إيلاف من برلين: تشير دراسة أجراها فريق من العلماء الإسبان إلى أن دماغ المرأة يتغيّر من ناحية الحجم والوظيفة طوال فترة الحمل، بل وتستمر هذه التغييرات لفترة سنتين تلي الولادة. ورصد العلماء هذه التغييرات على أدمغة الحوامل باستخدام أجهزة الأشعة بالرنين المغناطيسي، ثم قارنوها بنتائج الأشعة على أدمغة غير الحوامل.

وكتبت الباحثة ايزلينا هوكزيما وزملاؤها في مجلة "نيتشر نيورولوجي" ان التغيّر الهرموني في جسد المرأة اثناء الحمل يترك بصماته على دماغها أيضاً. وقدّر فريق العلماء أن ما يحصل من تغييرات على دماغ المرأة يعبر عن محاولة الإنسجام مع دورها الاجتماعي المقبل كمربية وراعية للطفل.&

وعبرت هوكزيما عن اعتقادها ان دماغ الأمهات المقبلات "يخضع لمزيد من النضج أو التخصص" في أجزاء الدماغ التي تتعلق بالمهارات الإجتماعية والتعاطف، إلا أن ذلك لم يشمل" القدرات المعرفية للأمهات". ولم يرصد الباحثون أية تغييرات في هذا المجال قبل الحمل وبعده. ويمكن على هذا الأساس تفسير التغييرات الدراماتيكية في عواطف المرأة، وتقلبها بين"الشرود" واكتئاب ما بعد الولادة. إذ ان زيادة فرز هرمونات البروجيسترون والاستروجين والأوكسيتوسين تفرض التغييرات اللازمة على الدماغ في محاولة لإعداد المرأة لدورها الجديد كأم.

دراسة شملت 25 امرأة

وكتبت هوكزيما، من الجامعة "المستقلة" (اوتونوم) في برشلونة، أن تأثير الهرمونات على دماغ المرأة أثناء الحمل معروف منذ فترة طويلة، إلا أن العلم افتقد إلى دراسات علمية تثبت ذلك. ونجحت الباحثة وفريق عملها من خلال دراسة على 25 امرأة حاملاً، أن تثبت هذه التغييرات بالصور الشعاعية الملونة.

رافق فريق البحث النساء بأجهزة الاشعة بالرنين المغناطيسي فترة سبقت الحمل، ومن ثم طوال فترة الحمل، ومن بعدها طوال سنتين أعقبت الولادة. وكشفت الصور الشعاعية، عند النساء اللواتي حبلن للمرة لأولى، عن تناقص في حجم الخلايا السنجابية في أدمغتهن.

وتركزت هذه التغييرات في المنطقة قبل الأمامية من مقدمة الدماغ، وفي قشرة الفص الصدغي منه. ومعرف ان نشاط هذه المناطق بالذات يتعلق بالوعي الاجتماعي والعواطف.

ويقول العلماء إن هذه التغييرات كانت من الوضوح والتخصص بحيث أنهم استطاعوا، على أساس الصور الشعاعية، التعرف على صاحباتها وتمييزها عن بقية الحوامل وعن غير الحوامل، بل وعن الصور الشعاعية لأدمغة الرجال أيضاً.

والمهم هو أن هذه التغييرات لم تنتهِ بانتهاء الحمل وولادة الطفل، وإنما استمرت لفترة سنتين أخريين اعقبتا الولادة. ولاحظ فريق العمل، بعد سنتين من الولادة، ان منطقة واحدة فقط في الحصين (Hippocampus) استعادت وضعها الطبيعي، بينما&اظهرت الاشعة& التغييرات الأخرى.

حجم أصغر... تخصص أكبر

كشفت الفحوصات الشعاعية أن هذه المناطق الدماغية تقلصت في حجمها فعلاً، إلا أنها زادت تخصصاً وتركزاً في وظائفها. وحينما شاهدت النساء الحوامل صور أجنتهن الشعاعية زاد نشاط الخلايا الدماغية في هذه المناطق بشكل ظاهر. إلا أن هذه المناطق لم تشهد نشاطاً مماثلاً، حينما عرضت على النساء الحوامل صور أطفال آخرين.

ومن ناحية المشاعر، ذكرت هوكزيما انهم رصدوا تغييرات تشبه التغييرات التي تحصل عادة في أدمغة الأطفال عن بلوغهم مرحلة الشباب. إذ زاد نشاط بعض الخلايا العصبية، التي يتعلق نشاطها بالعاطفة، على حساب أخرى، كما تم تنشيط مناطق أخرى كانت"خاملة" في السابق في المناطق التي تتعلق بالاراك الاجتماعي.

ويمكن للمرأة، بفضل هذه التغييرات، التعرف على عواطف وحاجات وليدها بشكل افضل، بحسب الباحثة اريكا باربا، التي شاركت في البحث. واضافت الباحثة أن الكثير من الأدلة تشير إلى أن هذه التغييرات في دماغ المرأة الحمل إيجابية وليست سلبية، منها أن هذه التغييرات، كما اثبتت الفحوصات، لم تؤثر سلباً على معارف الحوامل وذاكرتهن. ويمكن للمرأة بفضل هذه التغييرات الاستعداد لدورها الاجتماعي المقبل أفضل.
&