعم الجهود الدولية لحماية التراث الثقافي المعرض لخطر النزاع المسلح والإرهاب. وسيتم عقد مؤتمر للمتابعة في 2017 لتقييم مدى التقدم المحرز في تنفيذ المبادرات المنطلقة في أبوظبي والمشروعات الأولى التي يتم تمويلها من قبل الصندوق الدولي.
إننا ندرك الدور البارز الذي تقوم به الأمم المتحدة ومؤسساتها ولا سيّما منظمة اليونسكو باعتبارها المنظمة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة المكلفة بحماية الثقافة، وندعو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دعمنا في تحقيق هذه الأهداف وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

&