عبد المجيد آيت مينة: خلال تقديم مشاهد منتقاة من فيلموغرافيا المخرج وكاتب السيناريو والمنتج المغربي الراحل عبد الله المصباحي، بدا كما لو أن عدداً من جمهور مهرجان مراكش يتعرف لأول مرة على أعمال هذا السينمائي المغربي، الذي دخل عالم السينما منذ منتصف عقود الستينيات من القرن الماضي، ورحل في سبتمبر الماضي، عن سن الثمانين.

الصمت، اتجاه ممنوع

بدت عناوين أفلام عبد الله المصباحي، كما تم استعراضها، في حفل تكريم ذكراه، شاعرية وجميلة، ذكرت الجمهور الحاضر في وجوه وأعمال عدد من عمالقة الفن المغربي والعربي، من قبيل فريد شوقي وعبد الله غيث ومحمد حسن الجندي ومحمود المليجي وأمينة رزق وسعاد حسني وعبد الوهاب الدكالي وحميدو بن مسعود وعزت العلايلي، من خلال أفلام "الصمت، اتجاه ممنوع"(1972) و"غدا لن تتبدل الأرض"(1973) و"إخواني الأعزاء"(1973) و"الضوء الأخضر"(1974) و"أين تخبؤون الشمس؟"(1975) و"فارس غرناطة"، وهو عمل تلفزيوني من 30 حلقة، و"سأكتب اسمك على الرمال"(1980)، الذي عرض سنة 1985 تحت عنوان "أرض التحدي"، و"طارق بن زياد"(1981)، و"أفغانستان، لماذا؟"(1983)، الذي منع من طرف الرقابة في 1984، قبل أن يعرض في المغرب بعد 32 سنة تحت عنوان "أفغانستان، الله وأعداؤه"، و"عائشة، المرأة المجهولة"(1987- 1989)، وهو عمل تلفزيوني من 30 حلقة، و"سعادة الآخرين"(1987 - 1989)، وهو عمل تلفزيوني من 15 حلقة(1987 - 1989)، و"سنوات الصانع التقليدي"(1987 - 1989)، وهو فيلم وثائقي، و"الفانتازيا"(1987 - 1989)، وهو فيلم وثائقي، و"الرجال لا يبكون"(1987 - 1989)، وهو عمل تلفزيوني من 5 حلقات، و"ثلاثية نداء الملك: الملك معنا _ المغاربة ونداء الملك _ الملك هنا"(2008 _ 2009)، وثلاثية "المغاربة: القدس، باب المغاربة _ محرقة غزة _ مغربيات من القدس"(2008 _ 2009)، و"غوانتانامو"(2008 _ 2009).

دموع ذكرى تكريم الوالد

مرت لحظات تكريم ذكرى عبد الله المصباحي حزينة، حتى أن ابنته المخرجة إيمان المصباحي، التي تسلمت نجمة التكريم، من يد الناقد السينمائي محمد باكريم، في حضور شقيقها حكيم المصباحي، غالبت دموع ذكرى والدها، في مشهد بدا كما لو أنها تختصر من خلاله غصة غياب والد رحل قبل أن يأخذ نصيبه من الاهتمام والاعتراف، لذلك قالت، بعد أن شكرت الأمير

المخرجة إيمان المصباحي ترفع نجمة تكريم ذكرى والدها عبد الله المصباحي

مولاي رشيد، رئيس مؤسسة المهرجان، وكل القائمين على تنظيمه، على تكريم ذكرى والدها: "إن هذا التكريم كان حتما سيسعد أبي لو كان مازال على قيد الحياة".
وخاطبت إيمان المصباحي روح والدها، قائلة: "رحلت بعد أن منحت للسينما كل حياتك، وأعطيتها كل ما تملك، حتى النفس الأخير. رحلت وأفلامك باقية، بعضها داخل الوطن، وبعضها خارجه. كانت هذه الأعمال مرآة وطن ومعاناة وأحلام حياة قطعها الموت".

إرث سينمائي

قالت إيمان المصباحي إنها، خلال مرحلة إعداد وتجميع لقطات لحفل التكريم، آلمها ما آلت إليه نسخ أفلام والدها، مشيرة إلى أن ذلك جعلها تحس بغصة، مع إحساس مر بفقدان والدها للمرة الثانية، لذلك وجهت نداء من أن أجل أن يرقد والدها وكل السينمائيين الذين رحلوا في سلام، بأن يتم ترميم أفلامهم والمحافظة عليها، مشيرة إلى أن "تلك الكيلومترات من الأشرطة هي الذاكرة السينمائية لتاريخنا، وهي، أيضاً، إرثنا الثقافي جميعاً".

تكريم ذكرى المخرج المغربي عبد الله المصباحي بمهرجان مراكش

من جهته، قال الناقد السينمائي محمد باكريم، عن عبد الله المصباحي، إنه "أحد رواد السينما المغربية"، ووصفه بأنه "عاشق كبير للسينما، التي سكنته، على عكس كثيرين يسكنون السينما"، مشيراً إلى أن رحلته إلى الشرق العربي، كانت مفصلية في تجربته، لأنها جعلته على وعي بأن تكون السينما منفتحة على الجمهور الواسع وعلى قضاياه. لذلك سخر السينما من أجل التواصل مع أوسع جمهور ممكن، هو الذي كان حاملاً لمشروع سينمائي متكامل ومنسجم، في سبيل سينما جماهيرية اجتماعية ذات بعد دولي.
وختم باكريم كلمته، في حق السينمائي الراحل، بقوله إن "مساره عرف نجاحاً وإخفاقاً، لكنه، اليوم، جزء من التراث السينمائي المغربي".

من الغرب إلى الشرق

ولد عبد الله المصباحي سنة 1936 بمدينة الجديدة بالمغرب، وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة فريبورغ بسويسرا، قبل أن يتجه لدراسة السينما في المدرسة العليا للدراسات السينمائية بباريس، حيث تخرج في الإخراج السينمائي وكتابة السيناريو، ليبدأ بعدها مسيرة حافلة بالعطاء، في مجال الفن والثقافة.
وبدأ المصباحي مشواره المهني في المسرح سنة 1956 في باريس، من خلال فترة تدريب أجراها مع فرقة المسرح الوطني الفرنسي، تحت إشراف جون فيلار، مما أتاح له في مرحلة لاحقة فرصة كتابة وإخراج العديد من الأعمال المسرحية المغربية منها "البربري"و "الوارث الموروث"، و"جحا و40 مزلوط". بعد ذلك، ببضعة أشهر، تقلد مسؤولية إدارة الوكالة المغربية للسينما، وهي فرع لشركة أفلام فرانكوفيكس باريس، فرحل إلى مصر من أجل تكوين قام به في استوديوهات القاهرة السينمائية العريقة. ثم تقلد بعدها مناصب عدة منها مدير مصلحة السينما ورئيس هيئة الرقابة على الأفلام بوزارة الإعلام، ومديرا بالنيابة للمركز السينمائي المغربي، ومدير المكتب الوطني للفيلم.

وتميزت سنوات الستينيات من حياة المصباحي بكونها كانت غنية بالعطاء؛ فإلى جانب المسؤوليات الإدارية التي كان يتحملها، كرس الكثير من وقته لعشقيه الأولين السينما والمسرح، فكان عضو لجنة تحكيم الأفلام القصيرة في مهرجان برلين في نفس السنة التي ترأس فيها اللجنة المخرج الأميركي كينك فيدور، وكتب مسرحية "الجدار" التي قدمت في مسرح شيلير في برلين ومسرح تاليا في هامبورغ، كما كتب وأخرج في دولة الكويت فيلما متوسطا بعنوان" شروق" وذلك لفائدة وزارة الإعلام الكويتية.

وفي نفس تلك الفترة، أخرج العشرات من الأفلام والبرامج للتلفزيون الوطني المغربي، من بينها مسلسلات درامية وأفلاما روائية تلفزيونية وبرامجَ منوعات. ولتطوير مسيرته الفنية، قرر الرحيل إلى الشرق الأوسط، وبالتحديد إلى مصر التي قضى بها عدة سنوات، قبل أن ينخرط في الكتابة والإخراج السينمائيين. وشكلت سنة 1983 نقطة تحول مهمة في حياته، حيث عُهد إليه بكتابة وإخراج فيلم "أفغانستان، لماذا؟" الذي قرر تصويره في المغرب، والذي تطلب منه رصد إمكانات كبرى، وحشد لأجله تقنيين وممثلين مغاربة ونجوما عالميين، من قبيل شاك كونورس وجوليانو جيما وإيرين باباس ومارسيل بوزوفي وحميدو بنمسعود وسعاد حسني وعبد الله غيث. لكن ظروفا قاهرة حالت دون إتمامه لهذا العمل الضخم. ورغم ذلك، لم يتوقف عن مواصلة مسيرة الإبداع وإنتاج العديد من المشاريع الفنية الكبرى، والتي لم يتمكن للأسف من إتمام معظمها، حيث لم تسعفه ظروفه الصحية من أجل القيام بذلك.