واشنطن: في عام 2013 بدا دونالد ترامب على وشك فتح أفق جديد في العلاقة مع روسيا، البلد الذي لطالما جذبه بامكاناته الهائلة للتنمية العقارية، لكن طموحه بلقاء الرئيس فلاديمير بوتين لم يتبلور، وتبددت المساعي التي بذلها على مدى ثلاثة عقود.

فمسابقة ملكة جمال الكون التي كان يملك حقوقها ترامب، الرئيس الاميركي المنتخب حاليا، كانت تستضيفها موسكو، وظن ان ذلك الحدث يمكن ان يؤسس لعلاقة مع الرئيس فلاديمير بوتين. وكتب ترامب انذاك على تويتر "أتظنون ان بوتين سيحضر مسابقة ملكة جمال الكون في نوفمبر في موسكو -- إن حضر، هل سيصبح صديقي الحميم الجديد؟". لكن اللقاء لم يحصل ابدا، علما بان بوتين اوفد أحد كبار مساعديه حاملا هدية للملياردير الاميركي.

كان تلك بداية خاطئة جديدة خلال ثلاثة عقود من مساع بذلها ترامب لارساء علاقات مع روسيا التي لطالما جذبته بامكاناتها وصلابة زعمائها ونهجهم العملي. وكتب ترامب في كتابه "فن الصفقة" ان انجذابه للاتحاد السوفياتي السابق بدأ عام 1986 عندما تحول غداء مع السفير السوفياتي يوري دوبينين الى فرصة استثمار.

يتذكر ترامب "ابنة دوبينين، كما تبين، كانت قد قرأت عن +برج ترامب+ وتعرف كل شيء عنه". واضاف "تتابعت الامور وانا الان اتحدث عن بناء فندق كبير فخم على الجانب الاخر من الشارع قبالة الكرملين. وسافر مع زوجته آنذاك ايفانا في السنة التالية للاطلاع على مواقع بناء محتملة في موسكو.

وكتب "كانت خبرة استثنائية، زرنا ستة مواقع محتملة لاقامة فندق، بما فيها مواقع عدة قرب الساحة الحمراء. نزلنا في جناح لينين في فندق ناشونال، وأدهشني طموح المسؤولين السوفييت لابرام اتفاقية".

قاس وبارد 
لم يأت ذلك بنتيجة، وفي العقد التالي عانى ترامب من افلاسات كازينوهاته في اتلاتنيك سيتي. لكن بحلول 1997 عاد الى الملف الروسي، واقام علاقات وثيقة بالنجم السياسي الصاعد الجنرال الكسندر ليبيد.

التقى الرجلان في "برج ترامب"، حيث بحسب مقالة في صحيفة "نيويوركر"، اثنى ليبيد على خطط ترامب بناء فندق في موسكو ووصفها بانها "ورقة اختبار" للاموال الاميركية المتفقدة الى روسيا. مزهوا بالثناء، اعطى ترامب ليبيد الملاكم السابق، نسخة من كتابه. وبعد اللقاء اعلن الملياردير النيويوركي ما اعجبه حقا بالروسي.

وقال ترامب عنه انذاك "هل يبدو قاسيا وباردا كما رأيت؟ إنه ليس برجل العقارات العادي، الخشن واللئيم. هذا الرجل يتخطى ذلك. ترى ذلك في العينين". لم تفض زيارة ترامب الى موسكو تلك السنة مجددا الى نتيجة، لكن سحرته البلاد وعناد قادتها اكثر من اي وقت مضى. وفي مسعاه الاول الى البيت الابيض عام 2000، كتب في كتابه الجديد عن اعجابه الكبير بالقوة الروسية.

وكتب "ما لا افهمه هو تردد مسؤولي السياسة الاميركيين عن التعاطي مع روسيا في قضايا متعلقة مباشرة ببقائنا" . وقال "تريدون التعرف الى رجل حازم فعلا؟ علي ان أذكر الجنرال الكسندر ليبيد، الذي جاء الى مكتبي قبل بضعة سنوات ليحاول اقناعي بتطوير عقارات وبناء كازينو في بلده روسيا. اتوقع له ان يصبح اهم رجل في مستقبل روسيا".

وتراجع ترامب عن سباق 2000 وتوفي ليبيد في حادث تحطم مروحية عام 2002. آنذاك كان بوتين الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السابق "كي.جي.بي" رئيسا للبلاد، وتحولت انظار ترامب الى الاموال الطائلة التي كانت يحولها الاثرياء الروس الجدد خارج البلاد.

انظر الى بوتين
في 2005 دخل ترامب في صفقة مع المطور النيويوركي "بايروك غروب" الذي كان يترأسه مهاجران من الاتحاد السوفياتي السابق. ووقع الطرفان اتفاقية لتطوير "برج ترامب" في العاصمة الروسية لم تبصر النور. في تلك الاثناء قاموا ببناء برج "ترامب سوهو" للشقق الفخمة المكون من 46 طابق في مدينة نيويورك، ومشاريع اخرى لعلامة ترامب في فلوريدا.

وكان مصدر التمويل والهدف الرئيسي للتسويق الاموال الروسية، بما في ذلك شركة استثمار مسجلة في ايسلندا، ذكرت دعاوى قضائية لاحقا انها "لصالح" بوتين. ولم يذكر ترامب في الدعاوى، لكنه اعلن في شهادة رأيه في الوضع.

وقال "إن روسيا من اكثر الاماكن الجذابة في العالم للاستثمار. سنكون في موسكو في مرحلة ما". وفي مسعاه التالي للبيت الابيض عام 2007، بدأ ترامب يغدق الثناء على بوتين. وقال للاري كينغ على شبكة سي.ان.ان "انظر لبوتين - ما الذي يفعله بروسيا".

واضاف "بغض النظر ان كنت تحبه ام لا -- فهو يقوم بعمل رائع في اعادة بناء صورة روسيا وكذلك اعادة بناء روسيا، نقطة على السطر. انسى مسألة الصورة". وبعد ان باع ترامب عقار "ميزيون دو لاميتيه" (بيت الصداقة) في بالم بيتش بولاية فلوريدا للملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف بمبلغ قياسي بلغ 95 مليون دولار عام 2008، أصبح اسمه اكبر داخل روسيا ودعا صحافيين من موسكو.

وقال لهم "حقا يعجبني فلاديمير بوتين. اكن له الاحترام. فهو يقوم بعمله بشكل جيد. افضل بكثير من بوش لدينا". بحلول 2011 بدأ ترامب يخطط جديدا لمعركة البيت الابيض. بالنسبة له مقارنة الرئيس باراك اوباما ببوتين كانت وسيلة للبروز.

ضعيف جدا
في كتابه السياسي الجديد"تايم تو غيت تاف: ميك اميركا وان اغين" (حان وقت الحزم: لنجعل اميركا الاولى مجددا) اثنى ترامب على بوتين "لذكائه ونهجه العملي". وكتب "احترم بوتين والروس لكن لا يمكنني ان اصدق ان زعيمنا يسمح لهم بالافلات بكل ذلك - أنا على ثقة بأن فلاديمير بوتين مندهش اكثر مني. كل التقدير للروس".

بحلول 2013 السنة التي اقيمت فيها مسابقة ملكة جمال الكون في موسكو، كان لدى ترامب صفقة اخرى لبناء ما يشبه "برج ترامب" قرب الكرملين. ذلك لم يحصل، لكن مديحه لبوتين، تصاعد. واشاد بمقالة بوتين في نيويورك تايمز التي قال فيها لواشنطن كيف تصنع السلام في سوريا.

وغرد ترامب على تويتر "إن رسالة بوتين تحفة لروسيا، وكارثة للولايات المتحدة. إنه يحاضر رئيسنا. لم تبد بلادنا اطلاقا بهذا الضعف". ومع وضع آرائه المؤيدة لروسيا تحت المجهر في 2015 عندما اطلق حملته، اثار ترامب انتقادات باستبعاده التساؤلات حول الجانب المظلم لبوتين.

وقال لشبكة "ايه. بي.سي" بكل عدل لبوتين، انت تقول انه قتل اشخاصا. لم ار ذلك" واضاف "لم يثبت اطلاقا انه قتل احدا". وقال ترامب لشبكة "ام.اس.ان.بي.سي" "إنه يدير بلاده، وعلى الاقل هو زعيم، على عكس ما لدينا في هذه البلاد". وحول استطلاعات الرأي المتعلقة بشعبية بوتين اضاف "اعتقد انها في الثمانينات ... فيما ترى نسب شعبية اوباما منخفضة في الثلاثينات والاربعينات".