كرّم المهرجان الدولي للفيلم في مراكش، في أمسية التكريم الثانية، السينمائي الياباني شينيا تسوكاموتو، احتفاء بتجربته التي تتوزع بين الإخراج وكتابة السيناريو والإنتاج، فضلًا عن التمثيل.

إيلاف من مراكش: جاءت أمسية التكريم بنكهة يابانية، بدا خلالها المكرّم وفيًا للروح اليابانية، الغارقة في التواضع ودفء التواصل الراقي، حيث شكر مؤسسة المهرجان المغربي ورئيسها الأمير مولاي رشيد، على اختيار تكريمه.

الفنان الياباني الشامل يستلم جائزته

خيارات فنان
تبرز التجربة السينمائية، التي راكمها تسوكاموتو، وبرز فيها ممثلًا ومخرجًا وكاتب سيناريو ومنتجًا، خيارات الرجل، التي ظلت تتوزع بين "التفاؤل أو التشاؤم"، "الحلم أو الحقيقة"، "الطبيعة أو المدينة"، "الصديق أو العدو"، "المسرح أو السينما"، "الأفلام المستقلة أو الاستديوهات الكبرى". وهي خيارات تجد سندها ومنطلقها من سياق مكاني وزماني خاص: اليابان والتحولات الحديثة والمتسارعة التي تعرفها، بشكل ينعكس على الأرض وطبيعة العلاقات بين الناس.

سيرة فنان
ولد تسوكاموتو سنة 1960، في طوكيو، حيث بدأ أولى خطواته في التصوير باكرًا، عندما منحه والده كاميرا صغيرة بمناسبة عيد ميلاده الرابع عشر. 

وبعد دراسته للفنون التشكيلية وإعلانه انطلاقة مساره المهني مديرًا لشركة متخصصة في إنتاج الإعلانات التجارية، أسس، سنة 1986، فرقته المسرحية الخاصة، مسرح كيجيو (مسرح كبار البحارة الوحوش)، التي أنجز، برفقتها، ثلاثة أعمال مسرحية، قبل أن ينتقل إلى الفن السينمائي. 

المخرج الياباني شينيا تسوكاموتو خلال تكريمه في مهرجان مراكش للفيلم

وبعد إخراجه لفيلمين قصيرين، لقيا استحسانًا كبيرًا، وقع في سنة 1988 على فيلم "تيتسو، الرجل الحديدي"، الذي، بالرغم من إنجازه في ظروف لا تخلو من صعوبة، استطاع أن يحقق حضورًا كبيرًا في العديد من المهرجانات الدولية، وهو فيلم يحكي قصة رجل أعمال ياباني تحول إلى مخلوق غريب نصفه إنسان، ونصفه الآخر معدن. 

كان من نِتاج ذلك أن شدّ المخرج الشاب إليه الأنظار بسرعة، فأخرج، سنة 1990، فيلم "هيروكو العفريت"، وهو فيلم أنجزه تحت الطلب لفائدة شركة يابانية كبرى. واستطاع تسوكاموتو أن يطوّر، في وقت مبكر جدًا، عالمًا خاصًا به يندمج فيه اللحم بالمعدن في شكل عضوي جديد، وحيث اليأس والقمع الناتجين من الحياة الحضرية يرشَحان بمنتهى العنف. 

بعد فيلم "تيتسو: جسم المطرقة"، تعززت قيمة الرجل في السينما اليابانية المستقلة من خلال الفيلم الدامي "طوكيو القبضة"، الذي أكد مكانته كمخرج سينمائي رائد. وفي سنة 1998، لعب الدور الرئيس في فيلمه الخامس، "رصاصة باليه"، الذي صوره بالأبيض والأسود، قبل أن يخرج، في العام الموالي، فيلم "جيميني"، الذي صور يابانَ عقد العشرينات من القرن الماضي. 

مشهد من فيلم "حيوي"

وفي سنة 2002، اختير للمشاركة للمرة الأولى في مهرجان البندقية بفيلم "ثعبان من يونيو"، للتواصل تجربته، في التمثيل والإخراج والكتابة، ليكون "نوبي .. حرائق السهل" آخر الأفلام التي أخرجها، فيما واصل التمثيل، مع مخرجين عالميين، بينهم الأميركي مارتن سكورسيزي.

قائد أوركسترا
يعتبر تسوكاموتو قائدًا حقيقيًا لأوركسترا متجانسة تؤلف عائلة سينمائية حقيقية تتشكل من مساعديه ومن ممثلين جميعهم على استعداد لموالاته من أجل تحقيق أكثر تخيلاته عجائبية، والتي تُستوحى من فن "خيال السيبربانك" لويليام جيبسون وبروس ستيرلينك وأفلام ديفيد لينش وديفيد كروننبرك. كما لا يتردد العديد من المخرجين الغربيين في استلهام المواهب المتعددة لهذا الكاتب والمخرج والممثل والمصور السينمائي والموضب والمدير الفني والمنتج العبقري.

تشاؤم وتفاؤل
يقول تسوكاموتو، عن خيار "التفاؤل أو التشاؤم"، في حياته وتجربته: "أفلامي عدمية أكثر مما أنا عليه، رغم ذلك، وحتى في الأفلام التي أنجزها، بما فيها الأكثر سلبية، هناك دائمًا شيء إيجابي يمثلني، يختبئ في العمق ويفرض وجوده رغم كل ذلك".

مشهد من فيلم "كوتومو"

هروب من الواقع
يتذكر تسوكاموتو، طفولته، وعن الذي قاده إلى السينما، فيقول: "في الأصل، أنا أحب الرسم التشكيلي وكتابة القصص واللعب. والسينما، بالنسبة إليّ، تجمع ذلك كله. أحب هذه الأنشطة كل على حدة، لكنّي أحب أكثر السينما، لأنها تمكن من جمع كل هذا الشمل. عندما كنت طفلًا، كنت أعشق تخيل أشياء كثيرة، في كل وقت. كان الأمر بالنسبة إليّ بمثابة هروب من الواقع. في المدرسة، كنت طالباً جيدًا، لكن من أجل لا شيء، كان تفكيري منصبًّا على شيء آخر! على السينما، من الممكن أن أصنع كل ما أتصور، كل ما يخالج تفكيري، أن أبلِّغ ما أنا شغوف به، وأن أصوره للعالم".

علبة صغيرة
يشرح تسوكاموتو خيار "الطبيعة أو المدينة"، في أعماله، فيقول: "عندما كنت في سن الثلاثين والأربعين، كنت أصور وأعرض الكثير من اللحم البشري بدلًا من الخرسانة والتكنولوجيا، وكنت أتجنب تصوير ما هو أخضر في مشاهدي. كنت أقصد، فعلًا، عدم تصوير الطبيعة. أردت أن يكون الإنسان هو العنصر العضوي الوحيد. منذ فيلم "حيوي"، بدأت أولي اهتمامًا أكبر للطبيعة، رغم أننا ما زلنا نشاهد الكثير من المناظر الحضرية. أردت أن أظهر أنه يمكن الوصول إلى الطبيعة من خلال المرور عبر نفق يجسده اللحم البشري".

مشهد من فيلم "نيبو: حرائق السهل"

تفاهة الحرب
يبرز خيار "الصديق أو العدو"، في أعمال تسوكاموتو، على أكثر من صعيد، حيث يقول: "في فيلم "نوبي: حرائق السهل"، أردت أن أقدم دراما عبثية عن الحرب، أن أنجز فيلمًا في فضاء مغلق في الطبيعة، أن يأتي الرصاص من كل مكان، لكن من دون تحديد مصدره. إنها طريقة أخرى لإظهار تفاهة الحرب".

الرجل الرصاصة
يبدو الأمر مختلفًا، تمامًا، بالنسبة إلى تسوكاموتو، في ما يخص خيار "المسرح أو السينما"، حيث يقول: "الفيلم يتشكل ببطء ثم يظل إلى الأبد، بينما في المسرح، عندما تنتهى الفرجة، لا يبقى هناك أي شيء. بالرغم من ذلك، فأنا أجد المسرح في أجساد شخوصي، وكذا في ديكورات أعمالي، وفي جمالية الخيال العلمي. فيما تبدو الاختيارات، على مستوى "الأفلام المستقلة أو الاستديوهات الكبرى"، مبررة، بالنسبة إليه.

مشهد من فيلم "تيتسو: الرجل الرصاصة"

لذلك، يقول: "سبق لي أن عملت مع الاستوديوهات الكبرى. بعد "تيتسو"، أخرجت "هيروكو"، وفي وقت لاحق، "جيميني" و"كابوس المخبر". هناك، أيضًا، "تيتسو: الرجل الرصاصة"، على الرغم من أني أنا صاحب المشروع. إنه عمل مشترك أعرف قوانينه بشكل جيد. عندما أتلقى مشاريع أعمال تحت الطلب، لا بد أن أجد وسيلة للتملك، أن أجعل من ذلك لعبتي الخاصة، وإلا فإن هذا المشروع لا يعنيني. أولئك الذين يقدمون أعمالًا كثيرة تحت الطلب يجب أن يكونوا مهنيين في السينما، أما أنا، فلا أعتبر نفسي مهنيًا: بل أنا، في غالب الأحيان، مؤلف".

مشهد من فيلم "تيتسو: الرجل الرصاصة"