إيلاف من دبي: أكد محمد عبدالله القرقاوي، وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل في الإمارات، في كلمته الافتتاحية للمنتدى الاستراتيجي العربي، والذي انطلقت أعماله الأربعاء في دبي، أن فعاليات المنتدى ومبادراته تأتي ضمن توجه دولة الإمارات الدائم للاستثمار في استشراف المستقبل وما يحمله من تغيّرات، وخاصة ضمن منطقة تعاني اضطرابًا مستمرًا، واقتصاداً عالمياً أكثر ترابطًا وتعقيدًا، وعالمًا تقنيًا أسرع تغيّرًا.


&
تطورات غير مألوفة

وأعرب عن اعتقاده بأن العام القادم سيكون حافلاً بتطورات غير مألوفة في الخارطة السياسية العالمية، وسماه "عالم ما بعد انتخاب ترامب"، مشيراً إلى أن المنتدى "يأتي هذا العام في وقت نرى فيه انحساراً لمفاهيم العولمة، ومدًا كبيرًا لمفاهيم القومية والانكفاء للداخل في دول كبرى كانت تقود مفاهيم التجارة والثقافة العابرة للقارات".

وأوضح أن هدف المنتدى هو محاولة الابتعاد عن التحليلات المسيّسة والمسّيرة والمبالغ فيها، ومحاولة إعطاء صانعي التغيير في المجتمع العربي صورة أكثر دقة، واستشرافًا أكثر وضوحًا للمستقبل.

وأعلن القرقاوي خلال كلمته عن إطلاق "برنامج لتطوير مستشرفي المستقبل العرب"، وذلك في المجالين السياسي والاقتصادي، حيث سيعمل المنتدى الاستراتيجي العربي مع مجموعة من الخبراء والمراكز الدولية المعتمدة لتطوير نخبة من الشباب العربي المتخصصين، وذلك ليكونوا نواة لعلم الاستشراف الاقتصادي والسياسي.

واختتم بقوله إن الهدف الأكبر للمنتدى هو دعم صناع التغيير في العالم العربي ليكونوا أكثر استعدادًا وأكثر جاهزية لما يحمله المستقبل من تطورات سياسة واقتصادية، وبناء جيل من المستشرفين السياسيين والاقتصاديين العرب الذين يملكون المهارات في هذا التخصص المهم، بغية &رسم صورة دقيقة لصنّاع القرار للإسهام بتحسين حياة الشعوب في جميع أنحاء العالم.
&
فشل الحكومات

من جهته، أكد وزير خارجية مصر السابق الدكتور نبيل فهمي، والمفكر السياسي البروفسور غسان سلامة، أن العام 2017 ينطوي على فرص كثيرة لتفعيل الحوار السياسي العربي، رغم التحديات المتسارعة على أكثر من صعيد.

جاء ذلك، خلال جلسة رئيسية ضمن أعمال المنتدى الاستراتيجي العربي تناولت حالة المنطقة العربية سياسياً في العام 2017، استعرضا فيها رؤاهما للحالة السياسية المتوقعة على المستوى العربي في العام المقبل، والأطراف الخارجية الأكثر تأثيراً في المشهد السياسي.

وتوقع سلامة أن يشهد العام المقبل انتصاراً للجغرافيا والمكان، مؤكداً أن فشل بعض الحكومات لا يعني فشلها جميعاً، مدللاً على ذلك بحالة الازدهار التي تعيشها دولة الإمارات العربية المتحدة رغم التحديات المحيطة، وقال: "على الحكومات العربية أن تركز على طموحات شعوبها والتقرّب منها والتعرف على احتياجاتها والبدء بالتنفيذ لما يحقق مصالحها".

وقال فهمي: "إن عالمنا العربي يواجه اليوم مرحلة حاسمة تحمل معها فرصًا كبيرة لتقويم الوضع وتعزيز المواطنة العربية لنستعيد دورنا على الساحتين الإقليمية والدولية، لقد شهدنا خلال العقود القليلة الماضية، اعتماداً مبالغاً فيه على أطرافٍ خارجية أجنبية لتحديد عناصر المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، كما حصل في ليبيا وسوريا واليمن، الأمر الذي أدى إلى تقليص الوزن السياسي للعالم العربي عالمياً، أنا لا أدعو إلى الانعزالية هنا، بل أدعو إلى تنمية القدرات المحلية لإيجاد حلول ناجعة لهذه التحديات".


&
تراجع تركي

وخلال الجلسة التي أدارها الإعلامي مهند الخطيب من قناة "سكاي نيوز عربية"، قال سلامة: "شهد العام 2016 تراجعاً كبيراً للدور التركي في المنطقة، وتغييراً في مشهد العلاقات الروسية التركية، &ورأى أن حكومة ترامب ستميل إلى التقرب من روسيا على عكس علاقتها مع الصين وإيران، وأنها ستضع المصالح الأميركية في طليعة اهتماماتها حسب خطاب ترامب في حملته الانتخابية وما يمكن قراءته من تشكيلة إدارته.

فيما توقع فهمي أن يشهد العام 2017 محاولة أميركية روسية للتوصل الى صفقة لتسوية الوضع السوري، بما في ذلك تقليص دور إيران في الساحة السورية، مستبعداً وجود فرصة لإحياء عملية السلام في الشرق الاوسط خلال العام المقبل.

واتفق فهمي وسلامة على أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لا ينظر إلى المنطقة العربية بنفس المنظور الأميركي السابق ورجح فهمي أن تأخذ العلاقات العربية الأميركية خلال فترة ولاية ترامب منحىً مختلفاً عما كانت عليه، لتقوم على أساس المصالح وليس المبادئ.
&
ونفوذ إيراني

وحول دور إيران في المنطقة، أوضح سلامة أن النفوذ الإيراني استفاد إلى حد كبير من خطأين ارتكبتهما الولايات المتحدة، هما تدخلها في أفغانستان والعراق، ومحاولاتها الكثيرة للاستفادة من "الربيع العربي".

وفي ختام الجلسة، أكدا غياب رؤية عربية واضحة حول مستقبل المنطقة، وأن استقرار وأمن العالم العربي مبني على استقرار العلاقات بين الدول العربية الكبيرة، وضرورة تفعيل الحوار السياسي في ما بينها.
&
تحديات اقتصادية

في الجلسة الثالثة للمنتدى الاستراتيجي العربي أكد الدكتور جورج قرم وزير المالية اللبناني الأسبق والدكتور ممدوح سلامة الخبير النفطي العالمي خلال الجلسة الثالثة من المنتدى الاستراتيجي العربي، على أن الحالة الاقتصادية للعالم العربي في العام المقبل ستكون زاخرة بالتحديات.

وخلال الجلسة التي أدارها ناصر الطيبي من قناة العربية، قال قرم:" العالم العربي يعيش في ظل السياسة المرتبطة بأسعار النفط، يجب تخصيص 10% من عوائد النفط للاستثمار في القطاع التكنولوجي وقطعات مختلفة وتنويع الاقتصاد، إذا استثمرنا 5% من العوائد في الزراعة في السودان مثلاً، فسيتمكن العالم العربي من توفير احتياجاته الغذائية، ومن ثم تصدير الفائض إلى العالم".

ودعا دول الخليج لفرض ضريبة على الدخل واستثمارها في تنويع الاقتصاد، والتوقف عن دعم المحروقات، مشيراً إلى أن وفورات الدول بعد رفع الدعم على المشتقات البترولية ستصل إلى 170 مليار دولار سنوياً.


&
الشعب العربي

من جانبه، وصف ممدوح سلامة الشعب العربي بالخلاق والمبدع إذا توفرت له القيادة الحكيمة، مستشهداً بتجربة دولة الإمارات التي تمكنت من تخفيض الاعتماد على النفط بشكل كبير، ومشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية ستصبح في المستقبل القريب أكبر منتج ومصدر للبتروكيماويات، وهذه مؤشرات جيدة، لكنه أكد على أهمية دور القطاع الخاص في المساهمة في التحول الاقتصادي والاستثمار في التقنية لضمان اقتصاد مستدام مبني على الابتكار.

وقال: "يجب علينا التعلم من دروس الماضي وعدم التخوف من خفض انتاج النفط، الدول النامية ستستورد النفط إلى الأبد، والطاقة المتجددة لا تلبي إلا 2.7% من احتياجات الطاقة عالمياً، وهذا يعني أن الحاجة إلى النفط ستبقى والدول المنتجة ستعتمد على بيع النفط في تطوير وتنويع اقتصاداتها". &

ودعا سلامة أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" إلى عدم المبالغة في التخوف من النفط الصخري الأميركي، حتى لو عاد إلى الواجهة بعد ارتفاع أسعار النفط عالمياً، مشيرا إلى أنه يقدر خسائر النفط خلال العامين 2014 و2015 لدول الخليج والعراق بـ 320 مليار دولار.
&
اقتصاد متنوع

وحول الوصول إلى اقتصاد متنوع، ذكر قرم: "أن دول الخليج على الطريق الصحيح للانتقال إلى اقتصاد متنوع، ولكن 80% من استثمار الدول المنتجة للنفط يذهب إلى القطاع النفطي والعقاري والسياحي، والأفضل أن ننظر إلى دول شرق أسيا والتي ركزت استثماراتها على القطاع التكنولوجي وخاصة الشركات الخاصة، فعلى سبيل المثال شركة سامسونغ لديها 50 ألف مهندس باحث، لهذا يجب على الدول العربية التركيز على القطاع الكنولوجي والابتكار لتنويع اقتصادها والحد من هجرة العقول العربية المبدعة إلى الخارج".

وأكد أن اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي لديها إمكانيات لتحمل أي انكماش اقتصادي من خلال الامكانيات المادية الكبيرة التي تملكها، ولكن التركيز على تطوير مناخ الاستثمار سيسهل المعوقات التي تواجه مواكبة التطور التقني العربي.

وأضاف قرم: "أدعو القطاع الخاص إلى توجيه الاستثمارات إلى قطاع التقنية والابتكار، فنحن بعيدون جداً عن عالم الاختراع، فمثلا توجد 55 ألف براءة اختراع لكوريا الجنوبية، بينما العدد قليل جداً عربياً، ولهذا من المهم أن يتعاون القطاعان العام والخاص وخاصة في توفير واستخدام العلوم التقنية لتوفير فرص العمل للشباب العرب".
&
بطالة الشباب المتعلم

وقال إن البطالة بين الشباب المتعلم من أعلى النسب في العالم، لهذا من الضروري أن يكون هناك حوار حقيقي مع رجال الأعمال حول تشجيع التنافسية في القطاع الخاص والتي من الممكن أن تحفز الصناعة التقنية وبالتالي توسع نطاق فرص العمل.

وفي تعليق له على تأثر الاقتصاد العربي بالصراعات، قال قرم إنه إذا عم السلام في الدول العربية ستعود الرساميل العربية المهاجرة، وسيتم استقطاب الاستثمارات الخارجية، ودعا الدول العربية إلى تحرير سوق العملات لاستقطاب الرساميل.

وتوقع الدكتور إيان بريمر رئيس مجموعة يوروآسيا، أن تكون حالة عدم الاستقرار السياسي في أعلى مستوياتها خلال العام 2017، وأن الولايات المتحدة ستكون من أهم مسببات هذه الحالة، لاسيما عقب تغير المشهد الرئاسي فيها.

جاء ذلك، خلال مشاركة بريمر في الجلسة الرابعة من المنتدى الاستراتيجي العربي، التي تحدث فيها حول نتائج "تقرير حالة العالم في 2017" الذي أصدرته مجموعة يوروآسيا بالتعاون مع المنتدى الاستراتيجي العربي.

وأشاد بريمر بالنموذج الحكومي المتّبع في دولة الإمارات العربية المتحدة على نحو خاص، معتبرا أن حكومة الإمارات تمثل نموذجا لحكومات العالم المستقبلية، من حيث المرونة إزاء التغيير والقدرة على خلق البيئة الأنسب لمواطنيها للمساهمة في إحداث التغيير الإيجابي".
&
ترامب والاقتصاد

وقال إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية سيؤثر على مشهد النظام الاقتصادي، الذي سيصبح في عهده أشبه إلى حد كبير بنظيره الصيني، حيث سيسعى ترامب إلى تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال تشجيع الشركات على الابتعاد عن العولمة، وأضاف "على عكس الاعتقاد السائد في العالم بأننا نعيش مرحلة التجارة الحرة، إلا أننا بدأنا نشهد تحولاً تدريجياً، ستكون له أبعاد أكبر خلال العام المقبل".

وحول ردود الأفعال العالمية تجاه المشهد السياسي في أميركا، توقع أن يشهد العام المقبل تحولاً ملحوظاً في العلاقات الدولية الأمريكية، بحيث تحلّ اليابان مكان المملكة المتحدة كشريك أقرب للولايات المتحدة، في الوقت الذي ستواصل كوريا الجنوبية علاقاتها الوطيدة مع واشنطن".

وأشار إلى أن العام 2017 سيشهد حالة ركود جيوسياسي كنتيجة لصعود التيار الشعبوي وغياب الهوية السياسية في العديد من البلدان لا سيما في أوروبا. وتوقع أن تكون منطقة الشرق الأوسط من أكثر المتأثرين بحالة الركود بحكم استمرار حالة التذبذب وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة.

&غياب الطبقة الوسطى

وقال: "أدى توزيع الفرص عالمياً وسهولة الوصول إلى المنتجات والكفاءات الأقل تكلفة إلى غياب الاهتمام بالطبقة الوسطى ما جعلها أكبر المتأثرين بنموذج العولمة. مؤكداً &أن حالة الشعبوية الاقتصادية التي يشهدها العالم هي إحدى تداعيات العولمة.

وتابع أن "الشكل الحالي للعولمة هو التكنولوجيا العالية القادرة على استبدال العديد من الوظائف سواء في قطاع الخدمات أو على مختلف المستويات، سيكون لهذه المرحلة تداعياتها على الاقتصاد العالمي، وأتوقع أن نشهد ذلك خلال العشر سنوات المقبلة كحد أقصى، مشيراً إلى أهمية تغيير السياسات والنماذج الاقتصادية لمواكبة التحولات وعدم تجاهله كي لا يؤدي إلى عواقب لا يمكن تفاديها.
&
سوريا و"داعش" أولويات واشنطن

وتوقع الدكتور ستيرلنج جينسن من كلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات أن يؤثر انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية على المنطقة العربية على عدة مستويات، ودعا لبناء علاقات جيدة مع الإدارة الجديدة.

وأضاف خلال جلسة رئيسية ضمن أعمال المنتدى الاستراتيجي العربي: "ستكون سوريا و"داعش" ضمن أولويات الولايات المتحدة خلال العام المقبل، وستعمل الادارة الاميركية على مواجهة الارهاب، والحد من معاناة الشعب السوري وتأثير الحرب الدائرة على اقتصاد الدول المجاورة".&

ورأى أن العام 2017 سيكون فرصة للتركيز على إقامة علاقات مميزة بين الدول العربية والإدارة الأميركية الجديدة، والعمل المشترك لتخطي التحديات التي تواجهها المنطقة، وتعزيز التعاون والتبادل التجاري بما يعود بالنفع على شعوب المنطقة العربية والولايات المتحدة".

وحول الملف النووي الإيراني، توقع جينسن أن يكون العام المقبل عام تصعيد اللهجة مع إيران، وأن الإدارة الأميركية الجديدة لن تتفاوض مع إيران بخصوص الملف النووي، ورأى أن على الدول العربية أن تعزز علاقاتها مع الإدارة الأميركية الجديدة وتنمي الروابط التجارية والسياسية، وتعزز التعاون معها في مواجهة الإرهاب.