واقع العربية مؤسف، ولا تنتشلها من واقعها ذاك المؤسسات الثقافية. هذا ما خلصت إليه ندوة أقامتها اليونيسكو احتفالاً باليوم العالمي للغة العربية، حيث شدد باحثون على أن ضعف المؤسسات الثقافية العربية ينتج ضعفًا في الثقافة العربية نفسها، واللغة جزء منها.

إيلاف من باريس: تنظم اليونيسكو ضمن الاحتفالات باليوم العالمي للغة العربية 2016، تحت شعار «لغة الضاد والعلوم بين الأمس والغد» ندوات تبحث في مستقبل اللغة العربية، وسبل الحفاظ عليها. وقد عقدت اليوم الأربعاء ندوة أولى بعنوان: "هل أدت المؤسسات الثقافية واجباتها في تعزيز اللغة العربية؟"، وذلك في مقر اليونيسكو الرئيسي في باريس.

رئيس الندوة الدكتور زياد الدريس، رئيس الهيئة الاستشارية لتنمية الثقافة العربية (آرابيا)، السفير المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونيسكو، وتحدث فيها كل من الدكتورة طلحة فدعق، أستاذة العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى، والدكتورة مها عقيل، مديرة إدارة الإعلام في منظمة التعاون الإسلامي، &ومحمد بن عيسى، وزير خارجية ووزير ثقافة سابق في المغرب ومؤسس منتدى اصيلة، والكاتب الصحافي المصري أيمن الصياد، والدكتور جورج جبور، رئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة.

الثقافة ضعيفة

في كلمته، قال محمد بن عيسى: «المؤسسات الثقافية في مختلف البلاد العربية ضعيفة، ربما مع استثناءات قليلة، ينقصها المال والوسائل، وهي في أحيان كثيرة لا تتمتع بالأهمية على كل المستويات المسؤولة. وأغلبية المؤسسات في الوطن العربي تفضل المساهمة في الأعمال الخيرية وليس في اللغة، والدليل على ذلك أن المؤسسات الثقافية الممولة من جهات محلية قليلة خلافًا لما نشاهده في أميركا الشمالية، وفي عدد من الدول الغربية من متاحف ومراكز دراسات وغير ذلك».

&

&

مواجهات لغوية

أضاف: «الثقافة نفسها ضعيفة، فالفقر موجود في المؤسسة وفي الثقافة نفسها، إضافة إلى التجاذبات التي أرجو ألا تتحول إلى مواجهات، فالتجاذبات موجودة بين العربية ولغات أثنية أخرى، منها الكردية والأمازيغية والأشورية وغيرها... والنوبية أيضاً».

تابع بن عيسى: «أظن أن القرار سياسي، وعلى الدولة التي تريد المحافظة على لغتها وثقافتها، أي على هويتها، أن تتخذ قراراً سياسياً يعمل على تفعيل هذا التوجه بكل الوسائل، ويكمن المشكل للأسف في منظومة التعليم في أغلبية الدول العربية، فباستثناء جهود بعض الحكومات العربية في دعم اللغة، تهرب الطبقات المتوسطة والميسورة من تعليم أولادها في مدارس حكومية إلى مدارس انكليزية وفرنسية». وبيّن بن عيسى: «هذا أمر طبيعي، فأمام الأهل فرصة واحدة لتعليم أبنائهم، ولن يفرطوا بهذه الفرصة. بالتالي يتوجهون إلى المدارس الأجنبية، مبتعدين عن المدارس الحكومية».

ليست لغة الشباب

وتعترف الدكتورة مها عقيل بأن اللغة العربية ليست لغة العصر، على الرغم من أنها إحدى أكثر اللغات انتشاراً». وبيّنت عقيل أن العربية ليست لغة التكنولوجيا ولا لغة الشباب، مضيفة: «إنها لغة لا يستخدمها حتى الناطقون بها، فالفئة الأكبر من الناطقين بها هم يفترض أنهم من الشباب، وهم يستخدمون لغة أخرى إما تباهيًا بتعليمهم الأجنبي أو لمجرد الاستسهال والاعتياد».

تضيف: «كثيراً منا يستخدم كلمات اجنبية لدى الحديث باللغة العربية. نساهم في اضمحلال شأن اللغة العربية وذوبانها باللغات الاخرى. أصبحت اللغة العربية غير نقية وادخلت عليها كلمات اجنبية، بما صار يعرف بـ (العربيزي). السبب ان لغتنا لم تواكب العصر ليس لعجزها عن أن تتطور وتتغيّر … بل لاننا نحن نريدها هكذا». وتختم عقيل بالقول إن «اللغة تشكل المعبر الحقيقي لوجود شعب وثقافته. لا بد لنا من أن نعمل على تطوير لغتنا العربية والاستفادة منها».

واقع مؤسف

قدم &محمد الشطي، ممثل دولة الكويت في اليونيسكو، مداخلة قال فيها: "في المغرب العربي، هناك مصطلح "العربسية"، الذي يشير إلى اللغة العربية الممزوجة بالفرنسية، وهي تشبه العربيزي (عربي + انكليزي)، واللغة الانكليزية أثرت بعد الثورة الصناعية، كما أثرت أيضًا مرة أخرى بالثورة الرقمية - التكنولوجية - ثورة المعرفة. فاللغة أداة تعكس حالة المجتمع، إن كان المجتمع متقدمًا كانت اللغة مثله".

وقال الإعلامي السعودي ورئيس تحرير جريدة الرؤية الإماراتية، محمد التونسي في مداخلة سريعة: "ربما أصبحت اللغة العربية الفصحى لغة نخبوية وحتى حين تطالب الآخرين باستخدامها فأنت تطالبهم بأن يكونوا نخبويين. ثمة أصوات تطالب: طالما أننا قادرون أن نفهم بعضنا بالعامية، فلماذا نتحدث بالفصحى؟».

صاحبة الدور الأول

في مداخلة سعود الدوسري أتى أن المعروف أن اللغة العربية مرتبطة باللغة التعليمية، «وأتفق مع بعض من يقول إن المؤسسة الاعلامية هي صاحبة الدور الثاني ويجب ان تكون صاحبة الدور الأول في دعم اللغة».

وقال الدكتور احمد عبد الملك، الإعلامي والروائي القطري، إن واقع اللغة العربية مؤسف جدًا، «بعضنا يربطه بالاستعمار، لكن اعتقد أن الحكومات مسؤولة مسؤولية كاملة عن هذا التردي لأننا نسمع عن تطوير التعليم منذ ثلاثين عامًا ولم يحدث شيء. اعتقد أن اللغة العربية يمكن أن تكون لغة العصر لو حاول أصحابها نشرها كما يجب. نحن هنا نعاني من مشكلة من أربعة محاور: التعليم والاعلام والاسرة ووسائل التواصل الاجتماعي».