باريس: تشكل الاعتداءات التي ينفذها عسكريون أو شرطيون يصوبون سلاحهم ضد الشخصيات التي هم مكلفون بحمايتها، معضلة لأجهزة الامن التي لا تملك عمليًا أي وسيلة لتدارك وقوعها، بحسب ما أوضح اختصاصيون.

وأظهر الشرطي التركي مولود ميرت التينتاس (22 عامًا) شارته مساء الاثنين للدخول بسلاحه الى قاعة المعارض، حيث كان السفير الروسي اندريه كارلوف يفتتح معرضاً. 

وكان وجوده في هذه التظاهرة طبيعيًا، بل حتى مطمئنًا بنظر عناصر قوات الامن التركية الآخرين وحراس السفير.

ويظهر المهاجم في الصور هادئًا مركزًا، وهو يرتدي بدلة سوداء وربطة عنق، واقفًا مثلما يفعل عناصر الحراسة، على مسافة أمتار قليلة خلف السفير، قبل أن يشهر مسدسه فجأة ويطلق النار عليه في ظهره.

وقال قائد سابق لجهاز استخبارات فرنسي لوكالة فرانس برس طالبًا عدم كشف اسمه، "المسألة بسيطة في مواجهة حالة كهذه، لا يمكننا القيام بشيء. لا يمكن إطلاقًا تدارك الأمر. نقطة على السطر".

 وأوضح "حين يكون العنصر بقرب شخصية جنديًا، يرتدي بزته العسكرية ويحمل سلاحًا، فإن الحراس الشخصيين لا يحبذون ذلك، يلزمون عادة الريبة ويراقبون" الجنود.

وتابع: "لكنّ شرطيًا وسط الحراس الشخصيين لا يثير الشبهات. يجب رؤية معايير اختيار عناصر الحماية المقربة للشخصيات، مثل الجهاز السري في الولايات المتحدة، في الدول الغربية الأخرى، وبالتأكيد في تركيا أيضا. يتم اختيارهم بعناية فائقة ويجب أن يكونوا مستقرين نفسيًا للغاية. لا يثيرون ريبة أحد".

وتصف عناصر التحقيق الأولية الشرطي البالغ من العمر 22 عامًا، الذي قتل السفير، بأنه شاب تبع مسلكًا تقليديًا، فهو متحدر من محافظة آيدين بغرب تركيا، متخرج من كلية الشرطة في ازمير وألحق منذ أكثر من عامين بقوات شرطة مكافحة الشغب في أنقرة. وكان عضوًا في الفريق الامني المكلف حماية الرئيس اردوغان ثماني مرات منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو.

غير أنه رغم ذلك اختار تنفيذ اعتداء، وبعد اغتيال السفير رفع التكبير وتحدث بالعربية عن"الذين بايعوا محمدًا على الجهاد"، ثم ذكر "الاشقاء في سوريا" هاتفًا "لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب".

جندي من "جنود الأمة" 

وقال الطبيب النفسي في الولايات المتحدة مارك ساجمان، وهو عنصر سابق في السي آي إيه في باكستان إبان مقاومة الجهاديين للاتحاد السوفياتي، "الواقع أنه اعتبر نفسه جنديًا يدافع عن مجتمعه الخيالي، الامة الاسلامية، وهذا الولاء يتخطى كل شيء، حتى لو أنه تركي".

وتابع "اختار لنفسه ولاء آخر، بسبب ما حصل في حلب، كان يشعر بنفسه مسلمًا أكثر مما هو تركي. وإذا لم يحدث أحد عن ذلك، ولم يعطِ أي مؤشر لتغيير ولائه هذا، لا يمكن الاشتباه بالامر. وبالتالي، من شبه المستحيل منعه".

وتعرضت القوات المسلحة الغربية ولا سيما الاميركية لعشرات الهجمات من هذا النوع في افغانستان. ففي 5 أغسطس 2014، قتل الجنرال الأميركي هارولد غرين برصاصة من بندقية "إم 16" أطلقها عليها عن كثب جندي افغاني داخل حرم الجامعة الوطنية للدفاع في كابول، فكان أعلى عسكري اميركي رتبة يقتل في الخارج منذ حرب فيتنام.

وعلى الرغم من تدابير الحماية الصارمة، وإنشاء قوة حراسة مكلفة مراقبة الشرطيين والجنود من القوات الصديقة داخل القواعد العسكرية، ما زال هذا النوع من الحوادث يقع ولو انه بات نادرًا منذ سحب القوات المقاتلة من العراق وافغانستان.

وقال القائد السابق لجهاز استخبارات: "بالنسبة للجنود كما للشرطيين، فإن دور القادة يكمن في مراقبة رجالهم على أمل رصد أي مؤشرات تنذر بانتقالهم الى التحرك".

وختم "هنا تظهر أهمية منحى العلاقات الانسانية لدى القيادة. ما أن يبدل أحد الأفراد سلوكه، ولو بصورة طفيفة، ينبغي لزوم الحذر. لكن ليس هناك ما يمكن أن يمنعه من فعل ما قام به هذا الشرطي التركي عندما يحين أوانه. هذا أمر لا يمكن تداركه".